مدير البرامج الإسلامية في "جورجتاون": بإمكان العرب والمسلمين تحرير فلسطين

مشاركة
مدير البرامج الدينية الإسلامية في جامعة "جورجتاون د. يحيى الهندي مدير البرامج الدينية الإسلامية في جامعة "جورجتاون د. يحيى الهندي
واشنطن _ جيهان الحسيني 11:16 ص، 28 مارس 2023

أكد مدير البرامج الدينية الإسلامية في جامعة "جورجتاون"، الدكتور يحيى الهندي، أنه بإمكان العرب والمسلمين أن يعيدوا لفلسطين حريتها وجمالها، ويعيدوا للأمة مجدها وقوتها، لكنهم تناحروا فيما بينهم وتقاتلوا وانفصلوا بعصبيات وقبليات، فما عدنا كما كنا.

وقال الهندي - في حوار مع "حياة واشنطن"؛ بمناسبة افتتاح أول مسجد بجامعة "جورجتاون" الكاثوليكية اليسوعية العريقة، في واشنطن - إن الوجود الإسلامي في أمريكا ليس حالة طارئة، فالمسلمون بنوا هذا البلد، وانشاؤه، وسيبقون فيه لأنهم امتداد لحضور تاريخي في أمريكا.

يشار إلى أنه تم قبل أيام افتتاح مسجد "يارو محمود"، تيمنًا باسم أول مسلم أقام في واشنطن منذ عام ١٧٩٢ وحتى عام ١٨٢٣، في جامعة "جورجتاون"، وامتازت عمارة المسجد بالمزج بين الأصالة والحداثة.

ولفت الهندي إلى أن "جورجتاون" تعد أول جامعة في تاريخ أمريكا تقوم بتعيين مرشد ديني مسلم، موضحًا أن بها نحو ٦٠٠ طالب مسلم من كافة التخصصات.

وجامعة "جورجتاون" هي جامعة كاثوليكية بحثية خاصة ومقرها واشنطن العاصمة، وتأسست في عام 1789، وتعد أقدم جامعة يسوعية وكاثوليكية في الولايات المتحدة، وتقع في حي "جورج تاون" التاريخي. وكان لافتًا أن اغرورقت عينا الهندي بالدموع في احتفالية افتتاح المسجد، وهو ما فسره بالمشاعر المتضاربة التي انتابته، ما بين الفرح والبهجة بافتتاح المسجد، والحزن على ما آلت إليه أحوال الأمة، وما بين الشكر لله على ما تحقق، والأمل والرجاء في تقديم المزيد، وما بين استرجاع ذكريات الماضي، حيث الإنسان البسيط الذي نشأ في منطقة صغيرة على الكرة الأرضية ولكنه استطاع بإرادته وقوة ايمانه وعزيمته الفولاذية تحقيق إنجازات في الولايات المتحدة وفي جامعة من أعرق جامعاتها بل الأعرق في العالم، واستشراف تحديات المستقبل لمواصلة الإنجازات، وقال الهندي: "إنها دموع الفرح والحزن والدعاء والأمل والشكر، كل ذلك في آن".

وعن فكرة إنشاء مسجد في جامعة يسوعية كاثوليكية، قال مدير البرامج الدينية الإسلامية في جامعة "جورجتاون"، إن الجامعة الأمريكية، واحدة من 28 جامعة كاثوليكية يسوعية في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها من أعرق الجامعات في أمريكا، وأُسست قبل 230 عامًا تقريبًا، وباتت أول جامعة تُعين مُرشدًا دينيًا إسلاميًا، في العام 1999، وبت أنا أول مرشد ديني إسلامي في تاريخ أمريكا، مشيرًا إلى أنه عندما تم تعيينه حدثت ضجة كبيرة ، تناقلتها الصحافة ووسائل الإعلام.

وأشار الهندي إلى أن فكرة بناء مسجد في جامعة "جورجتاون"، كانت حلمًا راوده منذ أن التحق بالعمل بها، وبدأت بإنشاء مصلى صغير للطلبة المسلمين داخل غرفة في أحد مباني الجامعة لاتتسع لما يزيد عن 25 مصليًا، ولكن عندما ارتفع عدد الطلبة المسلمين زادت الاحتياجات، فبدأنا نتحدث عن مسجد وظل اختيار الموقع تحديًا كبيرًا؛ نظرًا لأن الجامعة مساحتها محدودة للغاية، فهي محاطة بنهر، ومستشفى ومنازل وسفارات، أي ليس هناك رقعة أرض متاحة لبناء المسجد، لذلك قررنا إقامة المسجد في قلب الجامعة، وداخل أحد مبانيها، ولكن على مساحة كبيرة، تضم عدة مرافق منها قاعة الصلاة وقاعة محاضرات ومنطقة الوضوء.

 

وأوضح أن التبرعات تم جمعها من الطلبة وأهاليهم وأيضًا بمساعدة مقدمة من المركز الديني الأمريكي في ميريلاند، الذي هو أكبر مركز إسلامي تركي في الولايات المتحدة.

وقال: "الأتراك ساعدونا في البناء التراثي للمسجد وقدموا لنا كل العون والدعم المادي واللوجستي بدون أي شروط"، لافتًا إلى أن السفير التركي وقرينته حضرا افتتاح المسجد، وجلسا بين المدعوين، دون أي اهتمام خاص بهما.

وأشار إلى أن إنشاء المسجد كلف حوالي مليون دولار أمريكي، قائلاً إن هناك 15 متبرعًا دعموا المسجد ماديًا، ولقد تم تدوين أسمائهم في لوحة، موضحًا أن بناء المسجد استغرق نحو 9 سنوات.

وأضاف أن إنشاء المسجد في هذه الجامعة العلمية المرموقة، استدعى وضع تصميم خاص يخاطب العقول ويحترمها، موضحًا أن اختيار الألوان والآيات القرآنية تم بعناية لإيصال رسالة بأن هذا المسجد سيرسخ رسالة الإسلام، وأن يكون منبعًا للرحمة والعلم والفكر واحترام الإنسان والتواصل مع الآخر.

وعن الآيات القرآنية المزخرفة التي وضعت على جدران المسجد، قال الهندي: "تم اختيار سورة الرحمن، لأن أهم تعاليم الإسلام هي الرحمة، وسور الرحمن تبدأ بالرحمة لأهميتها في التعاليم الإنسانية"، لافتًا إلى أن كلمة الرحمة مذكورة في القرآن بما لا يقل عن 400 مرة.

ورأى أن اختيار سورة النور جاء لكونها سورة تحثنا على العلم والتعلم فالله سبحانه وتعالى نوره كنور السماوات والأرض وما بينهما وفيهما، ونور الله لا حدود لها، والدين ليس له عرق ولا دولة ولا قبيلة، وأن نعلو على الفوارق الدينية والعرقية التي ابتدعناها.

أما عن اختيار سورة مريم، التي وضعت في المسجد، قال الهندي: "المسجد بداخل جامعة كاثوليكية، والسيدة مريم مهمة جدًا عند الكاثوليك، كما هي عند المسلمين، فهي المرأة الوحيدة التي سُميت سورة باسمها في القرآن، وهي مذكورة في القرآن 34 مرة، وفي الإنجيل 17 مرة، وباتت مريم عند علماء أهل التفسير مثال للروحانيات والتعبد، والإخلاص والشجاعة، وهي عندنا تمثل الأمومة والعلم والعبادة والروحانيات".

وأوضح أن آية الكرسي تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى هو القائم على كل شيء، بمعنى أن نسلم ونرضى بمشيئته، ولا نستسلم لمشاعر الحزن والهم  إذا أصابنا شيء.

وشرح الهندي، أسباب اختياره لألوان المسجد، قائلًا:  "تم اختيار اللون الأزرق كونه دلالة على السماء المفتوحة وهو الأفق الذي لا حد له"، مشيرًا إلى أن أرضية المسجد تم كسوتها بسجاد لونه "بيج"، لأنه أشبه بالتراب الذي منه جاءت البشرية وإليه تعود،  وهو يرمز إلى التواضع الذي هو جوهر البشرية، فالإنسان لا يكون إنسانًا إلا إذا كان متواضعًا.

وأوضح أن الهدف من وجود فواصل زجاجية داخل المسجد وعدم وجود أي جدار أو حائط أسمنتي،  للتأكيد على الشفافية والانفتاح على الآخر والتواصل معه وعدم العزلة، والتحرر الفكري وعدم التقييد في علاقاتنا، وكذلك رسالة لمن يأتي إلى المسجد سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، مفادها "أنت جزء منا".

وقال: "نحن نصلي لنتعلم كيف نكون رحماء"، لافتًا إلى أن الرحمة سلوك وشعار يجسد بالعمل، وبداية بالعلم، فمزيد من العلم يؤدي إلى مزيد من الرحمة، والقرآن يعلمنا كيف نكون سفراء لرسالة الرحمة في الإسلام، بأن لا نعيش في عزلة بل نعي وندرك مشاكل مجتمعاتنا وهموم أمتنا، لنقوم بواجباتنا تجاههم ونكون رحماء، فنعمل ما في وسعنا ونسخر ما نملكه من علم وقدرات لمساعدة الآخرين.

ولفت إلى أن تحديات عدة واجهته في رحلته العملية، أولها أنه كان أول مرشد ديني مسلم في أمريكا، وبالتالي بداية وظيفة جديدة ليس لها شبيه في أمريكا.

وتابع: "كان تحديًا كبيرًا، والتحدي الآخر هو كوني من أصل فلسطيني، فكونك فلسطينيًا في جامعة كاثوليكية في واشنطن، هذا في حد ذاته تحد، لأن البعض كان يمكن أن يستغل هذا الأمر".

ولفت الهندي إلى أنه متخصص في دراسة الأديان، فهو متخصص في الشريعة الإسلامية، ونال الماجستير في المسيحية والدكتوراة في الديانة اليهودية، ودرس الديانة البوذية، وحوار الأديان.

وأوضح أن التحدي الثالث هو "الإسلام فوبيا" لدى البعض، فتعيين مسلم في جامعة كاثوليكية من الطبيعي أن يرفضه بعض الناس، وهنا واجهت تحدي إثبات الذات، لافتًا إلى أن "التحديات لا زالت مستمرة".

وقال: "قدمت نفسي كعالم مسلم إنسان أمريكي يحترم الآخر والتعددية، فالعرب أنفسهم ليسوا على دين واحد، لكن الأمة العربية استطاعت أن تضم كل التناقضات الفكرية والدينية والعرقية والقبلية".

وأضاف: "أقدم نفسي للمجتمع الأمريكي كإنسان أولا، وأقدم نفسي كمسلم وعربي وفلسطيني"، موضحًا أنه يجب على المرأ أن يخاطب القوم بلسانهم، واللسان هنا ليس اللغة، ولكن القدرة على الخطابة، ومنهجية الطرح، وأسلوبه، وأيديولوجيته.

وأكد أن المسلم ليس عدائيًا، بل هو جزء من هذا النسيج الوطني، وأنا أتعامل من هذا المنطق، وحين تم تعييني مرشدا إسلاميا في الجامعة، جاءتني رسالة من الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ودعاني لزيارة البيت الأبيض، وكتب لي رسالة اعتبر فيها أن تعييني في هذا المنصب "معلم من معالم تاريخ أمريكا ذلك البلد المبني على التعددية"، فهو اعتبر تعييني شيئًا طبيعيًا، لأني جزء من النسيج الوطني الأمريكي، والمسلمون جزء من النسيج الوطني الأمريكي، ووجودي ليس ضد التعددية بل يدعم التعددية التي قامت عليها أمريكا.

 

رئيس جامعة جوجتاون يلقي كلمة في افتتاح المسجد

 

 

 

 

افتتاح مسجد "يارو محمود" في جامعة جورجتاون