اعتبر المحلل الأكاديمي الأمريكي الدكتور بول بيلار، أن خطر اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وإيران يتزايد، مؤكدًا أن أحد المؤشرات الأخيرة التي تنذر بذلك تتمثل في هجوم بطائرة مسيرة على منشأة عسكرية بمدينة أصفهان الإيرانية، وقد نسبه كل المراقبين تقريبًا لإسرائيل.
وفي تقرير نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الأمريكية، قال بيلار، الذي عمل لمدة 28 عامًا في أجهزة المخابرات الأمريكية، إن إسرائيل دأبت على القيام بعمليات هجومية مميتة في إيران منذ خمسة أعوام، لكن الخطر المتزايد الحالي لنشوب حرب أوسع نطاقًا يتعلق بسياسات الدولتين؛ حيث أصبحت سماتها المتطرفة وغير الديمقراطية واضحة بشكل خاص في الشهور الأخيرة. ويمكن اعتبار الموقف واجهة نظرية السلام الديمقراطي، التي وفقًا لها لا تشن الدول الديمقراطية حربا ضد دول ديمقراطية أخرى.
وأضاف بيلار أن هناك نذير خطر ظهر مؤخرًا وهو تصاعد العنف بين الاسرائيليين والفلسطينيين ، تخلله هجوم إسرائيلي على مخيم للاجئين في جنين بالضفة الغربية، مما أدى إلى مقتل عشرة فلسطينيين، من بينهم جدة تبلغ من العمر 61 عامًا، وليس من الغريب أن يؤدي العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين إلى محاولات انتقام فلسطينية، كما حدث في هذه الحالة.
وتابع أن تتصاعد دوامة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدرجة أكبر، فقد لقى أكثر من 150 فلسطينيًا حتفهم، العام الماضي، في عمليات عنيفة من جانب القوات الإسرائيلية، مقابل مقتل نحو خمس من الإسرائيليين نتيجة العنف الفلسطيني.
اقرأ ايضا: إسرائيل: واشنطن قد "تعاقب" الجنائية الدولية.. وسننهي حرب غزة عند تحقيق أهدافها
ولفت إلى أنه في الشهر الماضي، قتل الإسرائيليون 35 فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة، مما جعل شهر كانون الثاني/ يناير أكثر شهر يشهد هذا العدد من القتلى منذ أكثر من عشر سنوات.
وأوضح بيلار أن الصلة بين العنف الإسرائيلي – الفلسطيني وخطر التصعيد الإسرائيلي الإيراني ذات شقين: أحدهما هو محاولة إسرائيل الدائمة لصرف اللوم والاهتمام الدولي عن أي شىء له علاقة بإسرائيل من خلال إرجاع كامل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط إلى إيران، ويعد هذا سببًا رئيسيًا وراء تأجيج إسرائيل التوتر والمواجهة مع إيران، ورفضها وتقويضها للدبلوماسية التي تهدف إلى الحد من التوترات مع إيران.
وقال: "مع اجتذاب التزايد في سفك الدماء بين الفلسطينيين مزيدًا من الاهتمام الدولي غير المطلوب باحتلال الضفة الغربية، سوف يكون الدافع الإسرائيلي لتأجيج المزيد من التوتر مع إيران أقوى تمامًا".
وأوضح أن الصلة الثانية فهي أن إسرائيل تستطيع بصورة مشروعة الاستناد إلى الدعم الإيراني لجماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، رغم أنه من الصعب أن يكون هذا الدعم هو الذي يحرك المقاومة.
ويظهر تولي السلطة أكثر الحكومات اليمينية تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تأثيرات على كل من هاتين الصلتين، حيث إن ذلك التطرف، إلى جانب الإجراءات المختلفة من جانب حكومة نتنياهو الجديدة مثل تقويض القضاء، أدى إلى تساؤلات متزايدة بشأن اتجاه إسرائيل من قبل بعض أبرز مؤيديها التقليديين، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
وقال إن الحاجة المتزايدة لصرف الأنظار الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة، عن التطرف وتعزيز التأييد الخارجي، تؤدي إلى زيادة الدافع لدى نتنياهو لمواصلة إلقاء اللوم على إيران، واستمرار تعزيز العداء ضد الجمهورية الإسلامية، كما فعل في مؤتمره الصحفي الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن.
من ناحية أخرى، يرى بيلار أنه ربما تجد طهران أسبابًا لتأجيج الصراع الخارجي مع إسرائيل، وبوجه خاص منذ بداية الموجة الحالية من الاحتجاجات الشعبية في إيران، في أعقاب وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني، العام الماضي أثناء احتجازها، والتي أظهرت أن نظام إيران فقد تأييد الكثير من مواطنيه، لكنه لم يفقد الإصرار على استخدام كافة الوسائل الضرورية للبقاء في السلطة، قائلاً إن سقوط هذا النظام غير متوقع، لكن المؤكد توقع المزيد من العنف.
كما يرى أن معظم العنف الذي يتم بصورة رسمية هو أمر داخلي بالنسبة لإيران، وحتى الآن، استهدف العنف خارج حدود إيران المعارضين في المنفى، "وهي عودة للتصرف الذي سلكته إيران خلال سنواتها الأولى".
اقرأ ايضا: "فيتو" أمريكي جديد ضد قرار من مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار في غزة
وقال: "على أي حال، سوف يحاول القادة الإيرانيون الرد على العنف الإسرائيلي ضد إيران، وهو ما كانت تهدف إليه تقريبًا كل محاولات طهران لمهاجمة الأهداف الإسرائيلية".
وأضاف أنه في ظل استمرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في اتباع سياسة "الضغط الأقصى" الفاشلة تجاه إيران، والتي اتبعتها الإدارة السابقة، يرى صناع القرار في إيران - تمامًا مثلما لا يرى الفلسطينون اليائسون أي نهاية للاحتلال الإسرائيلي - أنه ليس هناك ما سوف يفقدونه سوى القليل، أو ربما لن يفقدوا شيئًا على الإطلاق، إذا حاولوا القيام بشىء غير عادي أو يتسم بالعنف.
ويوضح الموقف الحالي فيما يتعلق بإسرائيل وإيران كيف يمكن أن تتنافس الدولتان المتخاصمتان كل منهما ضد الأخرى، وتصبحان بالفعل أفضل الحلفاء، كل منهما للأخرى، وفي نفس الوقت تتحولان معًا إلى عدوين للسلام والاستقرار.
ويعتبر خطر جر الولايات المتحدة إلى هذا الوضع الخطير كبيرًا للغاية، فقد سمحت واشنطن لنفسها أن تكون مرتبطة عسكريًا بحكومة إسرائيلية سوف يسعدها وجود أمريكا في الجبهة الأمانية لأي حرب مع إيران. ولن يرى النظام الإيراني أي فارق بين أمريكا وإسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، لم تغلق إيران صفحة اغتيال إدارة دونالد ترامب قبل ثلاث سنوات لواحد من أبرز الشخصيات العسكرية والسياسية الإيرانية، وهو الجنرال قاسم سليماني.