من المتوقع أن يكون هذا العام عامًا ساخنًا، فقد تولّت الحكم في إسرائيل أكثر حكومة تطرفًا وعنصرية وتوسعية وعدوانية، وهي تعتقد أنها قادرة على حسم الصراع؛ لأنها قوية ومتماسكة، وتملك أغلبية تعتقد أنها كافية لجعلها مستقرة طوال فترة حكمها، كما يشير برنامجها والاتفاقات الائتلافية وتصريحات العديد من وزرائها.
حتى ندرك أحد الفروق المهمة بين هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها، سنجد أنها منذ بدء ما سمي زورًا "عملية سلام" أعلنت نفسها حكومات "حل الصراع"، أو "إدارة الصراع"، أو "تقليص الصراع"، مع أن هناك سياسات وإجراءات مستمرة، بغض النظر عن الحكومة، مثل: مصادرة الأراضي وتهويدها واستيطانها وطرد سكانها وتجميعهم في معازل آهلة بالسكان منفصلة أكثر وأكثر عن بعضها البعض، واستكمال تهويد القدس وأسرلتها، بما في ذلك المدينة القديمة والمقدسات، وخاصة المسجد الأقصى؛ حيث هناك محاولات حثيثة لتغيير مكانته، ومن المتوقع أن تتصاعد في عهد حكومة اليمين القومي والديني، تحت شعار "المساواة" بين المسلمين واليهود في ممارسة عباداتهم في الأقصى.
يمكن إسقاط حكومة حسم الصراع
السؤال: هل تنجح حكومة نتنياهو السادسة في حسم الصراع الذي لم يحسم منذ 75 عامًا، عندما ارتكبت الحركة الصهيونية جريمة النكبة. لا طبعًا، لا سيما في ظل إصرار الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه على الدفاع عن قضيته وإبقائها حية، وصمود نصف هذا الشعب على أرضه، وعدده أكثر من اليهود، على الرغم من كل الحروب والمجازر ومخططات التهويد والتهجير والتخويف، وتصميمه على الصمود والمقاومة والدفاع عن نفسه وأرضه وحقوقه وهويته الوطنية والمكتسبات التي حققتها الحركة الوطنية، وأهمها أن هناك قضية فلسطينية تحررية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وأن هناك كيانًا واحدًا يجسد الهوية الوطنية، وشعبًا يحمل هذه القضية، بغض النظر عن وجود أو عدم وجود قيادة بمستوى الشعب، وعلى قدر التحدي والمسؤولية.
كون حقيقة أن حكومة الفاشيين من الصعب جدًا أن تنجح في حسم الصراع، لا يقلل من خطورة ما يمكن أن تنجزه على طريق حسم الصراع، إذا لم تواجه بما تستحق، فنحن في العادة نبالغ في التقليل مما ينجزه العدو، ونضخم من إنجازاتنا.
وفي هذا السياق، نضع الحديث عن أن الحركة الصهيونية هزمت تمامًا على المحك، وكذلك أن إسرائيل إلى زوال، أو على وشك الزوال، بل إن هناك من تنبّأ بزوالها العام الماضي، وبدلًا من مراجعة نفسه والاعتراف بأن اجتهاده خاطئ، لا يجد غضاضة في تمديد نبوءته إلى هذا العام، أو إلى العام 2027، للترويج لما عرف بـ "لعنة الأجيال".
صحيح أن الحركة الصهيونية هزمت، ولكن بمعنى أنها لم تستطع جلب اليهود بكاملهم أو معظمهم إلى "أرض الميعاد"، ولا تزال تبحث عن شرعيتها المفقودة، ولم تستطع طرد نصف الفلسطينيين من وطنهم، فما زال عددهم أكثر من عدد اليهود، ولا تزال القضية الفلسطينية حية، والمقاومة مستمرة.
الحركة الصهيونية هزمت ولم تهزم
لكن، لا يجب أن يقلل ما سبق من الإنجازات التي حققتها الحركة الصهيونية، وخصوصًا أنها أقامت دولة متقدمة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، وهزمت العرب في حرب حزيران 1967، وأصبحت تحتل كل فلسطين، وصمدت في حرب تشرين 1973، وشنت هجومًا معاكسًا، وطردت منظمة التحرير من لبنان، وعقدت معاهدات سلام مع مصر والأردن، وإعلان مبادئ مع منظمة التحرير، من دون أن تنسحب من شبر من فلسطين، بل أصبح هناك 900 ألف مستعمر مستوطن في الضفة الغربية، بما فيها القدس، إضافة إلى أنها فرضت نظام فصل عنصري على الفلسطينيين داخل أراضي 48، وتحاصر قطاع غزة، وتشن العدوان العسكري وراء العدوان ضده، وتطارد لتصفية قضية اللاجئين عبر تغيير تعريف اللاجئ وتصفية وكالة الأونروا، ولم تنجح، ولكنها نجحت في توطين الكثير من الفلسطينيين في بلدان اللجوء والشتات، وإلى دفع المزيد من الفلسطينيين من سوريا ولبنان، ومن فلسطين، خصوصًا من قطاع غزة، إلى الهجرة أو الرغبة في الهجرة.
كما عقدت معاهدات مع عدد من الدول العربية، بما عرف بـ "اتفاقات أبراهام"، وتسعى إلى تتويجها مع السعودية، وخدعت العالم حتى الآن بأنها أقامت الديمقراطية الوحيدة في الصحراء العربية القاحلة، وهذا الزعم ستسقطه الحكومة الحالية التي يعدّها حتى كثير من الإسرائيليين واليهود في العالم انقلابًا على الديمقراطية، وتهدد مستقبل إسرائيل.
الآن، كيف يمكن إحباط مخططات الحكومة الإسرائيلية، التي تتضمن تعميق الاحتلال، والاستيطان والتهويد والضم والتهجير، والفصل العنصري في جميع أرض فلسطين، والعدوان العسكري بكل أشكاله، خصوصًا بإطلاق يد الجنود والمستوطنين لإطلاق النار دون قيود، وتشديد القيود على الأسرى، وفرض عقوبة الإعدام على الذين ينفذون أعمالًا تؤدي إلى قتل يهود، ووضع الفلسطيني في الداخل بين الولاء وسحب الجنسية، وتغيير مكانة الأقصى، وتفتيت الفلسطينيين بتعميق الفصل بين الضفة والقطاع، لدرجة التفكير بحل السلطة، وإقامة مكاتب أو سلطات محلية بدلًا منها، انتظارًا لتهجير المزيد من الفلسطينيين، واستدعاء الوصاية والبدائل العربية تحت السيادة الإسرائيلية لمحو اسم فلسطين من الخريطة السياسية والجغرافية في سياق إعطاء الأولوية للتطبيع مع العرب، لدرجة الكرم، كما أعرب نتنياهو، عبر الاستعداد لتأجيل الضم إذا وقعت السعودية معاهدة سلام معها، ضمن مسعى لتحالف عربي إسرائيلي ضد إيران؟
مرحلة دفاع لا توازن ولا هجوم إستراتيجي
تتمثل بداية الخلاص مما نحن فيه في:
أولًا: الإدراك أن الفلسطينيين على الرغم من كل عناصر القوة والعدالة التي بحوزتهم، والتي يمكن أن يحصلوا عليها، يمرون بمرحلة دفاع إستراتيجي؛ أي ليسوا في مرحلة هجوم إستراتيجي ولا توازن إستراتيجي، ولكن الدفاع الإستراتيجي ليس بالضرورة كله سلبيًا، وإنما يتضمن خطوات تندرج ضمن الدفاع الإيجابي الهجومي المدروس؛ ذلك بسبب التردي العربي، وعدم وجود مشروع عربي، وجراء سيطرة كيان الاحتلال على كل فلسطين، ووقوع الانقسام الفلسطيني الذي لا ينحصر بين حركتي فتح وحماس وبين الضفة وغزة، وإنما امتد إلى الخارج ووراء الخط الأخضر، وانتشر في جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في ظل تجميد المؤسسة الوطنية الجامعة، وفقدان الوفاق الوطني، وفي ضوء عدم احترام الشعب عبر الانتخابات.
ثانيًا: الإدراك بأننا في مرحلة دفاع إستراتيجي لا يتطلب التخاذل والاستسلام للأمر الواقع، أو التعايش والتعاطي معه لتكريسه، ولا المغامرة والتطرف والقفز عنه، عبر رفع سقف التوقعات، أو وضع أهداف عالية للتنفيذ العاجل، من دون قدرة على تنفيذها، ولا الرهان على الآخرين، سواء على المجتمع الدولي وإستراتيجية التدويل، أو الحقوق، أو الضغط الأميركي على إسرائيل، أو على حرب تشنها إيران أو محور المقاومة ضد إسرائيل. فالرهان أولًا وأساسًا على الشعب الفلسطيني، وبمقدار كونه فاعلًا وموحدًا وواقعيًا يستطيع التأثير عربيًا وإقليميًا ودوليًا، لا التغطية على الواقع المأساوي بالتبرير لواقع لا يمكن تبريره، ولا لماذا وصلنا إليه، والتبشير بمستقبل مشرق من دون شق الطريق القادر على الوصول إليه؟
التغيير الممكن على طريق تحقيق التغيير المأمول
المطلوب هو القيام بأقصى وأفضل الممكنات؛ لإحداث التغيير الممكن في القيادة والرؤية والإستراتيجيات والبرامج وطرق العمل والمؤسسات والقيادات، على طريق التغيير المأمول، ضمن رؤية شاملة للماضي ودروسه وعبره، وتحديات الحاضر ومخاطره وفرصه، ومتطلبات السير نحو المستقبل؛ رؤية تنبثق منها إستراتيجيات وبرامج تجسد القواسم المشتركة، وتأخذ بالحسبان الظروف والمهمات الخاصة بكل تجمع فلسطيني، ومن يرفض ذلك ويريد كل شيء أو لا شيء، ويطالب بالإطاحة بالقيادة وحل السلطة واعتماد المقاومة المسلحة كأسلوب وحيد أو رئيسي فليقم بذلك، فلماذا التردد، وإذا لم يستطع فليدعم لتحقيق أفضل وأقصى الممكنات، ولا أقول فن الممكن. فالشعارات الكبيرة من دون قدمين تضر مثلما تضر أفكار من نوع ليس بالإمكان أفضل مما كان.
حذار من الفوضى وحل السلطة من دون بديل
من الخطورة أن يُدفع الفلسطيني الضعيف حاليًا، الذي يعاني من توهان في ظل وصول المشاريع السياسية المعتمدة إلى طريق مسدود من دون بلورة مشروع جديد، بالإمكانات والأسلحة التي يملكها بالصراع نحو الحسم، وحل السلطة، والصراع المفتوح بلا قيود ولا برنامج ولا قيادة ولا تنظيم؛ ما يمكّن عدوه من الحسم لصالحه. فمن مصلحة الفلسطيني مشاغلة الاحتلال، واستنزافه، وتشتيت قواه، والضغط على نقاط الضعف التي لديه، وليس إثارة نقاط القوة. وهذا يقتضي التركيز على وضع أهداف مناسبة، والتركيز على المقاومة الشعبية والمقاطعة من دون استبعاد المقاومة المسلحة، ولكن ليس بوصفها الشكل الوحيد أو الرئيسي، بل الثانوي في هذه المرحلة؛ حيث تستخدم للدفاع عن النفس في وجه الاعتداءات والاغتيالات والعدوان العسكري، وتستهدف جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين المسلحين.
المعركة الرئيسية على الضفة، فلنركز هنا
إن الرؤية الشاملة التي تحدد الأهداف والمبادئ والقيم وأشكال النضال الرئيسية وقواعد الاشتباك الداخلي، لا تغني عن وضع برامج عامة وخاصة، فلا بد من إدراك أن المعركة الرئيسية الدائرة حاليًا هي على الضفة الغربية، بما فيها وعلى رأسها القدس، وحسم الأمر فيها لتصبح قولًا وفعلًا "يهودا والسامرة"، أو تبقى فلسطينية كما كانت وكما هي حتى الآن. وهذا يقتضي تركيز الجهود لإنقاذ الضفة، وما يتطلبه ذلك من توفير مقومات الصمود والمقاومة المثمرة، وتعزيز المناطق والقطاعات المهمشة والضعيفة والمعرضة للعدوان والاستيطان والتهويد والضم.
وهنا، تحتل المناطق المصنفة (ج) أهمية خاصة؛ حيث سيتركز الهجوم الاستعماري الاستيطاني عليها، فهي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة، وعدد المستعمرين المستوطنين فيها أكثر من ضعفي عدد الفلسطينيين الذين يتعرضون لعمليات مضايقة وملاحقة، إضافة إلى رفض ترخيص البناء والمشاريع، ومنعهم من مصادر المياه والكهرباء، وحتى من زيارة أراضيهم.
الأمم المتحدة والمحاكم الدولية لا تحرران، ولكنهما سلاحان ضروريان
في ضوء ما سبق، لا بد من إعادة النظر في موازنة السلطتين والفصائل والمنظمات على اختلاف مسمياتها؛ حيث تأخذ هذه المناطق الأهمية التي تستحقها. فجوهر الصراع كان ولا يزال وسيبقى على الأرض، وهنا يمكن الاستفادة من القانون الدولي والقرارات الدولية وسياسات الدول، مثل الاتحاد الأوروبي، من دون مبالغة وتضخيم؛ من أجل تكريس اعتبار هذه الأرض محتلة إلى حين تحريرها، ووقف الضم التدريجي والزاحف تمهيدًا للضم القانوني الذي ستسعى إليه هذه الحكومة، إن لم يكن فورًا فبعد عامين، على أمل أن يفوز دونالد ترامب أو مرشح يميني آخر من الحزب الجمهوري الأميركي في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، لكي تُطلق يد الحكومة الإسرائيلية التي تبقى مقيدة من إدارة بايدين إذا أرادت تنفيذ أهداف كبرى، مثل الضم والتهويد والتهجير وتغيير مكانة الأقصى؛ ما يعني أن السياسات السابقة نفسها بمعدلات أكبر وتكثيف أكثر هي المرشحة للتنفيذ فورًا وستتغير عند توفر ظروف مناسبة.
الرهان على الذات، وتوفير مقومات انتصار الانتفاضة أولًا
حتى ينجح الفلسطينيون في معركتهم لإحباط تنفيذ مخططات الحكومة الإسرائيلية، يجب أن يعتمدوا على أنفسهم أساسًا، من دون تجاهل الأطراف واللاعبين الإسرائيليين والعرب، وفي العالم كله، الذين تخوفوا من هذه الحكومة، وهم قلقون منها ومستعدون للمساهمة بمنعها من الإقدام على ما من شأنه إحداث انفجار كبير.
وهنا، نصب بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية التي تدعو إلى هدم المعبد علينا وعلى أعدائنا، وتساهم وتروج لحدوث الانفجار الكبير، واندلاع انتفاضة مسلحة أو شعبية، أو تجمع ما بين الشكلين، من دون أن يتذكروا ضرورة وضوح الرؤية، وتوفير مقومات الانتصار لأي انتفاضة قادمة، حتى لا يكون مصيرها مثل مصير سابقاتها التي لم تكن مكاسبها شأنها شأن كل النضالات الفلسطينية بحجم البطولات والتضحيات والمعاناة؛ ذلك بسبب الأخطاء، والقصور الذاتي، وحجم المؤامرات الخارجية. فالانتفاضة الأولى الشعبية أوصلتنا إلى أوسلو، وصولًا إلى ما نحن فيه. أما الانتفاضة الثانية المسلحة المغدورة فأوصلتنا إلى تولي قيادة لا ترى سوى التعايش مع الأمر الواقع، ولا تؤمن بشعبها وبأهمية النضال بمختلف أشكاله لتحقيق الأهداف والحقوق الوطنية، وصولًا إلى الانقسام المشؤوم. وفي حال اندلعت انتفاضة ثالثة، ولم تستوعب دروس الانتفاضتين السابقتين، فيمكن أن تقود إلى أسوأ مما حصل حتى الآن، بما يسدل فصل الختام على الحركة الوطنية المعاصرة بأطرافها المختلفة الوطنية، والإسلامية الوطنية، واليسارية الوطنية، والقومية الوطنية.
تبني برنامج وطني واقعي خطوة لا غنى عنها
أهم درس من التجارب السابقة هو وضع برنامج في قلبه هدف وطني كبير قابل للتحقيق على المدى المباشر، وفي أقصى حد المدى المتوسط؛ حيث يكون هو الناظم لكل الأعمال والأهداف الأخرى. وأعتقد أن الهدف هو إنهاء الاحتلال والاستيطان وإنجاز الحرية والاستقلال لدولة فلسطين على حدود 67، عبر النضال لتغيير موازين القوى حتى تسمح بإنجاز هذا الهدف.
إن الذي سقط هو ما يسمى "حل الدولتين"، وإنجاز دولة عبر وضع مصيرها بيد إسرائيل، من خلال التفاوض الثنائي بغطاء أميركي وعربي ودولي. أما إنجاز الاستقلال الوطني بإجبار إسرائيل على الانسحاب من خلال المقاطعة والمقاومة بكل أشكالها بما في ذلك العمل السياسي والقانوني والديبلوماسي، فهذا لم ولن يسقط ما دام هناك الملايين من الفلسطينيين على أرض فلسطين، ومتمسكين بوجودهم، ومستعدين للنضال لتحقيق حقوقهم.
في الوقت نفسه، يضع شعبنا وراء الخط الأخضر هدف المساواة الفردية والقومية وإسقاط نظام الفصل العنصري، ويضع شعبنا في الخارج هدف العودة، والحفاظ على الهوية الوطنية، والدفاع عن الحقوق المدنية لشعبنا في أماكن اللجوء والشتات. وعلى أساس أن أي تقدم لجزء من الشعب على طريق تحقيق هدفه، يساعد على تحقيق الأهداف الأخرى، والعكس صحيح، مع أن إنهاء الاحتلال هو القاطرة التي يمكن أن تقود الأهداف الأخرى.
هناك اعتبارات كثيرة تجعل هدف إنهاء الاحتلال يتصدر الأهداف الأخرى، أهمها أن هناك أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع، وأن هناك نقطة ضعف الاحتلال، ونظرًا إلى أن العالم كله تقريبًا لا يعترف باحتلال إسرائيل، وهناك قرارات دولية تسند الحق الفلسطيني، آخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب إصدار رأي استشاري من محكمة العدل العليا، حول ماهية ومصير الاحتلال، والآثار القانونية وغيرها المترتبة على هذا الاحتلال الطويل جدًا؛ ما ينزع عنه صفة الاحتلال المفترض أنه مؤقت، ويحوله إلى ضم، وبالتالي يعزز الادعاء بأن إسرائيل ليست استعمارًا استيطانيًا واحتلالًا فقط، وإنما نظام فصل عنصري كذلك.
إذا كانت الوحدة الفورية متعذرة، فلا مفر من الوحدة الميدانية
يتمثل الرد الفلسطيني الطبيعي على المخاطر الوجودية التي تطال الكل الفلسطيني - على اختلاف آرائهم ومسمياتهم - الناجمة عن حكومة الفاشيين، في الوحدة الفورية السياسية والكفاحية والمؤسسة. ولكن، النخب الحاكمة والمؤثرة لا تتجاوب مع هذه الضرورة؛ ما يتطلب التنسيق والتكامل وضرب النماذج الوحدوية في كل المجالات والقطاعات والمناطق، وتجسيد الوحدة الميدانية في سياق المقاومة التي تضرب في الاتجاه نفسه وضد العدو المشترك ولكن بشكل منفرد، وهذا أضعف الإيمان، ومعرض للتضارب ولعدم الدوام.
كما يتمثل الرد في الشروع في حوار وطني شامل على أسس جديدة، وبمشاركة لاعبين جدد لإنجاز الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة حقيقية؛ لأن إعادة إنتاج الحوارات والاتفاقات السابقة، بالأشخاص وممثلي الفصائل أنفسهم، سيقود إلى النتائج نفسها.
وأخيرًا، يمكن النهوض من الوضع الحالي، فلقد مر الشعب بظروف أسوأ ونهض، كما حصل بعد جريمة النكبة، حين انطلقت الثورة الفلسطينية، وبعد الغزو الاسرائيلي للبنان العام 1982، تصور الكثيرون أن القضية انتهت، فنهض المارد الفلسطيني من خلال انتفاضة شعبية.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن الصمود والتحدي في هذا العام، ويمكن البدء بالنهوض الوطني والاختبار في القدرة على إفشال الحكومة الإسرائيلية، وإسقاط برنامجها التوسعي والعدائي، وهذا ممكن إذا طرح الفلسطينيون، ووفروا متطلبات تشكيل جبهة عالمية ضد الاستعمار والاحتلال والفصل العنصري، تضم كل المعادين والمعارضين لبرنامجها، على أساس أن تكون خطوة عزلها ومقاطعتها وإسقاطها خطوة على طريق إنهاء الاحتلال والاستيطان وتجسيد استقلال دولة فلسطين، وإنجاز المساواة وإسقاط الفصل العنصري، وتحقيق حق العودة بوصفه مرحلة على طريق تحقيق الهدف النهائي بإقامة الدولة الديمقراطية التي تتسع للجميع، بعد هزيمة وتفكيك المشروع الاستعماري الاستيطاني، على أساس المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم وجنسهم ولونهم.
* مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية_مسارات
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الحياة واشنطن