مازالت القيادة الإثيوبية تسير فى نهجٍ أحادى ومتعمد إزاء التعامل مع قضية السد الإثيوبى معتقدة أنها سوف تواصل هذا المشروع إلى مالانهاية كما تريد وغير عابئة بالنتائج السلبية المترتبة على مصر والسودان من جراء هذا النهج المنفرد وضاربة بعرض الحائط الاتفاقات الدولية ومن بينها إعلان المبادئ الملزم للأطراف الثلاثة الموقعة عليه فى مارس 2015، وإذا كانت المفاوضات التى استغرقت عقداً كاملاً لم تنجح فى التوصل إلى النتائج المرجوة إلا أن الواقع يؤكد أن إثيوبيا هى التى أفشلت المفاوضات.
وفى خضم التعنت الإثيوبى وجمود العملية التفاوضية لم تتوقف مصر لحظة واحدة عن أن تجعل قضية السد الإثيوبى فى دائرة الضوء بصفة دائمة والتحذير من مغبة استمرارها دون حل خاصة مع بدء إثيوبيا عملية الملء الثالث بإجراء أحادى، ولذا أسرعت مصر بإرسال خطاب إلى مجلس الأمن يوم 29 يوليو 2022 من أجل تحميل المؤسسة الدولية مسئوليتها المنوطة بها إزاء الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين الذى سوف يتهدد بالتأكيد من تداعيات هذه القضية. تعكس القراءة الدقيقة للخطاب المصرى الموجه إلى مجلس الأمن أمرا مهما يجب التوقف عنده كثيرا والتركيز على كل مفرداته وهو أن مصر لم ولن تغير موقفها منذ بداية الأزمة وحتى الآن ولاسيما تأكيد أنها لن تتهاون تجاه أى مساس بحقوقها وأمنها المائى وأنها تحتفظ بحقها الشرعى فى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومى إزاء أى مخاطر قد تسببها الإجراءات الإثيوبية الأحادية مستقبلاً.
اقرأ ايضا: هل تتحول القمم العربية والإسلامية إلى سرادقات للعزاء؟
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن مصر سعت خلال الفترة الأخيرة إلى أن تضع القوى الكبرى أمام مسئولياتها حيث كانت هذه القضية واحدة من القضايا المهمة التى بحثها السيد /الرئيس السيسى مع الرئيس الأمريكى على هامش لقاء مؤتمر الأمن والتنمية فى جدة يوم 17 يوليو والتوافق التام الذى أبداه الرئيس جو بادين مع الموقف المصرى بشأن ضرورة التوصل إلى حل لهذه القضية دون تأخير، وقد ترتب على هذا اللقاء بدء المبعوث الأمريكى للقرن الإفريقى جولة جديدة فى المنطقة بهدف استكشاف فرص استئناف المفاوضات.
وفى الجانب المقابل فقد حاولت إثيوبيا أن تبدو وكأنها تتعامل بشكل قانونى مع هذه الأزمة وذلك عندما أبلغت مصر يوم 26 يوليو بأنها سوف تستمر فى عملية ملء خزان السد خلال موسم الفيضان الحالى، وفى تقديرى أن هذا التصرف الإثيوبى هو حق يراد به باطل فهل يعقل أن تقوم أديس أبابا بهذه الإجراءات الأحادية التى تضر بالأمن المائى المصرى والسودانى وتكتفى بعملية الإبلاغ دون التوصل إلى اتفاق مسبق بالشأن مع دولتى المصب.
وفى رأيى أنه من حق الرأى العام المصرى أن يستفسر عن كيفية تعامل القيادة السياسية مع هذه الأزمة خلال المرحلة القادمة، وفى هذا المجال أؤكد خمس نقاط أرجو من الرأى العام أن يعيها جيداً وهى كما يلي:-
النقطة الأولى أن قضية السد الإثيوبى تمثل أهم أولويات القيادة السياسية المصرية ولن تقبل التنازل عن حقوق مصر المائية مهما تكن النتائج.
النقطة الثانية أن مصر انتهجت حتى الآن كل الوسائل التى تتيح إمكانية حل هذه القضية بالوسائل السلمية ولم تترك باباً واحداً إلا وطرقته من أجل ألا تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه على المستويين الإقليمى والدولى.
النقطة الثالثة أن كل الوساطات التى تدخلت على المستويات الإفريقية والأوروبية والأمريكية لم تنجح فى التوصل إلى حلول مقبولة ومن ثم فإن التطورات الأخيرة كانت تتطلب من مصر اللجوء إلى مجلس الأمن وهو حق أصيل لهاطبقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة حتى تستكمل دائرة تحركاتها بغض النظر عن طبيعة الموقف الذى سوف يتخذه مجلس الأمن على المستويين الإجرائى والموضوعى فى ضوء اختصاصاته، وفى تقديرى أن المجلس لن يتحرك بالصورة التى نرجوها ولكن يظل تعاملنا معه ضرورياً ومطلوباً.
النقطة الرابعة أن مصر لاتزال حتى الآن حريصة على استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل وملزم قانوناً بشأن ملء السد، وتشغيله ولكن للأسف فإن الآذان الإثيوبية لاتزال مغلقة ولا ترى إلا مصالحها هى فقط.
النقطة الخامسة أن القيادة السياسية المصرية التى تتفانى من أجل مصلحة الوطن والمواطن فى كل المجالات تظل جديرة بأن تحظى بدعم غير مسبوق من الشعب المصرى ومختلف مؤسساته تجاه أى قرار سوف تتخذه.
ولاشك أن مصر كانت حريصة من خلال الخطاب الأخير الذى وجهته إلى مجلس الأمن على أن تنقل رسالة صريحة إلى المجتمع الدولى بأكمله مفادها أن عدم الاكتراث الدولى لحل أزمة السد الإثيوبى سوف يترتب عليه نتائج سلبية غير مسبوقة فى قضية تعتبر بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، ومن المؤكد أن القيادة المصرية سوف تنتهج مسار الحياة لمصلحة الأجيال الحالية والقادمة مع امتلاكها كل الحق فى التصدى لكل ما يهدد أمنها القومى.
وفى النهاية إذا كان لى أن أوجه رسالة إلى القيادة الإثيوبية فإنى أؤكد لها أن عليها أن تكون مرنة مع مصر التى لاتزال منفتحة للتفاوض والتوصل إلى حل سلمى مرض يحقق مصالح جميع الأطراف ويوفر التنمية المطلوبة لإثيوبيا دون الإضرار بدولتى المصب، إلا أنه فى نفس الوقت فإن على إثيوبيا أن تعلم جيداً أن الدولة المصرية الحضارية والمسالمة والقوية والتى لا تهدد أحداً تعرف تماماً كيف تحافظ على أمنها القومى وأرجو ألا تتشكك ولو للحظة واحدة فى ذلك.
* نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
اقرأ ايضا: رسالة إلى الشعب الإسرائيلي وداعميه
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "الحياة واشنطن"