تترقب الأنظار موعد انطلاق الحوار الوطنى الذي دعا إليه السيد الرئيس حيث يقوم المنسق العام للحوار بالإعلان تباعاً عن التطورات التى تؤكد تزايد نسب الموافقة على المشاركة، وفى رأيى أن قضية الأمن القومى سوف تلقى بظلالها على الحوار بإعتبارها إحدى القضايا التى من الطبيعى أن تحظى باهتمام الرأى العام ومختلف الأحزاب والمؤسسات، بل إنها سوف تعد إحدى أولويات النقاش باعتبارها تمثل القاعدة الرئيسية التى ينطلق منها بحث أية قضية.
وفى ضوء القناعة بأن الأمن القومى المصرى يعد مسئولية جماعية تشترك فيها الدولة والمواطن فسوف أحاول فى هذا المقال توضيح بعض جوانب تحرك الدولة فى مجال الحفاظ على أمنها القومى انطلاقاً من قناعتى بأن الحوار الوطنى المزمع فى حد ذاته هو جزء من متطلبات الأمن القومى .
من الأمور الإيجابية التى يجب التنويه إليها أن مصر لديها قيادة سياسية وطنية تتفهم تماما معنى الأمن القومى ونجحت تماما فى الربط بوعى وحرفية بين قطار التنمية المتسارع فى ربوع الدولة وبين متطلبات الأمن القومى، خاصة على مستوى الاتجاهات الإستراتيجية شرقا وغربا وهذه هى الرؤية السليمة التى تضفى مزيدا من القوة إلى مقدرات القوة الشاملة للدولة. لا يمكن لنا الحديث عن قدرة الدولة المصرية على مواجهة المخاطر التى تواجهها على المستوى الخارجى دون أن تكون هناك ركيزة داخلية تستند عليها فى مواجهة التحديات والمهددات، وفى يقينى أن لدينا جبهة داخلية قوية ومتماسكة وقادرة على التصدى لكافة المحاولات التى تبذلها بعض الجهات الخارجية للتأثير على استقرار هذه الجبهة حيث إن كل هذه المحاولات تنهار على أعتاب وعى وإرادة المواطن. ولاشك أن تماسك الجبهة الداخلية يرجع إلى أن القيادة السياسية التى نجحت فى مواجهة أخطر تحد داخلى وهو قضية الإرهاب تعى هموم المواطن وتتفهم احتياجاته وتعترف بكل شجاعة أن المواطن تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادى ولايزال يتحمل بعض تبعات المتغيرات الخارجية التى فرضت نفسها مثل الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنه فى المقابل فإن الدولة تبذل جهدا كبيرا وتطرح العديد من المبادرات الاقتصادية والاجتماعية للتخفيف من الأعباء التى تقع على كاهل المواطن ولاسيما الطبقات الفقيرة والطبقة المتوسطة، كما أن هناك قرارات عاجلة يتم اتخاذها من أجل مصالح المواطن تتحمل الدولة تكلفتها وهذا هو المعنى الحقيقى أن تكون لدينا قيادة تشعر بنبض الشارع وتتفاعل معه فى حدود إمكانيات الدولة . أما على المستوى الخارجى فإنه من الضرورى الإشارة إلى المبادئ التى تحكم رؤية الدولة المصرية لأمنها القومى وأركز هنا على المبادئ الأربعة التالية:
المبدأ الأول أن مصر لن تسمح لأية دولة أياً كانت أن تعبث بأمنها القومى، وأن هذا المبدأ يعد خطا أحمر لن نسمح لأحد المساس به.
المبدأ الثانى أن الدولة المصرية قادرة على حماية أمنها القومى وتملك المؤسسات الحرفية التى توفر لها هذه الحماية، سواء الأجهزة الأمنية أو الجيش المصرى الذى أصبح واحداً من أقوى جيوش العالم.
المبدأ الثالث أن مصر لا تقبل التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة وترفض فى الوقت نفسه أن تتدخل أية دولة فى شئونها الداخلية وتحت أى مبرر.
المبدأ الرابع أن مصر لديها علاقات خارجية متميزة على المستويين الإقليمى والدولى وأن أى تحالفات أو علاقات إستراتيجية مع أية دولة ليست موجهة ضد أحد بل تستهدف استقرار المنطقة ورخاء شعوبها.
وإذا انتقلنا إلى أهم القضايا الإقليمية التى تواجهها مصر حاليا، وتؤثر على أمنها القومى، وكيف يتم التعامل معها فسوف أكتفى هنابتوضيح النماذج الثلاثةالتالية : –
إن قضية السد الإثيوبى مازالت تمثل أهم أولويات الدولةالمصرية التى بذلت كل الجهد الممكن لحل هذه القضية سياسيا من خلال مفاوضات تحقق مصالح جميع الأطراف، وهنا أؤكد أنه على الجميع أن يعلم تماما أن القيادة السياسية ملتزمة تماماً أمام شعبها بأنها لن تسمح لأحد بالمساس بأمننا المائى، وفى هذا المجال أرى ضرورة أن يتم ترك معالجة هذه القضية للقيادة التى تمتلك وحدها الحسابات الدقيقة، وهو ما يتطلب أن يكون هناك اصطفاف مصرى على جميع المستويات لدعم موقف القيادة السياسية فى أى تحرك تقوم به .
إن مصر حرصت على أن تبذل كل الجهد من أجل حل الأزمة الليبية ومازالت جزءا لا يتجزأ من جميع التحركات للتوصل إلى حل سياسى، وفى هذا المجال يجب أن نتذكر ما أعلنه السيد/ الرئيس فى يونيو 2020 بأن خط سرت/ الكفرة هو خط أحمر لن نسمح لأحد بتجاوزه، وفى رأيى أن التلويح بالقوة فى هذا الوقت ساهم بشكل كبير فى احتواء أزمة كان يمكن أن تؤدى إلى توترات لولا دقة حسابات القيادة المصرية.
إن مصر نجحت فى أن تنزع فتيل الصراع غير المحسوب فى منطقة شرق المتوسط وحولتها إلى منطقة تعاون واستثمار اقتصادى يعود بالنفع على الدول المطلة على هذه المنطقة، وتم تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة دولية حكومية عام 2020 ليس ذلك فقط بل أصبحت مصر مركزا إقليميا لتصدير الطاقة.
إذن ما سبق يعد مجرد نماذج بسيطة تعكس نجاح الدولة المصرية فى التعامل مع الأزمات الإقليمية، وهو الأمر الذى ينطبق على مواجهة مصر الناجحة أيضاً لأزمات أخرى لا يتسع هذا المقال للحديث حول تفصيلاتها، ومن بينها الأوضاع فى كل من (قطاع غزة ـ حماس ـ إسرائيل ـ السودان ـ لبنان ـ سوريا ـ العراق ـ اليمن ـ البحر الأحمر) بالإضافة إلى بعض الأزمات الدولية التى يتفاعل معها الدور المصرى بصورة إيجابية للغاية.
* نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"