راجت في الأسابيع الماضية مبادرة أطلقها فلسطينيون وإسرائيليون بعنوان "كونفدرالية الأراضي المقدسة كوسيلة لتسهيل حل الدولتين"، بهدف الوصول إلى حل سلمي ونهائي للقضية الفلسطينية، عبر تسهيل حل الدولتين، وتقديم حلول للقضايا المستعصية وفي مقدمتها القدس والمستوطنات، لتُطرح تساؤلات عدة عن ماهية تلك المبادرة، وحدود التسوية التي تطرحها، وكيف تنظر لها مراكز صنع القرار في العواصم المعنية بالصراع.
وشارك في إعداد هذه المبادرة 9 شخصيات فلسطينية وإسرائيلية، بينهم الدكتور صليبا صرصر، البروفيسور في العلوم السياسية بجامعة مونماوث بنيوجيرسي، الذي يكشف في هذا الحوار ملامح تلك المبادرة وفرص نجاحها.
ويؤكد صرصر أن مبادرة "كونفدرالية الأراضي المقدسة" مجرد مُيسِر لحل الدولتين، وهو يرى أنها تحقق 5 منافع للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن يبقى وضع القدس معضلة تحتاج إلى حلول مبتكرة، فالمبادرة التي تقوم على بعض جوانب من معايير الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، تقترح القدس "مدينة مفتوحة".
وكشف صرصر أن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والكونجرس وفي الأمم المتحدة رأوا أن المبادرة تحمل أفكارا جدية مبدعة، وسيكون من الضروري استخدامها بينما نمضي قدمًا في النقاش حول حل الدولتين. وإلى نص الحوار:
*حدثنا عن فكرة تلك المبادرة وكيف انطلقت؟
أنا مشارك في هذه المبادرة منذ عام تقريبا، فالتحرك نحو تحقيق السلام عالق وفي حالة من الجمود، ويجب القيام بكل شيء للمضي به قدما، ومن المؤسف أننا نخسر وقتا ثمينا بينما تسوء الأمور كل يوم، لذلك نحن في حاجة للمضي نحو تحقيق السلام، هذا الأمر الملح الذي احتاجه في حياتي وحياة أبنائي، وليس بعد ١٠٠ أو ٢٠٠ عام من الآن، لذا هناك ضرورة للتفكير بشكل خلاق وحساس وعقلاني في القضايا المطروحة والوصول إلى حلول إبداعية لها، ولذلك فإن فكرة الكونفدرالية هي إحدى المسارات التي نحتاج السير فيها لمعالجة القضايا التي تواجه "المجتمعين الوطنيين".
* لكن هناك انتقادات واتهامات من شخصيات فلسطينية وطنية وازنة لا يمكن إغفالها بأن اتفاق أوسلو دمر القضية الفلسطينية، ومع ذلك هذه المبادرة تُبني على اتفاق أوسلو وكأنها مكمله له وتسير على منهاجه؟
سواء كانت هناك اتفاقيات أوسلو أو لا، لدينا اليوم أمر واقع على الأرض يزداد سوءا يوما بعد يوم، لذلك نحن بحاجة إلى معالجة هذه الأمور وإصلاح الكثير مما حدث خلال العقود القليلة الماضية.
نحن بنينا هذه المبادرة على بعض جوانب من معايير الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والتي ربما نجحت مع أوسلو. (ويشير صرصر هنا إلى مبادئ توجيهية بشأن اتفاق الوضع الدائم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اقترحها كلينتون في أعقاب المفاوضات الراكدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الفترة من 19 إلى 23 ديسمبر 2000. وكانت تلك المعايير هي الحلول التوفيقية التي يعتقد كلينتون أنها أفضل ما يمكن في حدود مواقف الطرفين، وكان القصد من معايير كلينتون أن تكون أساسًا لمزيد من المفاوضات، ويرى معنيون أن معايير كلينتون حرمت الفلسطينيين من حقهم القانوني بموجب القانون الدولي، وعلى وجه التحديد، السيادة على كامل الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الأراضي الإسرائيلية التي كانوا يقطنوها قبل عام 1948، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية).
*هناك عدم ترحيب وتجاهل سواء من القيادة الفلسطينية أو من الحكومة الإسرائيلية لهذه المبادرة، فكيف سيكتب لها النجاح ؟
التقى كل من وزير العدل الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين والمحامية الفلسطينية هبة الحسيني وهما من أصحاب المبادرة مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت والأشخاص الموجودين حوله ليسوا مهتمين بقدر كبير بإقامة نظام كونفدرالي وهم أيضا غير مهتمين في هذه المرحلة بحل الدولتين.
أما بالنسبة للقيادة الفلسطينية، فأنا واثق من امتلاكها لفكرة ونص هذه المبادرة، ولكنهم الآن منشغلون في التعامل مع أمور كثيرة أخرى تحدث في المجتمع الفلسطيني وخارجه، وربما في رأيهم، أن هذا ليس الوقت المناسب للتعامل مع هذا الأمر بجدية، كما أنه جرت الكثير من الاتصالات مع قادة العالم، سواء في واشنطن أو الأمم المتحدة أو أوروبا أو أماكن أخري، وهناك حراكاً و لقاءات تجري مع سفراء دول مختلفة.
في النهاية، ما أقوله إن بعض المبادرات تستغرق وقتاً كي تتحقق، الأمر يتطلب نفوذا وضغوطا على الجانبين.
والوضع السياسي الراهن لا يخدم مصالح الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويجب علينا أن نكتشف طرقا أفضل للتعايش معا، والكونفدرالية مجرد خطة واحدة، وليست الخطة الوحيدة، ولكنها شيء يجب التفكير فيه بجدية أثناء المضي قدمًا.
*هل تعولون على الإدارة الأمريكية في تسويق المبادرة؟
هذه قضية أوسع وتتعلق بمن يمتلك السلطة ومن لا يمتلكها، ومن يمتلك رفاهية الانتظار ومن لا يمتلكها. أنا لا امتلك رفاهية الانتظار وهذه هي الرسالة التي ينبغي علينا طرحها.
ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تكون أكثر استباقية في تحريك الجانبين إلى المنتصف وجعلهما يتوافقان، وهذا ليس بإجبارهما على ذلك ولكن بتقديم المساعي الأفضل لأن المضي قدما يكون من خلال حل الدولتين، وكونفدرالية الأراضي المقدسة مجرد مُيسِر لتحقيق ذلك وليس بديلا له.
*ما هي المنافع التي يمكن أن تحققها المبادرة لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل تحفيزهما على التعاطي معها؟
هناك منافع لكل الجانبين من وجود مثل هذا النظام الكونفدرالي، ولدي على الأقل خمس نقاط، أولها أن المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط صغيرة للغاية، وحدود الموقع اصطناعية بشكل كبير، ومن ثم فإن الحدود القابلة للعبور منها ستكون مفيدة لإسرائيل وفلسطين معا، والنقطة الثانية هي أن الكونفدرالية سوف تهدئ المخاوف بشأن التنازل عن السيادة أو الحكم المباشر على جزء معين من الأرض، والنقطة الثالثة هي أن الحل الكونفدرالي يوفر أفقا للتحقيق طويل المدى لكل من رؤية وروح التيار الرئيسي اليهودي، وكذلك لتطلعات التيار الرئيسي الفلسطيني بشأن تقرير المصير القومي في دولة قومية مستقلة ذات سيادة.
وتكمن النقطة الرابعة في أن هذا النظام الكونفدرالي يعالج قضايا مشتركة مختلفة تتعلق بالفلسطينيين والإسرائيليين، من بينها الأمن الداخلي، والدفاع عن الحدود، وتخطيط وتقسيم المناطق، والصحة العامة، واستخدام المصادر الطبيعية، والتحديات البيئية، والسياحة، والأمور الجنائية.
أما النقطة الخامسة والأخيرة، فقد يكون صعبا على كل الجانبين قبولها أو استقبالها بترحاب، وهي أن النظام الكونفدرالي سيجعل "القدس مدينة مفتوحة جزئيا"، إلا أن البلدة القديمة للقدس يمكن أن تستضيف بعض السلطات المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين للعمل نحو السيادة الثنائية أو أية حلول إبداعية أخرى بشأن المنطقة الحساسة التي تبلغ مساحتها أقل من كيلو متر مربع أو 0.39 ميل مربع.
نحن ندعو لنوع من التعايش بين إسرائيل وفلسطين، معالجة كافة هذه الأمور من شأنها أن تنقذ أجيال المستقبل من كل أنواع المشاكل والعنف والألم المؤسف الذي أصاب حياة الناس لعدة أجيال، وهو ما يجب عدم السماح به.
*هل شارك في المبادرة ممثلون عن معسكر السلام في إسرائيل؟
هناك جهود لمجموعة قليلة جدا من الأشخاص المتصلين بشكل كبير مع بقية العالم، نحن نستخدم نفوذنا للتواصل مع الموجودين في مناصب قيادية وأيضا المجتمع بشكل عام، وينبغي أخذ خطوة للوراء ومشاهدة ما يحدث وإيجاد أفضل الطرق للاجتماع معا وحل هذه القضايا، حتى لا تصبح الحدود متصلبة أو منيعة، وستصبح حياة الناس أفضل، إذ سيحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة التي تمتلك حق تقرير المصير، وستحصل إسرائيل على أمنها ورفاهتها.
هناك التزام قوي وحاجه لمخاطبة القادة في إسرائيل وفلسطين، حيث إنهم في حاجة للتفكير بجدية بشأن كيفية المضي قدما، وأثناء اجتماعات في واشنطن مع أشخاص من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والكونجرس وفي الأمم المتحدة لم اسمع أي شخص يقول إن هذا غير قابل للتنفيذ، لقد قالوا إنها أفكارا جدية مبدعة وسيكون من الضروري استخدامها بينما نمضي قدمًا في النقاش حول حل الدولتين.
لقد اقترحنا كونفدرالية الأراضي المقدسة، ولكننا ندرك تماما التحديات الكبرى التي تقف في الطريق في كلا المجتمعين من أولئك الذين هم في أقصى اليمين وحركة المستوطنين في إسرائيل، وأولئك الذين هم في نفس الاتجاه في فلسطين والذين لا يريدون سوى المطلب الأقصى من البحر إلى النهر، ونحن في حاجة للذهاب إلى المنتصف المعتدل.
*ألا ترى أن معسكر السلام الإسرائيلي ضعيف جدا وغير فعال، وبالتالي سيعترض الإسرائيليون على مبادرتكم بشدة؟
أنا مدرك تماما غياب أو ضعف حركة السلام في إسرائيل، ولكنهم لا يقترحون فقط، وهذا رأيي الشخصي وليس رأي فريق الكونفدرالية، نحن في حاجة إلى التعليم فهو أمر في غاية الأهمية، ولا يتعلق التعليم بنا نحن فقط الذين نتحدث في العالم الغربي، ولكن أيضا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، وسؤالي هو ما هو الخيار الذي نملكه؟ ما هو البديل؟.
لا يمكننا أن نقبل ما يحدث في الأماكن المقدسة والمجتمعات حول إسرائيل وفلسطين، فهناك أمور ضارة حقا بحياة الناس لذلك نحن بحاجة إلى الانخراط في التعليم، وبالنسبة لي، فإنني أفرق بين صنع السلام والذي يحدث عادة من أعلى وبين بناء السلام الذي يأتي من أسفل.
الآن، ما يحدث في نظريتي الخاصة بتحقيق السلام، أن هناك حاجة ليكون التمكين من أعلى، والأداء المستمر ومشاركة النشاط من أسفل، ثم التقابل في المنتصف. إننا في حاجة إلى اكتشاف طرق لجمع المجتمعين معا وإجراء هذه المحادثات.
نحتاج للبدء في التفكير في كيفية بناء المجتمعات. لقد درست بناء السلام في إسرائيل وفلسطين، عبر ٦٠ نوعا لمثل هذه المنظمات، وإحداها "واحة السلام" الموجودة بين القدس وتل أبيب، حيث يعيش أشخاص من خلفيات فلسطينية ويهودية إسرائيلية في المجتمع نفسه، ولديهم مدرسة للسلام، ومركز روحي ويتعايشون معا بشكل جيد.
يحتاج قادة فلسطين وإسرائيل إلى التفكير في هذه الفلسفة الأساسية، لكنهم يتجاهلونها فهم يفكرون في الانتخابات القادمة، وفيما يعزز مصالحهم. إنهم في حاجة للبدء في التفكير أكثر وأكثر في المصالح المشتركة لكلا المجتمعين، فهناك فلسطينيون يريدون السلام لأنفسهم، وهناك يهود إسرائيليون يريدون السلام لأنفسهم.
النظام الكونفدرالي الذي نقترحه يطالب بتحقيق السلام لكلا الشعبين ليعيشا في أمان وازدهار وسلام، وهو نموذج مناسب، ففي العالم المثالي، لا توجد حدود ولا مجتمعات قومية ويعيش الجميع معا، ولكننا لا نعيش في هذا العالم، لذلك أؤيد حل الدولتين، ولكن الحدود ليست صلبة وإنما قابلة للعبور منها حتى يكون هناك تفاعل ومداولات وتواصل في حالة القضايا الرئيسية.
* لكن السلام لن يتحقق طالما العدالة غائبة؟
نعم أفهم واحترم ذلك، أنا اعتقد أنه بإمكاننا تحقيق العدالة والسلام ولكن كيف يمكن تحقيقه؟. نحتاج إلى التفاوض، وهذا التفاوض يتطلب الأخذ بالاعتبار جميع القضايا المتعلقة بحق العودة والقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه العذبة، وينبغي التفاوض على كل هذه الأمور، وبدون ذلك لن تتحقق العدالة ولن يسود السلام بشكل تلقائي.
نحن نؤمن أن حل الدولتين يدعو إسرائيل وفلسطين للعيش جنبا إلى جنب وفي أمان وسلام وازدهار، وهذا هو الأكثر منطقية ومعقولية، لأنه يسمح للفلسطينيين بإحراز تقدم في تطلعاتهم نحو الحرية والاستقلال وإقامة دولتهم بدون أن يكونوا معاديين لإسرائيل، ويسمح للإسرائيليين بامتلاك أمانهم ورفاهتهم بدون أن يكونوا معاديين للفلسطينيين.
نحن الآن في حاجة إلى أن تلعب الولايات المتحدة دورا أساسيًا وجوهريًا، وأحث الإدارة الأمريكية على مضاعفة جهودها التي تبذلها بهدف إقناع كل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات والاستمرار في التفاوض حتى حل الأمر.