الاتحاد الإسرائيلي الفلسطيني هو أفضل طريق إلى السلام

مشاركة
نقلا عن Foreignpolicy 05:02 م، 27 ابريل 2022

من شأن هذه الخطة أن ترضي مخاوف الأطياف السياسية من خلال معالجة القضايا الشائكة بأساليب جديدة.

لعدة عقود شارك الفلسطينيون والإسرائيليون في عملية السلام، ولكن من جانبين على طرفي النقيض. بذل كل منهما جهوداً - بعضها حقيقي وبعضها غير جاد - لإيجاد حلول للقضايا الرئيسية في النزاع (ترسيم الحدود بين البلدين، مستقبل القدس، مصير المستوطنات الإسرائيلية، عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهيكلة الأجهزة الأمنية المشتركة).

اقرأ ايضا: رسالة إلى الشعب الإسرائيلي وداعميه

وعلى مدار سنوات، تم تقديم مقترحات بناءة لمعالجة جميع هذه القضايا - من قبل أطراف ثالثة (نقاط الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في ديسمبر ٢٠٠٠ ومقترحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري من عام ٢٠٠٤) ومن قبل الفلسطينيين والإسرائيليين بصفتهم الرسمية وغير الرسمية (مثل التفاهم بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ويوسي بيلين عام ١٩٩٥ ، ومبادرة جنيف ٢٠٠٣ ، وكذلك الاتفاق القصير الأمد بين عامي أيالون و سري نسيبة عام ٢٠٠٣). 

تم الإتفاق على المبادئ العامة للحل النهائي، وتم اعتمادها ضمنياً عام ٢٠١٦ بقرار مجلس الأمن رقم ٢٣٣٤ الذي دعا إلى العودة لحدود ما قبل ١٩٦٧، مع تبادل للأراضي بالتساوي، ووقف النشاط الاستيطاني، كما أنه شجع مفاوضات الوضع النهائي.

وكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين يدعم هذا الطرح أكثر من غيره، لكنهم ليسوا أغلبية مطلقة.

إن ضعف القادة من كلا الجانبين وتعنتهم هو التفسير المشترك لكون اتفاقات أوسلو (التي بدأت بإعلان المبادئ، الموقعة في 13 سبتمبر ١٩٩٣، والتي اتبعتها الاتفاقية المؤقتة والموقعة بعدها بعامين) نُفذت جزئياً ولم تتوصل طيلة ست سنوات لاتفاق دائم- فنحن مازلنا عالقون في اتفاق مؤقت منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وما زال الإحتلال (والعنف) قائمين. ولكنه ليس من المنطق إلقاء اللوم كله على القادة. نحن نؤمن أن هذه الأفكار الجديدة يمكن أن تحرك هذا الجمود الطويل بشكل ايجابي، وأن تعيد المفاوضات ثانيةَ لمسارها نحو اتفاق سلام نهائي.  

ستسمح مبادرة " إتحاد الأراضي المقدسة" لعشرات الآلاف من الفلسطينيين والإسرائيليين بالعيش في كلا الجانبين بشكل دائم.

وسيكون الأسهل لكلا الطرفين على حل الدولتين إذا قمنا بتطبيق مفهوم المعاملة بالمثل بحيث يُعفى القادة الإسرائيليون من ضرورة إخلاء المستوطنين من منازلهم في الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته يُشجع القادة الفلسطينيون على تمكين عدد مماثل من الفلسطينيين من الإقامة داخل إسرائيل، بالإضافة إلى السماح لعدد متفق عليه من اللاجئين الفلسطينيين الاستقرار في إسرائيل كمواطنين كاملين.

من حيث المبدأ، يمكن تنفيذ هذه المقترحات حتى بدون ترتيبات كونفدرالية، ولدينا القناعة، بأن هذه الكونفدرالية الفلسطينية الإسرائيلية المقترحة هنا، والمستوحاة من نموذج  الاتحاد الأوروبي، ستساهم هذه المبادرة في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني  لتطوير وتفعيل مبادرات أخرى، من شأنها تعميق التفاهم المتبادل، وتقليص مشاعر العداء المتبادل.

وسيعرض على المستوطنين الإسرائيليين الذين ستبقى مستوطناتهم في الأراضي الفلسطينية المستقبلية خيار القرار بين الانتقال إلى دولة إسرائيل وتلقي التعويض، أو البقاء في دولة فلسطين واحترام قوانينها وقواعدها، كما يمنح عدد مماثل من مواطنين فلسطينيين خيار العيش في الأراضي الإسرائيلية كمواطنين دائمين.

وكما الحال في الاتحاد الأوروبي، فإن كلا الطرفين من المقيمين الدائمين، سواء الإسرائيلي والفلسطيني، سيقومان بالتصويت في الانتخابات الوطنية الخاصة (لدولة المواطنة) لكل منهما بدلاً من دولة الإقامة؛ ومع ذلك، سيكون لديهم الحق في المشاركة في الإنتخابات البلدية في محل اقامتهم ويتمتعون بنفس الحقوق المدنية والمزايا الاجتماعية كمواطنين.

بالإضافة إلى هذه الإجراءات، تقوم هذه المبادرة بمعالجة عواقب حرب ١٩٤٨ بطريقتين: أولاً، مثل مبادرة جنيف عام ٢٠٠٣ التي تقدم للاجئين الفلسطينيين حزمة من الخيارات ( بما في ذلك مسار محدود للحصول على الجنسية في إسرائيل يختلف عن الإقامة الدائمة الموضح أعلاه)، ثانيا، يسعى إقتراح الكونفدرالية إلى إنشاء سرد تاريخي مشترك، فعلى مر سنين النزاع الطويلة،  ظن الكثيرون أنه من المستحيل أن تتفق الأطراف على رواية مشتركة، وأن أكثر ما يمكن أن نأمله هو الإعتراف على مضض بروايات متفرقة. 

ولكننا حذونا خطوة أخرى إلى  الأمام، من خلال التوصل إلى الاتفاق على الماضي ( متاح هنا)، وتقدم ثمار هذه الجهود دليلاً إضافياً لما يمكن إنجازه عندما يتفق الطرفان على التعاون وليس النزاع.

ولا يشترط أن تكون هذه الترتيبات الكونفدرالية أبدية لتكون قيًمة. فبمرور الوقت، قد يختار الإسرائيليون والفلسطينيون زيادة أو تقليص التعاون بينهم في مؤسساتهم العامة.

ولكن الأمر الذي لن يتغير هو الحدود بين الدولتين ( تنص خريطتنا على ضم إسرائيل لـ٢.٢٥٪ من الضفة الغربية مقابل تعويض كامل عن الأراضي الخاضعة حالياً للسيادة الإسرائيلية).

ما نتوقع تغييره، بموافقة الطرفين، هو نظام الحدود ومدى حرية تنقل الأشخاص والبضائع.

ووفقاً لإقتراحنا، تجتمع الحكومتان كل أربع سنوات (على الأقل) لبحث المزيد من تحرير نظام الحدود والقضايا المتعلقة به.

إذا سمح الوضع بذلك، سيصبح من الأسهل المرور عبر الحدود في المستقبل، ويستطيع كلا الشعبين الشعور أن الدولة الأخرى ليست "أجنبية" بالنسبة لهم، وأنهم يمتلكون سهولة الوصول إلى الأماكن التي يرتبطون بها تاريخياً، دينياً، ثقافياً، أو عائلياً.

وتتضمن الترتيبات الأمنية قوات متعددة الجنسية، ومحطات إنذار مبكر، وغرفة عمليات فلسطينية - إسرائيلية مشتركة.

ويتطلب الأمر مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز العلاقة بين الطرفين بما في ذلك شرط دراسة اللغتين العبرية والعربية إجبارياً في جميع مدارس الكونفدرالية، وفتح متبادل لملفات الأرشيف، وفرض لافتات ثنائية اللغة في جميع الأماكن ذات القيمة التاريخية.

قد يتساءل النقاد كيف يمكن لمثل هذا الاقتراح تنشيط عملية السلام في ظل إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية من كل منصة أنه يعارض وبشدة إقامة حل الدولتين ويرفض مقابلة الرئيس الفلسطيني، وقطاع غزة في يد حماس، وتفتقد السلطة الفلسطينية السيطرة على الغالبية العظمى من الضفة الغربية. 

 

تصريحات اليوم لا تشير بالضرورة إلى أفعال الغد. القادة ذوو الرؤية يغيرون رأيهم.

 

تصريحات اليوم لا تشير بالضرورة إلى أفعال الغد. القادة ذوو الرؤية يغيرون رأيهم؛ ففي عام 1977 ، عارض مناحم بيجن بتعنت شديد الإنسحاب الكامل من شبه جزيرة سيناء، لكنه وافق على الانسحاب منها بشكل كامل بعد بضعة أعوام، وإسحاق رابين، الذي عارض بشدة في عام ١٩٩١ رفع الحظر عن المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، صافح ياسر عرفات في عام ١٩٩٣، وأرييل شارون الذي تعهد بعدم التنازل عن أيّة مستوطنة في قطاع غزة، إختار إخلاءها كلها فيما بعد.

أما بالنسبة للجانب الفلسطيني، فقد التزم الرئيس عباس بحل الدولتين لعدة سنوات، ولكن عندما سُئل في سبتمبر أيلول ٢٠١٨ إن كان يؤيد فكرة إنشاء كونفدرالية فلسطينية مع الأردن، أجاب أنه لن يوافق الإنضمام إليها إلا إذا كانت إسرائيل جزءاً منها.

نحن لا نقدم إتحاداً ثلاثياً هنا، ولكنه يمكن أن يكون خياراً في المستقبل. ورغم ضعف عباس السياسي الواضح، لكن بصفته أحد المؤسسين لحركة فتح، ولاحقاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، فهو يتمتع بالشرعية الكافية لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، حتى لو تم تنفيذها على يد خلفائه.

يجب أن يتم التوقيع على إتفاق السلام من قبل الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما أنه من الضروري أن يشمل قطاع غزة وأن يوفر رابطاً إقليمياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تتحمل حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية المسؤولية المشتركة لجعل هذا ممكناً من خلال التوصل إلى اتفاقية مصالحة فلسطينية.

في الواقع، نعتقد أنه من خلال تيسير وصول مواطني الدولتين إلى الأماكن المقدسة لهم، فإن الإطار الكونفدرالي يمكن أن يسهل على الفصائل المعارضة للفكرة، تبني حل الدولتين. 

ويقدم هذا الاقتراح نهجاً جديداً لكل صانعي القرار الفلسطينيين والإسرائيليين مع مزايا للتوصل إلى حل عمليّ لحل الدولتين، وهذه المبادرة لن تتسبب في الخسارة لأي من الجانبين، ولكنها ستحقق النتائج المرجوة منذ أمد طويل في الاستقرار في دولتين دون الانتقاص من الارتباط التاريخي لأي الجانبين بالأرض.

قادة اليمين الوسطي الإسرائيلي، القلقون من وضع تسيطر فيه أقلية يهودية على أغلبية فلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن، ولكنهم مترددون بشأن انسحاب إسرائيل من الأراضي الجغرافية ذات الأهمية التاريخية بالنسبة لليهود، قد يجدون حل الكونفدرالية مرغوباً فيه لإنهاء معضلتهم.

إن الوصول للضفة الغربية، حيث يقيم الآلاف من اليهود، مع وجود حدود تسمح بسهولة التنقل والحركة، يضمن بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود ولكل مواطنيها، وقد يكون وجود حدود شرقية، متفق عليها لأول مرة في تاريخ إسرائيل، جذاباً للغاية للقادة الإسرائيليين البراغماتيين.

وبالنسبة للقادة الفلسطينيين البراغماتيين، سيكون اتحاد الأراضي المقدسة فرصة جادة لتحقيق الدولة المستقلة، بحدود واضحة، مع وجود فرصة أكبر للاستفادة من التعاون الاقتصادي، وتحقيق المزيد من النمو الإقتصادي، (باتباع نموذج بعض دول الاتحاد الأوروبي ذوالتوصل إلى تنسيق متبادل في مسائل أمنية بطرق فعالة وغير مكلفة، وستؤدي هذه الخطة إلى انسحاب القوات الاسرائيلية من الضفة الغربية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وتسهيل تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين.

لا نستطيع استمرار وضع الضمادات على الجرح المتقيّح ونأمل أن يلتئم بنفسه

يدعي بعض النقاد أنه لا وجود لاتحادات في العالم اليوم، مشيرين إلى أنه حتى دول العالم الحالي التي تسمي نفسها كونفدراليات (مثل كندا وسويسرا) أصبحت في الواقع اتحادات. هناك إجابتان لهذه الادعاءات: الأول، أن الاتحاد الأوروبي - واحد من أكبر التجمعات السياسية وأكثرها فعاليةً في العالم اليوم - هو اتحاد كونفدرالي فعلياً، على الرغم من أنه لا يطلق على نفسه ذلك.

الثاني، أنه حتى لو لم يدم اتحاد الأراضي المقدسة طويلاً أو تغيرت ترتيباته الأمنية والإقتصادية، فإن بعض مزاياه ستدوم مثل: الحدود بين الدولتين، والوضع القانوني لمواطني إحدى الدولتين المقيمين في الدولة الأخرى، وتقسيم القدس لعاصمتين، وبالطبع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين.

يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين بذل قصارى جهدهم لوضع نهاية لهذا النزاع لأننا جميعاً ندفع ثمن استمراره، فقد أظهر العنف الذي حدث في الربيع الماضي وفي شهر مايو في القدس وتل أبيب وجنين وغزة ومناطق أخرى أنه بدون وجود أفق لحل سلمي، سيظل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يهدد الإستقرار الهش في الشرق الأوسط.  

نعتقد أن السبيل الوحيد للتعامل مع النزاع الإسرائيلي العربي هو من خلال معالجة السبب الجذري لهذا النزاع الطويل الأمد بالتوصل إلى اتفاق سلام دائم، ولا نستطيع الاستمرار في وضع ضمادات على جرح متقيِّح ونأمل أن يلتئم بنفسه. من شأن الاتحاد الكونفدرالي أن يعالج الأسباب العميقة الجذور للنزاع والتوصل إلى حل عادل وحقيقي. سيضعنا هذا الحل على الطريق الذي يضمن لنا الأمن والازدهار المنشودين لكلا الشعبين.  

 

** محامية فلسطينية

**ترجمة: مها الفاروقي

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــاة"

اقرأ ايضا: هل تتحول القمم العربية والإسلامية إلى سرادقات للعزاء؟