أميركا والفلسطينيون وعام جديد

مشاركة
* د. سنية الحسيني 07:44 م، 07 يناير 2022

بعد مرور عام على حكم الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن، لم تأتِ الرياح بما اشتهت سفن الفلسطينيين، بعد أربع سنوات عجاف من حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي غير خلالها قواعد العلاقة مع الفلسطينيين، هذه القواعد التي سمحت للولايات المتحدة في الماضي بلعب دور الوسيط في العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ورغم أنها لم تكن وسيطاً محايداً، نجحت الإدارات الأميركية في احتلال هذا الموقع منذ العام ١٩٩٣، وحتى عهد ترامب، فهل تحمل السنة الجديدة الجديد للفلسطينيين في إطار علاقتهم مع الولايات المتحدة، في ظل المعطيات لدى الإدارة الأميركية الجديدة في الملف الفلسطيني خلال العام الماضي، ومدى وحدود انشغالاتها وارتباطاتها الداخلية والخارجية خلال العام القادم؟

لم تستطع إدارة بايدن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتغيير الواقع الذي فرضته الإدارة الأميركية السابقة في الملف مع الفلسطينيين، إذ اكتفت هذه الإدارة بالأقوال دون أي عمل حقيقي يمكن أن يحافظ على حل الدولتين أو حتى على العملية السلمية التي تدعمها شكلياً، بالإضافة إلى أن العملية التفاوضية غير موجودة على أجندة هذه الإدارة حسب تصريحاتها المبكرة.

لم ترجع الإدارة الأميركية سفارتها في القدس إلى تل أبيب، كما لم تنجح الإدارة الجديدة في إرغام إسرائيل على القبول بفتح القنصلية الأميركية للفلسطينيين في القدس الشرقية، ما لا يقدم أي جديد بشأن التراجع عن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، في تحدٍ معلن لقرارات الشرعية الدولية، وتحديد مسبق لنتائج مفاوضات السلام، التي يفترض أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً فيها، كما لم تنجح واشنطن في إعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير في واشنطن، ولا تزال ترفض إلغاء وصم منظمة التحرير بالإرهاب،  وهما الأمران اللذان استطاعت واشنطن في الماضي تجاوزهما من خلال استثناء يصدر عن السلطة التنفيذية، فلم تتم إعادة فتح المكتب فقط، بل بات مسؤولو منظمة التحرير عرضة للمساءلة القانونية في الولايات المتحدة بفعل قانون «تايلور فورس» في ظل عجز إدارة بايدن عن التراجع عن سياسة ترامب وإعادة العرف الذي عمل به من سبقوه.

وحتى فيما يتعلق بضغوط الإدارة الأميركية الجديدة في ملف الاستيطان، لم تختلف حدود تلك الضغوط عن المستوى الذي عملت به إدارة ترامب، والتي سعت لعدم وصول التصادم مع الفلسطينيين في ذلك الملف حد الانفجار، إذ اعتبرت الإدارة الجديدة أنها غير معنية بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على بقائها.

وحتى في قضية إعلان إسرائيل عن تأجيل بناء تسعة آلاف وحدة استيطانية مكان مطار قلنديا، بناء على طلب أميركي، فقد نجحت إدارة ترامب من قبله في تأجيل ذلك المشروع أيضاً، حيث يعد هذا المشروع الاستيطاني قنبلة موقوتة، لأنه إن جرى تنفيذه سيفصل بشكل نهائي بين رام الله والقدس، ويلغي عملياً أي تواصل جغرافي بينهما.

ورغم اللقاءات السياسية المتعددة خلال العام الماضي، ناهيك عن تلك الأمنية التي لم تنقطع أصلاً طوال السنوات الخمس الماضية، واللقاء الاقتصادي الأول منذ خمس سنوات خلال الشهر الماضي، والتسهيلات المالية البسيطة للسلطة من قبل الإدارة الأميركية، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة والشعب الفلسطيني ضمن مستوى العداء وجبهة الحرب المعلنة، على شعب محتل أعزل، لم تكتفِ الولايات المتحدة بدعم محتله بكل ما أوتيت من قوة، بل باتت لا تخجل من مخالفة القانون والشرعية الدولية دون حياء. 

واجهت الولايات المتحدة خلال العام الماضي صعوبات عديدة على المستوى الداخلي وفي سياستها الخارجية أيضاً، ولا يزال بايدن وإدارته يواجهان أعباء إعادة بناء الولايات المتحدة في الداخل والخارج، فبالرغم من بعض الإنجازات التي نجحت الإدارة داخلياً في تحقيقها، تبقى قائمة المهام المتبقية طويلة ومتشعبة وشاقة.

وتبقى قائمة الإخفاقات طويلة، رغم نجاح إدارة بايدن في تخفيض نسبة البطالة إلى ٤,٢%، ورفع معدل الأجور بشكل عام، إذ وصل إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي إلى ٢,٩ %، كما تم تمرير قانون البنية التحتية بقيمة ترليون دولار، لتحديث البنية التحتية من نقل واتصالات ومياه وكهرباء، وتشريعات أخرى أهمها برنامج المساعدات الاقتصادية الأشمل في تاريخ الولايات المتحدة، للتعامل مع الأزمة التي نتجت عن انتشار فيروس كورونا، والذي بلغت قيمته ١,٩ ترليون دولار، كما نجحت في تطعيم ٧٣ % من السكان، في إطار جدل شعبي حول جدوى التطعيم.

تلك القائمة من الإخفاقات تفسر انخفاض شعبية بايدن عموماً وبين الناخبين الديمقراطيين على وجه الخصوص، إذ وصل دعمه من قبل أبناء حزبه إلى ٤٣ % فقط، في نسبة تعد الأدنى بين أقرانه من الرؤساء الديمقراطيين، في السنة الأولى من الحكم، والتي تتجاوز في العادة الـ٥٠ %، كما وصل معدل التضخم في الولايات المتحدة العام الماضي إلى ٦,٨%، وهو الأعلى منذ العام ١٩٨٢، والذي يعكس حالة عدم الرضا والشكوى الدائمة في الشارع الأميركي.

وقد يكون من أهم العقبات أو الإخفاقات، التي لم تنجح الإدارة في تجاوزها، خلال العام الأول من حقبة بايدن، رغم تأكيده على أنها أولوية إدارته، وأنها معركته الحقيقية من أجل «روح أميركا»، الاستقطاب السياسي الشديد، والتوترات الاجتماعية التي تواجه الولايات المتحدة، والتي وصلت حد العنف أحياناً، وأنتجت «كونغرس» شديد التحزب، لدرجة أنه بات يعطل عملية التشريع، ويحد من قدرة الرئيس على المناورة السياسية.

وتواجه إدارة بايدن خطر خسارة الأغلبية البسيطة في مجلسي الكونغرس، في انتخابات تشرين الثاني المقبل، والتي سيتم فيها انتخاب ثلث مجلس الشيوخ وجميع أعضاء مجلس النواب، حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم الجمهوريين في تلك الانتخابات وتراجع مكانة الديمقراطيين.

إن خسارة الديمقراطيين تعني عدم القدرة على تمرير أي قانون لا ينال الإجماع الوطني. وواجه بايدن صعوبات عديدة، خلال العام المنصرم، في تمرير العديد من التشريعات، ليس فقط بسبب الأغلبية البسيطة للديمقراطيين في المجلسيْن، بل أيضاً بسبب الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي نفسه بين المعتدلين والليبراليين، وعدم قدرة بايدن على توحيد صفوفه وقيادته.

ويعتبر هذا العام عام تحدٍ لبايدن وإدارته لتغير معطيات انقلاب سياسي داخلي عليه، والذي قد يخلق له حالة عجز ستستمر معه باقي سنوات حكمه.

يأتي ذلك بالإضافة إلى التحديات العديدة الخارجية، في مقدمتها مواجهة الصين وروسيا وإيران، والتي تجعل من المستحيل على الإدارة الأميركية تغيير مسار اهتمامها لصالح القضية الفلسطينية.

من الصعب اعتماد الفلسطينيين على الإدارة الأميركية الحالية الضعيفة، والتي قد تكون الأكثر ضعفاً مما سبقها، وعلى الفلسطينيين البحث عن مداخل سياسة جديدة غير الولايات المتحدة لدعم القضية الفلسطينية، فالغرب بكل أطيافه لم يحقق العدالة المنشودة للفلسطينيين، وقد تكون الصين من أكثر الدول المؤهلة للعب هذا الدور، خصوصاً أنها لم تتراجع يوماً عن دعمها للقضية الفلسطينية العادلة.

أمّا فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن بقاء الحال من المحال، رغم عدم التعويل الفلسطيني على الإدارات والسياسات الأميركية عموماً، إلا أن نظرة سريعة إلى ما بين السطور والشواهد الرقمية لتغير نسب التركيبة السكانية الديمغرافية والاجتماعية تحمل تبدلاً في إطار المعطيات السياسية المستقبلية في الولايات المتحدة، وتعطي بريق أمل للفلسطينيين في المستقبل القريب، وتفتح لهم منفذاً للتحرك الاستراتيجي من خلاله.

تراجعت نسبة عدد السكان البيض في الولايات المتحدة من ٧٢,٤ % في العقد الماضي لتصبح اليوم ٦١,٦ % فقط، ويمثل جل هؤلاء الافنجليلكلز، الداعمين الأيديولوجيين الرئيسيين لإسرائيل، وغالبية مؤيدي الحزب الجمهوري.

في المقابل، تزايدت نسبة عدد السكان من أصول إفريقية ولاتينية وآسيوية، والذين باتوا يمثلون على التوالي ١٢,٤ % و١٨ % و٦ % من مجمل نسبة عدد السكان.

ويدعم الكثير من الأميركيين من أصول إفريقية الفلسطينيين، في حين لا يهتم معظم الآسيويين بقضية اليهود وإسرائيل، ولا يربطهم أي رابط أيديولوجي معها، ويبقى الأميركيون من أصول لاتينية أقل دعماً لإسرائيل واليهود أيديولوجيا، مقارنة بالبيض الأميركيين.

ويمثل الملونون الداعم الأساس للحزب الديمقراطي، كما أنه من الملاحظ زيادة نسبة دعم شريحة الشباب في الولايات المتحدة للقضية الفلسطينية وتعاطفها مع الفلسطينيين، والتي بدأت مراكز استطلاعات الرأي برصدها منذ العام ٢٠١١. 

إن تلك التبدلات في نسبة عدد السكان تفسر التحولات التي تشهدها الساحة السياسية الأميركية لصالح الفلسطينيين في الآونة الأخيرة، فعلى الرغم من اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على دعم إسرائيل، والالتزام بحماية أمنها وبشكل ثابت خلال العقدين الأخيرين، نلاحظ أن بعض التغيير قد طرأ على توجهات الحزب الديمقراطي بشكل خاص.

خلال العام الماضي تعاطف ٤٨% من الديمقراطيين الليبراليين مع الفلسطينيين، مقابل تعاطف ٣٣% منهم مع إسرائيل، في حين تعاطف ٤٨% من الديمقراطيين المعتدلين مع إسرائيل، و٣٢% مع الفلسطينيين، وفي الحالتين زادت نسبة تعاطف هاتين الشريحتين مع الفلسطينيين، ما رفع نسبة تأييد الحزب الديمقراطي عموماً للفلسطينيين، وهو تغيير بنيوي وليس تبدلاً عابراً، يرتبط بموقف وتوجهات الملونين والشباب في الولايات المتحدة وزيادة نسبة تمثيلهم في الحزب، ما يرجح زيادة ذلك التأييد في السنوات المقبلة، وسيحرز مزيداً من النتائج، إن تقاطع مع الأداء الفلسطيني في الساحة الأميركية، لاسيما أنه أصبح بمقدور الفلسطينيين إيصال روايتهم إلى المجتمع الأميركي، الذي أصبح أيضاً، أكثر استعداداً لسماع هذه الرواية وتقبلها.

 

* أكاديمية وكاتبة فلسطينية

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــــاة"