على مدى عقود ، عرفت كغيري جورج قرداحي من خلال ما يقدمه على الشاشة ، و كانت ال mbc وهي قناة عربية إختارت اسما بحروف انجليزية بمعنى ( هيئة الشرق الأوسط للبث ) وكانت بداياتها في بث أفلام وبرامج أمريكية لتؤنس وحدة الجيش الأمريكي الصديق في بداية التسعينات لظرف معين لا مجال للخوض فيه هنا ، اقول كانت mbc ربما هي النافذة الأشهر التي اطل قرداحي من خلالها على جماهير الامة العربية ، و كانت القاعدة التي بنى عليها صرح مجده و شهرته و ربما ثروته . ولم يُقبِّح الرجل جميلاً ، و كان يشكر كلما استحق الشكر ، و يمدح كل ما يستحق المديح .. ولكن هناك محطات يقف فيها الإنسان على مفترق طرق ، يزوغ منها البصر و في كثير من الأحيان " يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" حين يفقد الواحد منا التمييز بين انسانيته و مصدر رزقه ، بين مبادئه و أرقام حساباته البنكية ، و يختلط عليه الفارق بين الكياسة و الدياثة ، فيقرر احد أمرين ، إما أن ينزلق إلى أسفل سافلين ، أو يقرر خوض الصدام الكربلائي ، وهو مؤمن بأنه سيخسر كل شئ إلا شئ واحد .. هو كرامته الإنسانية و شرفه .
وأنا هنا لا أهاجم و لا أخاصم ولا انحاز الى طرف ، فأنا أعترف و أعرف ان منصب الوزير هو في الأساس منصب سياسي ، له معايير و مقاييس تتطور و تتغير و تتبدل بحسب سياسات النظام الذي استوزر الوزير أصلاً .
وعليه ان يتعلم بعض المتناقضات و المترادفات في أبجديات وقاموس العمل السياسي قبل قبول المنصب ، مثل البراغماتية عوضاً عن النفعية و العقلانية بدلاً عن الإنبطاح ، و الواقعية بدلاً عن الإنهزامية .. الخ ..
فمثلاً لو قامت الدنيا ولم تقعد ، ولو تم تدمير المسجد الأقصى و إعلان القدس عاصمة أبدية للصهاينة و ذبح نصف الشعب الفلسطيني و سُرقت و أحرقت ليبيا و نُهب العراق و تقطع اليمن و حُقن السودان بكل سموم الأرض ، فالوزير الناصح ، الذي يفهم مقتضيات منصبه ، عليه ان يبقي على همزة وصل مع إسرائيل ، و عليه ان يؤمن بان ٩٩% من أوراق اللعب في يد أمريكا ، فمهما حدث ، لا يسحب سفيرا ولا يصعد المواقف ولاةيتدخلىغي الشأن الداخلي لأحد.. و يكتفي ببيان شجب و استنكار .. أما اذا ( عطس) عربي اي كان في أي بلد كان ، فهنا .. يثور المعتصم .. و يثأر للكرامة ويشهر السيف و يطرد السفراء و يقطع الصلات و يوجه القنوات و يصرف المليارات و يأمر الشعوب والتابعين و الكتاب على التأكيد على أن الطريق الى القدس و التحرير ووحدة الأمة لا تكون إلا اذا ( يسقط جورج قرداحي )
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم .
* كاتب فلسطيني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"