حلّ الدولتين.. وإلا تفجير الحزب الديمقراطي الأميركي

مشاركة
* توماس فريدمان 12:12 م، 30 مايو 2021

يعلم الربّ أنّني أتعاطف مع رغبة الرئيس بايدن في تجنّب الانجرار إلى الوساطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن الأيام الأحد عشر من القتال بين إسرائيل وحماس أوضحت لي شيئاً واضحاً تماماً: ما لم نحافظ على الأقلّ على إمكان حلّ الدولتين، فإنّ واقع الدولة الواحدة الذي سيظهر بدلاً منها لن ينسف إسرائيل والضفّة الغربية وغزّة فحسب، بل يمكن أن يفجّر الحزب الديموقراطي وكل منظمة وكنيس يهوديّ في أميركا.

نعم، هذا ما تعلّمته الأسبوع الماضي.

لا أتوقّع أن يستدعي بايدن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى كامب ديفيد. وطالما أنّ كليهما في السلطة، فلن يكون من الممكن التوصّل إلى حلّ وسط جدّيّ. ولكن من الأهمية بمكان أن يتّخذ بايدن على وجه السرعة خطوات لإعادة تنشيط إمكان حل الدولتين وإعطائه، على الأقلّ، بعض المظاهر الدبلوماسية الملموسة على الأرض.

لأنّه من دون هذا الأفق، ومن دون أيّ أمل قابل للتطبيق في فصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى دولتين لشعبين، ستكون النتيجة الوحيدة المتبقية هي دولة واحدة تهيمن فيها الأغلبية الإسرائيلية، ويُحرَم الفلسطينيون في القدس الشرقية والضفة الغربية بشكل منهجي من المساواة في الحقوق حتى تتمكّن إسرائيل من الحفاظ على طابعها اليهودي.

وإذا حدث ذلك فإنّ التهمة بأنّ إسرائيل أصبحت كياناً شبيهاً بالفصل العنصري سوف يتردّد صداها وتكتسب زخماً واسعاً. سوف ينكسر الحزب الديموقراطي أمام جوقة متزايدة من التقدميين، الذين يصوّرون على نحو مطّرد معاملة الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين بأنّها تعادل معاملة إدارة شرطة مينيابوليس للسود أو معاملة القوى الاستعمارية للشعوب الأصلية. إذّاك سوف تصرّ هذه الجوقة على إبعاد الولايات المتحدة عن إسرائيل، وربّما تدفع إلى حظر مبيعات الأسلحة.

وفي الوقت نفسه، سيتراجع الديموقراطيون الوسطيون عن القول إنّ هؤلاء التقدميين ساذجون بشكل لا يصدق، وأنّهم لا يعرفون عدد خطط السلام القائمة على دولتين التي رفضها الفلسطينيون بالفعل، والتي أهلكت معسكر السلام الإسرائيلي، وأنّ أيّاً من قضاياهم، من حقوق المرأة إلى حقوق المهمّشين والتعدّدية الدينية، لن تستمر دقيقة واحدة في حرم الجامعة الإسلامية في غزّة الذي تديره حماس.

وأظهر الأسبوعان الماضيان أنّ كل منظمة وكنيس يهوديّ في أميركا سوف ينقسمان بشدّة حول هذا السؤال: هل أنت مستعدّ للدفاع عن إسرائيل الدولة الواحدة، وهي التي لم تعد تتظاهر بأنّها ديموقراطية، والتي يفضّل قادتها الاعتماد على الدعم غير النقدي من الإنجيليين على الدعم النقدي لليهود؟

وأخيراً، سيُضطرّ الطلاب اليهود وغير اليهود في كل حرم جامعي إلى التصارع مع هذا السؤال أو الهروب إلى أبعد حدّ ممكن من النقاش. المزيد والمزيد من التخلّي عن إسرائيل. يمكنك أن ترى ذلك يحدث بالفعل. وسوف تزدهر معاداة السامية تحت ستار معاداة الصهيونية. سوف تصبح قبيحة جدّاً. كل الفروق الدقيقة ستُفقد. سيصبح تويتر وفيسبوك ساحات قتال بين منتقدي إسرائيل والمدافعين عنها، وسيشعل دونالد ترامب والجمهوريون النيران، ويخبرون اليهود الأميركيين أن لا مستقبل لهم في الحزب الديموقراطي، ويشيرون إليهم بالمجيء إلى الحزب الجمهوري، الذي يدعم، بالفعل، قاعدته الإنجيلية، الدولة اليهودية بلا شكّ... في الوقت الراهن.

وقال جيدي غرينستين رئيس مجموعة "روت"، وهي مؤسسة أبحاث إسرائيلية رائدة، إنّه "على الناس أن يفهموا أنّ هذه المسألة تحوّلت خلال الأسبوعين الماضيين. لقد تحوّل مكان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني داخل المجتمع والسياسة الأميركيين، وداخل المجتمع اليهودي، من قضية بين الحزبين إلى قضية إسفين".

وأضاف أنّها "قضية إسفين الآن ليس فقط بين الديموقراطيين والجمهوريين، ولكن أيضاً بين الديموقراطيين والديموقراطيين. هذه أخبار سيّئة جدّاً لإسرائيل وللشعب اليهودي. يجب على إسرائيل وبايدن التعاون على وجه السرعة لنزع فتيلها".

لذلك آمل أنّه عندما يجتمع وزير الخارجية توني بلينكن مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين هذا الأسبوع، أن ينقل رسالة واضحة جدّاً: "من هذا اليوم فصاعداً، سنتعامل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كدولة فلسطينية قيد الإعداد، وسنتّخذ سلسلة من الخطوات الدبلوماسية لإقامة دولة فلسطينية من أجل الحفاظ على جدوى حلّ الدولتين. نحن نحترم كلّ مخاوفكم، لكنّنا مصمّمون على المضيّ قدماً لأنّ الحفاظ على حلّ الدولتين الآن لا يتعلّق فقط بمصالحكم الأمنية القومية، بل يتعلّق بمصالح أمننا القومي في الشرق الأوسط. وهو يرتبط بالمستقبل السياسي للفصيل الوسطي في الحزب الديموقراطي. لذلك نحن جميعاً بحاجة إلى الحصول على هذا الحق".

أوّلاً: ينبغي على بايدن إعادة تشكيل العلاقات الأميركية الإسرائيلية الفلسطينية من خلال فتح بعثة دبلوماسية إلى سلطة الشعب الفلسطيني، باعتبارها حكومة الدولة الفلسطينية الوليدة، بالقرب من مقرّها في رام الله. وفي الوقت نفسه، ينبغي عليه دعوة "سلطة الشعب الفلسطيني" إلى إرسال ممثّل دبلوماسي إلى واشنطن كسفير مستقبلي لدولة فلسطينية مستقبلية.

لقد فعلت إدارة ترامب، بقيادة سفيرها لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، المؤيّد المسعور للمستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية، شيئاً متهوّراً حقّاً: فهي لم تنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس فحسب، من دون الحصول على أيّ تنازلات إسرائيلية في المقابل، بل وأغلقت القنصلية الأميركية في القدس، التي كانت لفترة طويلة الرابط الدبلوماسي الأميركي المنفصل والمتميّز بالسلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية وغزّة. وقد طوى الرئيس السابق دونالد ترامب حينها وحدة الشؤون الفلسطينية في سفارتنا لدى إسرائيل، وهو مسؤول أمام السفير الأميركي.

وقد أدّى ذلك فعليّاً إلى القضاء على أيّ تمثيل دبلوماسي منفصل للولايات المتحدة لدى السلطة الفلسطينية. وبدلا من ذلك، وسّع ترامب تفويض السفير الأميركي لدى إسرائيل ليشمل "الجيش الفلسطيني" في الضفة الغربية وغزة بقيادة "حماس". وبعبارة أخرى، بدلاً من وجود سفارتين لشعبين، أنشأ ترامب سفارة دولة واحدة، مع سفير دولة واحدة، وهو ما يعكس انجراف إسرائيل نحو حلّ الدولة الواحدة. ومن خلال فتح بعثة دبلوماسية أميركية في رام الله، وليس فقط في القدس الشرقية، فإنّ بايدن سوف يعكس ذلك ويعزّز وضع الدولة الوليدة في "حزب الشعب".

ثانياً: ينبغي على بايدن أن يقترح إجراء مفاوضات حول السلام مع خطة ترامب كنقطة انطلاق، التي اقترحت تقريباً أن تحصل إسرائيل على 30 فى المئة من الضفة الغربية، والفلسطينيون على 70 في المئة، بالإضافة إلى مبادلة الأراضي. وستكون للفلسطينيين عاصمة خارج القدس. كانت الخطة غير متوازنة بشكل مثير للسخرية لمصلحة إسرائيل، ورفضها الفلسطينيون رفضاً باتّاً. ولكن قبول نتانياهو لها يجعلها نقطة انطلاق فعّالة، وليست نقطة نهاية، للمفاوضات. ويمكن أن يولد بعض الدعم من قبل حزب العمل لإحياء حلّ بايدن القائم على دولتين.

ثالثاً: ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجّع الدول العربية الست، التي قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل (البحرين ومصر والأردن والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة)، على نقل سفاراتها في وقت واحد من تل أبيب إلى القدس الغربية، التي تعترف بها جميع دول العالم جزءاً من إسرائيل، وهذا من شأنه أن يجعل الإسرائيليين سعداء، وفتح سفارات للدولة الفلسطينية الوليدة في رام الله، تماماً مثل الولايات المتحدة. وهذا أيضاً من شأنه أن يعزّز واقع الدولتين، وستجد إسرائيل صعوبة بالغة في معارضتها.

رابعاً: ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجّع هذه الدول العربية على زيادة دعمها المالي للسلطة الفلسطينية بشكل كبير، وجعل المساعدة المقدّمة إلى غزّة مشروطة بتدفّق المساعدات فقط من خلال سلطة تحرير الشعب، وليس مباشرة إلى حماس، وليس من خلال المنظمات الدولية، مثل وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

ومرّة أخرى، ما دام نتانياهو وعباس يقودان كيانيهما، فإنّ احتمالات إبرام اتفاق الدولتين بعيدة المنال. لكن على الأقلّ هذه الخطوات من شأنها أن تحافظ على إمكانية واحدة على الطريق. واليوم، أصبح ذلك مهمّاً أكثر من أيّ وقت مضى، ليس فقط بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن أيضاً بالنسبة إلى العديد من الأميركيين ونواب الحزب الديموقراطي، ويهود العالم، وبايدن نفسه.

* كاتب أمريكي - - نيويورك تايمز

* ترجمة: أحمد عياش

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"