يا هذا.. ليسوا «مساخيط» بل أكابر الملوك

مشاركة
* عادل نعمان 11:46 م، 09 ابريل 2021

لو كنا تحت راية هؤلاء القوم إلى يومنا هذا، لكانت تماثيل نهضة مصر ورمسيس ومحمد فريد وسعد زغلول ومصطفى كامل وعبدالناصر وغيرها في ميادين المحروسة يغطيها ويلفها مشمع من البلاستيك الشفاف أو «شكاير» الإسمنت الفارغة، أو تم طمسها تحت كتل من الشمع طبقات وراءها طبقات، وكانت موثقة ومقيدة بحبال من الكتان حتى لا تفلت من مرقدها، وكانت الملكات العظيمات الشامخات حتشبسوت ونفرتيتي وكليوباترا وكثيرات منتقبات خلف الرداء الأسود، وربما دفنت فى مقابرهن تحت كتل من التراب.

وكان طريق الكباش مفروشا لبيع العطور والسواك والبخور، وكنا بصدد الاحتفال بمناسبة تكسير وتحطيم تماثيل الشِّرك ومساخيط الفراعنة الكفرة فى الأديرة والمتاحف والمقابر وعلى أنغام الدواعش «صليل الصوارم نشيد الإباة.. ودرب القتال طريق الحياة».. ومع قرع طبول الحرب والانتصار يحتفلون بنقل آخر حجر من الهرم الأصغر لغلق وسد كل طرق العلم والمعرفة والتحضر سدا منيعا يفصلنا عن العالم، والحمد لله حمدا كثيرا الذى نجانا من هذا الشر العظيم وردهم جميعا إلى جحورهم.

هكذا كنا منذ سبعة آلاف عام، أكابر ولاد أكابر، ذرية بعضها من بعض، ملوك ولاد ملوك، الملك ستي الأول ابن الملك رمسيس الأول، الملك رمسيس الثاني «الجد الأعظم»، الملك مرنبتاح الابن الثالث عشر للجد الأكبر رمسيس الثاني، وابنه الملك ستي الثاني، والملك سقنن رع الثاني ابن الملك سانخت، والملك تحتمس الأول، ثم الملك تحتمس الثانى، والملك تحتمس الثالث، والملك تحتمس الرابع، والملك أمنحتب الأول ابن الملك أحمس الأول.. ولتتقدم الملكات العظيمات، الملكة «تى» وهى زوجة الملك أمنحتب الثالث، وهى أم إخناتون، ثم الملكة «ميرت آمون»، ثم الملكة حتشبسوت التى حكمت بعد وفاة زوجها تحتمس الثانى وصية على الملك الصغير تحتمس الثالث، ثم الملك أمنحتب الثانى، والملك أمنحتب الثالث، والملك رمسيس الثالث، والملك رمسيس الرابع، والملك رمسيس الخامس، والملك رمسيس السادس، والملك رمسيس التاسع والملك أحمس نفرتارى، والملك سى بتاح.. هل هناك أعظم من هؤلاء عزًا ومجدًا وفخرًا؟ هل لدينا تاريخ أعرق من هذا التاريخ؟ هل من الحكمة أن نزين كتب أولادنا فى المدارس بغير هؤلاء، أو نتفاخر ونتباهى بغيرهم أمام الدنيا؟!.

يا هذا.. هؤلاء الملوك الأجلاء ليسوا «مساخيط»، بل ملوك عظام، وحدوا الأوطان، ودافعوا عن البلاد، وقهروا الغزاة، ووحدوا كلمة الإله على الحق والعدالة، وشيدوا المعابد والحضارة والعلوم، وعجز العالم عن فك رموزه وطلاسمه، هلا قرأت عن مبادئ «ماعت» إله الحق والعدل والنظام، خذ بعضا منها: «أنا لم أقم بإرهاب أحد.. ولم أخالف القانون».. هكذا كان المصري القديم لا يرهب أحدا تحت دعاوى جهاد الطلب والقتل باسم الله، ولا يخالف القانون، ولا ينسخ فضيلة بمرويات مكذوبة، ولا يحارب أحدًا فى معتقده، بل كان حريصا على إنشاء كافة المعابد حرصه على معبده، هكذا تعلم المصري القديم المحبة والسلام واحترام كل العقائد، وقدمها للعالم منذ آلاف السنين.. فماذا قدمتم للبشرية؟!.

مصر العظيمة لن تتراجع أمام جحافل الظلام، مصر المحبة والسلام والرخاء، لم تقطع هذا الشوط هباءً، ولم تنقل المومياوات من المتحف المصري إلى متحف الحضارة لتحفظها وترصها بجوار بعضها البعض. مصر حركت تاريخها كله إلى الأمام، وغيرت جلدها بالأمس، وعادت إلى أصلها ونشأتها الأولى، أحفاد الملوك والملكات، فتحوا الباب أمام تحرير العقل، وتحرير المرأة من قيود السلفية إلى رحابة الملكات العظام وتاريخ السلام، هى نقطة بين تاريخ الهمجية وتاريخ الجمال، بين داعش التي حطمت التماثيل الآشورية وبين خبراء يرممون ما أفسده الدهر في هذه المومياوات، بين تاريخ طالبان التي حطمت تمثال بوذا وبين أحفاد الفراعنة الذين نقلوا المومياوات فى موكب مهيب يليق بعظمة هؤلاء وأبهروا الدنيا كلها، بين تاريخ أسود لطالبان التي نسفت تمثال التبتي فى بانيان فى أفغانستان وبين رئيس يقف في جلال واحترام انتظارًا لمرور أجداده إلى متحف الحضارة بالفسطاط، بين معاول الهدم والتخريب وبين مدفعية تطلق اثنتين وعشرين طلقة تحية لاستقبال الملوك الكبار.

يا هذا.. ليست هذه أصنام قريش، وليست أوثانًا تُعبد من دون الله، أو صنعها الإنسان من الحجارة بيديه من العدم بلا تاريخ ليتقرب بها إلى الله، كما فعل العربي قديمًا، هم ملوك تقرّبوا إلى الله بالسلام والخير والعبادة.. هلا قرأت خطاب تحتمس الثالث، أحد أهم ملوك الفراعنة إلى جنوده: «لا تقتلوا جنديًا يستسلم، لا تقتلوا مدنيًا لم يرفع السلاح، إياكم أن تلمسوا طفلا أو امرأة بسوء، أعطوا الطعام للجائع كى يعطيكم الرب أضعافها، إياكم أن ترهبوا خائفا مذعورا فهذا لا يرضى الله العظيم».. هكذا كانوا يخاطبون جنودهم بما يحبه الله ويرضاه، فكيف يكون هذا الملك ورفاقه من الأوثان؟!.

وأخيرًا، نحن أحفاد هؤلاء فقط، ليس غيرهم، وتاريخنا يبدأ من هناك إلى اليوم وغدًا.

تحية للملوك والملكات، ولكل من ساهم فى هذا العمل الجبار، رئيسًا وحكومة ومشاركين وشعبًا، أبهرتم العالم وكانت رسالتكم واضحة صريحة هى: الحب والسلام والإخاء بين التاريخ والحضارة والأديان.

* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــاة"