أشبه بمن يرفع مسدسا ويصوبه.. لكنه لا يطلق نارا.. بل يكتفي بتهديدات ثم تصريحات دبلوماسية مكررة وغير مفهومة!
هكذا تصرفت إدارة الرئيس الامريكي بايدن في التعامل مع السعودية بعد أن هددت وتوعدت من قبل بجعل ولي العهد محمد بن سلمان، شخصية منبوذة.
لكنها اكتفت بنشر ملخص تقرير يتهم بالاسم الامير السعودي بالأمر بإمساك أو قتل خاشقجي، دون الإفصاح في التقرير عن الأدلة التي توصلت إليها المخابرات لتدينه.
إدارة بايدن وجدت نفسها في وضع محرج، وهي عاجزة عن نشر التفاصيل، وعن اتخاذ أي إجراء ضد الشخص الذي تتهمه بالقتل، مكتفية بقائمة سوداء ضد 76 سعوديا تتهمهم بتنفيذ أوامر هذا الشخص: ولي العهد..
ولم يعد لدى إدارة بايدن سوى عدم حديث الرئيس بايدن مع بن سلمان، لكن مسموح لوزير الدفاع الأمريكي محادثته، ومواصلة التعامل المعتاد مع حكومة السعودية كحليف استراتيجي والتظاهر بأن واشنطن لا تعرف من يحكم فعليا في الرياض، وما اسم ولي العهد!
صحيفة واشنطن بوست التي كان يكتب بها جمال خاشقجي، ومن أكثر الصحف التي دعمت بايدن، كتب ناشرها فرِد ريان تعليقا اليوم في صفحة الرأي ينتقد بشدة أداء إدارة بايدن وفشلها في اول امتحان لسياستها الخارجية، معتبرا أن ما تفعله مع بن سلمان بمثابة "إجازة بالمرور الحر للقتل."
المتحدثة باسم البيت الأبيض قالت إن الولايات المتحدة لا تعاقب زعماء الدول التي تربطها بها علاقة دبلوماسية. وحين وجدت نفسها تكرر تصريحاتها بأن الإدارة لن تفعل شيئا مع ولي العهد، ردت على سؤال عن المستقبل، فتركت الامر مفتوحا حسبما تقرر الإدارة وقتها!
هناك إدراك في واشنطن أن مستشاري بايدن حذروه من عواقب وتعقيدات الدخول في مواجهة مع السعودية، طالما أن تهديداته واتهاماته لم تحرك أحدا في العائلة المالكة للمطالبة بالتغيير.. وعليه أن يترك الامر عند هذا الحد وينتظر.
لكن هناك إدراك ان مراكز الأبحاث وجماعات الضغط التي يجيئ منها العديد من المستشارين، حيث يعملون حين يخرج مرشح حزبهم من البيت الأبيض، تأثروا بنفوذ اسرائيل وتمويل تبرعات دول الخليج، فلم يعد هناك من يريد المغامرة في فتح ملفات خارجية إضافية بدلا من إغلاق بعض المفتوح والملتهب منها.
في مذكراته، اعترف اوباما، حين كان بايدن نائبه، أنهم وقت الربيع العربي تدخلوا عسكريا في ليبيا لإسقاط القذافي قبل أن يزحف على الثوار في بنغازي ويقمعهم، لكن حين رصدت مخابراته دخول قوات الجيشين السعودي والإماراتي لدعم النظام البحريني في قمع الثورة، لم يفعل شيئا بسبب المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الخليج.
موقف صعب وضعت إدارة بايدن نفسها فيه هذه المرة، بعد أن كان بإمكانها المماطلة وتأجيل تحدي فتح ملف خاشقجي أو توجيه الاتهام لحاكم دولة، لا تستطيع أن تفعل شيئا تجاهه لمصالحها الاستراتيجية.
لكن قد يُضطر بايدن للبحث عن دولة ضعيفة او حائط مائل للضغط عليه او التمثيل به، لاستعادة ماء الوجه.. وحتى ميانمار تبدو أصعب من استخدامها كعِبرة.. بالتالي، عليها البحث عن حائط مائل عربي.
على سبيل المثال، حين أرادت إدارة بايدن الرد على هجمات أنصار إيران في العراق من قبل، ردت على ايران منذ يومين بضرب سوريا!
* إعلامي مصري
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"