فارق اثنين وثلاثين عاما بين دونالد ترمب (٧٤سنة) وإيمانويل ماكرون (٤٢سنة) كانت كافية لتليين قلب الرئيس الأمريكي المتعجرف وتخليه عن غيرته، في التعامل مع نظيره الفرنسي، لتحل محلها مظاهر علاقة الأبوة.. التي بدت واضحة في اللمس والاقتراب اللصيق، غير المألوف في التقاليد الغربية بين رجلين غير مثليين..
وهو ما ظهر منذ أول لقاء بينهما وأول زيارة رسمية لإيمانويل لترمب في البيت الابيض قبل عامين.
وقتها حاول ترمب مجاملة إيمانويل حين أصر الشاب على إحضار هدية معه: فرع شجرة بلوط نمت في غابة بفرنسا ملاصقة لمقبرة حلفاء محاربين أمريكيين هناك منذ الحرب العالمية الأولى، وأراد الشاب أن يزرعها في حديقة البيت الأبيض مع العم ترمب رمزا لجذور علاقة الأجداد وتطلعا لنمو واستمرار العلاقة بين الأجيال.
لم يكن يعرف ماكرون أن أكثر ما يخشاه الأمريكيون ويفتشون عنه في مطاراتهم بخوف يفوق المخدرات، دخول البذور والنباتات من خارج أمريكا، لمخاطرها على دخول أمراض زراعية تأكل الأخضر واليابس في أمريكا.
بالتالي، أبلغ المستشارون الرئيس الامريكي عدم إمكانية السماح بزرع شجيرة الصغير إيمانويل، فلابد من عزلها الصحي أولاً والتأكد بعد فترة طويلة من خلوها من أي أمراض. لكن ترمب أصر أن يأخذ بخاطر صغيره، ويجامله بزرع الشجيرة معا أمام الكاميرات، وليفعل الخبراء بها ما شاءوا بعد انصراف إيمانويل وزوجته.
وهو ما حدث.. وحين سأل الفرنسيون عن شجيرتهم بعد عام، أبلغوهم أنها لم تزدهر، والأعمار بيد الله.
لم يكن ماكرون يتصور أنه سيحتاج يوما في عام انتخابي لخبرة العم ترمب القاسية في كسب الأصوات بالمزايدة العنصرية لصالح بني جلدته وبرفع ورقة الأمن وخطر "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" ومنع المسلمين من دخول أمريكا. لكن لم يمر وقت طويل حتى استعان الشاب بخبرة الشايب، عند أول قتيل في فرنسا، فما بالنا برد الأمريكيين على مقتل ألفين و٩٧٧ في يوم واحد: الحادي عشر من سبتمبر!
ومثلما احتك العم ترمب وتأثر بخبرة أباطرة العالم العربي، وعرف منهم في السياسة كما يعرف هو في إدارة أعماله، إن الحاكم الناجح هو الذي يحافظ على كرسيه، ويطوع القانون ولا يطيعه، فمصير الخاسر السجن أو القتل بعد الإفلاس..
كذلك سمع ماكرون عنده نصائح عربية رفيعة عن خطر المساجد وأئمتها وعقلية مريديها، وأهمية مراقبتهم.. ثم انغمس في مشاكل الطائفية وتقسيماتها ومعاناتها في لبنان، ووجد نفسه القيصر المخلص هناك الذي تهافت عليه الآلاف يوقعون بيانا مطالبينه العودة بقواته ودروعهم المرسومة، لإكمال مهمة أجداده في إنقاذ الشرق المشتعل..
ليس غريبا إذن أن يستعير الشاب ورقة من كتاب معلمه، لعلها تنمو أوراقا وأصواتا في صندوق انتخابه الأسود.
فما أشبه اليوم بالبارحة..
ومن شابه أباه فما ظلم.
* إعلامي مصري
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"