الحرية مسئولية.. والديمقراطية وعى

مشاركة
* عادل نعمان 01:46 ص، 02 أكتوبر 2020

اعتبره مقالاً عنصرياً لبعض الوقت، حتى تتفهم حضرتك مقصدي، فربما تتفق معي على أحد أهم أسباب تقييد حرية التظاهر والنتائج السلبية للديمقراطية، وأبدأ: لا حرية للفوضوي أو البلطجي أو غير المسئول، مهما حاول أصحاب دكاكين حقوق الإنسان دفعنا دفعاً إلى الفوضى أو الفشل، تحت دعاوى حرية التعبير والرأي، أو الحق في التظاهر، وهى دعوة حق يراد بها ألف باطل وباطل، فلو تظاهر هؤلاء الفوضويون والمخربون في دول الحريات على هذا النحو وخربوا وأحرقوا، كما يخربون ويحرقون، لكان جزاؤهم السحل والسجن دون تهاون، وهم للأسف منتشرون في بلادي في كل مكان، تحت دعاوى أبعد ما تكون عن الحرية السياسية، أو حرية الرأي والتعبير، بل تحت عنوان واضح وصريح وهو السلب والنهب والغل والحقد وتدمير ما في يد الغير، فلا حرية لهؤلاء، أو باب مفتوح لهم أو موارب، حتى يرتقوا إلى مستوى المسئولية واحترام هذا الحق، أو تكون الدولة جادة وحادة في تنفيذ القانون في حينه ووقته، ولقد رأيت أكثر من مرة مجموعة من هؤلاء يقفون على مقربة من أحد المولات الشهيرة بمدينة السادس من أكتوبر، انتظاراً للحظة المواتية لخراب هذه المحلات والانقضاض عليها وسرقتها.

سوف أرفض التظاهر في هذا البلد، سواء أكنت مخالفاً للنظام أو مؤيداً له، في الكل أو في البعض، ما دامت نسبة ليست قليلة لا تقدر حجم المسئولية، ولا تحترم القانون، ولا تلتزم بقواعد التظاهر، ولا تحافظ على حقوق الغير، أو ممتلكات الناس العامة والخاصة، وما دام يقف هؤلاء على الأبواب انتظاراً لفرصة الانقضاض على ممتلكات الناس أو أرواحهم أو ترويع المواطنين، سواء أكان هذا مع حرية الفرد أو ضده، إلى أن يستوعب الناس مفهوم الحرية ومسئولياتها وتبعاتها، واحترامها، ويقف صاحب الرأي الحر معلناً عن رأيه دون خوف من القبض عليه أو استغلال موقفه لصالح بلطجي أو متاجر باسم الخلافة الزائفة، ولست موافقاً على التظاهر أيضاً تأييداً للدولة، فنحن لسنا في امتحان أو اختبار أو مقارنة أو استدعاء كل طرف للمؤيدين والمناصرين له، فلا وزن يُذكر على الساحة لهؤلاء، ولا اعتبار لدعوات التظاهر هذه، حتى نكلف الدولة الملايين للرد عليها بمظاهرات إيجابية، ونسمح للمؤيدين ونمنعها عن المعارضين، ونكيل بمكيالين، حتى لو كنا ندرك تبعات كل طرف والتزام أحدهما عن الآخر وسلامة موقفه، إلا أن هؤلاء يرفعونها في وجه العالم، فيحسبها لصالحهم وليس الأمر كذلك.

والديمقراطية على قدر الوعى والفهم والتعليم، فلا تحدثني عن حق هؤلاء الذين يبيعون أصواتهم على أبواب اللجان الانتخابية، فهو لا يبيع حقه فقط، بل يبيع مستقبل وطن وأولاده معه، وهى سوق رائجة يستغلها الكثير من المرشحين الذين لا يملكون من أدوات ومؤهلات النجاح سوى أموالهم فقط، فكان هؤلاء هم جواز المرور لهم وللأسف يمثلون قطاعاً عريضاً، وتستغلهم أيضاً بعض الأجهزة للحفاظ على نسبة تمثيل مطلوبة داخل المجالس النيابية لأغراض شتى، فاعتزلت وانسحبت معظم القوى السياسية الصالحة، والخبرات العلمية والسياسية المتميزة من مضمار هذه المنافسة، فليس هذا في صالحهم أو في جانبهم، ولا يملك أحدهم من هذا المال فائضاً يوظفه هذا التوظيف، ولو امتلكه ما جعله سبباً لنجاحه، وللأسف.. تحسم العملية الانتخابية في الغالب الأعم بهذه الصفقات المشبوهة، فلا حق لهذا أو ذاك عندي، ناخب يبيع صوته بالمال لمرشح لا يملك من مؤهلات النجاح سواه، فتكون النتيجة في نهاية المطاف مجالس لا تمثل الشعب تمثيلاً صادقاً أو أميناً، بعيدة عن مطالب ومصالح الجماهير، قريبة لمصالحها ومنافعها، وأصبحت لا تخجل من هذا البيع أو هذا الشراء جهاراً نهاراً، كيف نضع مصير الأمة والشعب في يد هؤلاء وهؤلاء؟ وكيف نأمن على غدنا ونحن نرى هذا أمام أعيننا؟

سوف أرفض أن يعطى هذا حق التصويت وذاك حق الترشح، وأن يقف هذا أمام اللجان صوتاً بصوت، وحقاً بحق، مع الذين يقدرون حجم الأمانة، وأهمية الصوت الواحد الذى يفصل بين الصواب والخطأ، والنجاح والفشل، فكيف يتساويان ويتعادلان فى الحقوق إذا أهمل أحدهما واجبه وباع حقه وشرفه الانتخابي واستغله المرشح لمصالحه ومنافعه؟

ما الحل؟ حرية مرهونة بمسئولية غائبة ضائعة في ركام التاريخ من عشرات السنين، وديمقراطية حبيسة المال السياسي دون وعى في معظمه، والغالبية العظمى من هؤلاء وهؤلاء هم صناع مهرة في البناء السياسي، وتجريفه، وفى ضياع حرية الشرفاء وفرصة صادقة لاختيار ديمقراطي حر نصل بهما إلى بر الأمان، نحن نحتاج إلى بناء سياسي حقيقي دون تزييف أو تضليل، كما نبنى المصانع ونشق الطرق، ونشيد هنا وهناك بسرعة فائقة، في ثورة لم تشهدها مصر من قبل، فقد آن أوان البناء السياسي حتى تنهض الدولة نهوضاً كاملاً، ويضاف ذلك إلى رصيد النجاحات.

 

* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"