أكد اللواء محمد ابراهيم عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن المنطقة العربية تجابه عددا من المشروعات القائمة على الأطماع الواضحة من جانب بعض دول الجوار الجغرافي ، وفي مقدمتها مشروع الرئيس التركي رجب أردوغان الطامع في نهب ثروات الدول العربية والسيطرة عليها من خلال مخططاته الخبيثة القائمة على التدخل السافر في شئون دول المنطقة.
وأوضح اللواء محمد ابراهيم ، في حوار نشرته مجلة المصور، أن هذه المنطقة بها 3 مشروعات ؛ بداية من المشروع التركي الذي أصبح واضحا أنه يستهدف احياء الإمبراطورية العثمانية من خلال التدخل في شئون الدول العربية ومحاولة لعب دور اقليمي أكبر من امكاناته وامكانات تركيا.
وأشار الى أن أردوغان يسلك في سبيل تحقيق أوهامه وأطماعه، طريق دعم جماعة الإخوان الإرهابية في الدول التي بها تنظيمات اخوانية ، ودعم تنظيمات ارهابية مثل ما رأينا في سوريا ، ويحاول انتهاك القانون الدولي فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط ، أملا منه أن تكون له سطوة أو دور أكبر في استغلال جميع موارد هذه الدول ، وفي مقدمتها النفط والغاز ، منساقا وراء أطماعه.
وأضاف أن المشروع الثاني هو المشروع الإيراني ، وهو يتبع نفس منطق أردوغان ، حيث يهدف الى محاولة احياء الإمبراطورية الفارسية ، بالتدخل في شئون الدول العربية ، ومد النفوذ الايراني الى كل منطقة تستطيع أن تصل اليها ايران ، سواء في لبنان أو اليمن والخليج العربي وتهديد الملاحة فيه ، والسيطرة على العراق.
وتابع أن المشروع الثالث هو المشروع الاسرائيلي ، وقال " بعيدا عن أطماع إسرائيل المعروفة ، فإن مشروعها يهدف الى تحقيق عدد من الأطماع والمصالح ، من أهمها أن ينسى الجميع دول وشعوب ومجتمع دولي القضية الفلسطينية ، وأن تصير إسرائيل دولة طبيعية كدول هذه المنطقة ، ولكنها تجابه بادراك الدول العربية لهذا المشروع" ، مشيرا الى أن مصر والأمة العربية لن تسمح بهذا وتعتبر القضية الفسطينية هي الأساس ، وبعد حل القضية الفلسطينية لا مانع من أن يكون هناك نقاش حول السلام الشامل وتطبيع العلاقات.
وأعاد اللواء إبراهيم التذكير بمبادرة السلام العربية المطروحة في 2002 والتي تدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة مقابل سلام كامل ، وقال "هذه هي القضية بيننا وبين إسرائيل باختصار شديد"، وقال " لكن لدينا قضية أهم يجب أن نتحدث عنها ، وهي أننا عند التفكير في هذه المشروعات الثلاثة ، بكل أهدافها القائمة على الأطماع ، نجد أن هناك مشروعا رابعا هو المشروع المصري الذي لا يتحدث عنه كثيرون لكونه قائما على ترسيخ الأمن والسلام في المنطقة والعالم وحل النزاعات والصراعات بالطرق السلمية".
وأضاف أن المشروع المصري هو الأكثر فائدة للمنطقة وللعالم لأنه ليس توسعيا ولا تحركه الأطماع ، بل هو مشروع سلام مكون من مجموعة من المفردات والمحددات يهدف إلى الاستقرار والتنمية والتعاون الإقليمي السياسي والاقتصادي والثقافي وتقوية أواصر العلاقات مع الدول المجاورة ودول المنطقة وسائر دول العالم ، وهو مشروع لحل الصراعات الإقليمية وصون وحماية مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية".
وتابع " إن المشروع المصري مناقض تماما للمشروعات التوسعية ما يجعله المشروع الأمثل ، ومصر بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تسعى إلى تحقيق هذه المبادي الهامة في العلاقات الدولية ، فعندما تولت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي ، حمل الرئيس عبدالفتاح السيسي ، خلال المؤتمرات واللقاءات الوطنية والاقليمية وفي المحافل الدولية قضية التنمية المستدامة في أفريقيا كهدف وأساس لحياة كريمة للشعوب الأفريقية وتحقيق رفاهية هذه الشعوب ، الى جانب حل الصراعات والخلافات بالطرق السلمية ، وتمثل هذا في (مبادرة 2020 ـ إسكات البنادق).
وقال اللواء محمد ابراهيم " هذا هو المشروع المصري الذي يهدف الى تحقيق مصالح الدول والشعوب ، وهو مشروع إنساني تنموي لا يبغي مصلحة دولة بعينها بل يبتغي صالح الجميع ويضمن التنمية والعيش السلمي المشترك لشعوب المنطقة".
وتابع "إن نجاح هذا المشروع سينهي كافة المشروعات الأخرى القائمة على الأطماع والتدخل في شئون الدول ، وهذا هو التحدي بينه وبين هذه المشروعات الخبيثة ، فالمشروع المصري يبغي إحلال السلام والتنمية والحفاظ على الدولة الوطنية وليس الفوضى ونهب الثروات وتدمير الدول".
وأضاف " ولجعل أهداف المشروع المصري ثقافة تسود المنطقة هناك أدوات متعددة : أولها علاقاتنا بالدول سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي ، فمصر تمتلك علاقات جيدة مع جميع الأطراف ، كما تضطلع مصر بدور مؤثر في حل الصراعات الموجودة في المنطقة مثل القضية الفسطينية والأزمة الليبية والأزمة السورية والعراق ودول إفريقيا ، وقد استعادت مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي دورها الريادي دوليا وإسلاميا وإقليميا وعربيا، فأصبح اليوم دور مصر فاعلا في حل النزاعات سلميا وقيادة خطط التنمية والعلاقات الاقتصادية بما يعود بالنفع المتبادل بين الدول".
وأكد أن شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسي المؤثرة عامل مهم في هذا المسعى ، فهو رجل يتمتع بمصداقية بين زعماء وقادة دول العالم ومن القادة المحبين للسلام والساعين الى تكريسه ، وكل تحركاته مرتبطة بالتنمية والسلام والاستقرار".
وانتقل اللواء محمد ابراهيم ، في حواره مع مجلة المصور ، الى ملف الأزمة الليبية وكيف يمكن لمصر حماية ليبيا مما هو مخطط لها ومجابهة المطامع التركية ، فقال " إن ليبيا هي قضية أمن قومي مصري ، فعندما أتحدث عن الأمن القومي المصري فأنا أتحدث عن قضية في غاية الأهمية ، لا يقبل فيها تحرك طرف خارجي وليس فيها بحث عن دور، ولكن فيها مصلحة مباشرة تمس الأمن القومي المصري ، والقضية الليبية مثل الأزمة في السودان والقضية الفلسطينية وأمن البحر الأحمر وسد النهضة ، جميعها قضايا تتماس بشكل مباشر ووثيق مع الأمن القومي المصري".
وأضاف " بعد سقوط القذافي تعرضت مصر خلال سنوات طويلة الى عمليات ارهابية بطول حدود مصر مع ليبيا التي تبلغ 1200 كم ، وتمكنت مصر بقيادة الرئيس السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة من تأمين حدودها الغربية".
واستعرض منطلقات الموقف المصري لتأمين الحدود الغربية مع ليبيا في ما يلي :
ـ نحن مع وحدة ليبيا ترابا وشعبا واستقرارها ، واستضفنا على أرض مصر خلال شهور مضت اجتماعات للبرلمان الليبي الذي يمثل المؤسسة الشرعية الوحيدة في البلاد ، وكل هذا ايمانا من مصر بأهمية دعم الشعب الليبي في استعادة دولته.
ـ الحل يجب أن يأتي من داخل ليبيا ونرفض أي تدخل أجنبي في ليبيا أيا كان ، لأن هذا التدخل سيؤثر على وحدة واستقرار ليبيا ، وستواصل مصر دعم ليبيا حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تفرض الفوضى هناك وتهدد دول الجوار.
وأشار الى أن هناك تحركات كبيرة ومحاولات لتسوية سياسية للأزمة الليبية من جانب مصر وروسيا وألمانيا ، وقال " إن موقف مصر يقوم على رفض حل الأزمة الليبية بالحسم العسكري لأنها قضية شعب ، وبالتالي يجب أن تكون هناك تسوية سياسية كاملة ، ونتمنى أن تؤتي التحركات المصرية ثمارها لأن البديل صعب على الجميع".
وقال اللواء محمد إبراهيم " إن مصر تسعى إلى أن يعم الأمن والسلام ليبيا ، وعندما تم الإعلان منذ بضعة أيام عن وقف اطلاق النار في ليبيا ، رحبت مصر به وأيدته لأنها تريد حقن دماء الشعب الليبي ، وأن يتم حل الأزمة في اطار تسوية أشمل لكافة الجوانب المتعلقة بها ، ونتمنى أن تهدأ الأمور وتعود ليبيا موحدة مستقرة لها حكومة واحدة وجيش وطني واحد".
وتابع " من المهم أن نبدأ في محاولة لم الشمل بين مختلف الأطراف الليبية في سياق الوصول لتسوية سياسية ، فالأطراف الليبية هي من تقرر من يتم استبعاده ومن يقوم بترشيح نفسه ، بمنطق أن الشعب هو من يحدد مصير دولته".
وفيما يخص تحركات المشروع التوسعي التركي في المنطقة ، قال اللواء إبراهيم " إذا واصل أردوغان نهجه العدواني فان المنطقة ستتعرض الى مخاطر منها تعرض منطقة شرق المتوسط التي تتعامل فيها أطراف دولية كثيرة كونها إحدى مناطق إنتاج الغاز إلى مخاطر بسبب الأطماع التركية التي تتجاوز كل الحدود ، كما قد تتوقف مسألة التسوية السياسية لأزمات دول المنطقة ، كما سوف تتسبب أطماعه في نشوب صراعات أخرى ، وعلى المستوى العالمي يجب على المجتمع الدولي أن يوقف أردوغان عن أطماعه وتدخله في شئون الدول العربية".
ونبه إلى أن سلوك أردوغان التوسعي والعدواني لا تقتصر آثاره السلبية على المنطقة وحدها ، بل يهدد المصالح الاقتصادية العالمية ، لذا بدأت التحركات سريعا في إيطاليا وروسيا وفرنسا ، كما كانت أول مكالمة أجراها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي حول التهديد التركي لليبيا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وأوضح له الموقف وتفاصيله".
وفي حواره الشامل مع مجلة "المصور" تناول اللواء محمد ابراهيم القضية الفلسطينية ، مشيرا إلى أنها قضية محورية للسياسة المصرية ، وقال " قضية فلسطين قضية أمن قومي مصري ، ومصر هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على أن تضطلع بدور جوهري في هذه القضية ، وحتى على المستوى الداخلي الفلسطيني كانت مصر الدولة الوحيدة القادرة على تحقيق المصالحة الفلسطينية".
وأضاف " مصر لديها رؤية للقضية الفلسطينية تنطلق من محددات رئيسية بلورتها مبادرة السلام العربية عام 2002 التي تنص على قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية ، وإقرار حق عودة اللاجئين ، تلك الشروط أعمدة رئيسية لا تنازل عنها ، ومصر تتمسك بها في كافة المحافل الدولية ، ولكن المشكلة الرئيسية في التوقيت الحالي أن اسرائيل منذ عام 1996 بعد اتفاق الخليل المرتبط بأوسلو تحت سيطرة حكومات متطرفة أسقطت من أجندتها مبدأ حل الدولتين".
وطالب اللواء محمد إبراهيم الفلسطينيين بإنهاء ما تبقى من الانقسام وإتمام المصالحة ، وقال " على مدى السنوات الأربع الماضية، لولا مصر وإصرار الرئيس السيسي على حمل القضية الفلسطينية على عاتقه ووضعها على رأس أولويات مهامه خلال لقاءاته مع قادة دول العالم ، واجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية ، لكانت القضية الفلسطينية قد تعرضت الى انتكاسة تهدد وجودها".
وشدد على أن مصر بقيادة السيسي تسعى للحفاظ على القضية الفلسطينية في دائرة الضوء ، رغم ما تعرضت له من تراجع بسبب نشوب أزمات في بعض الدول العربية وعدد من دول العالم سيطرت على اهتمام المجتمع الدولي".
ثم انتقل اللواء محمد ابراهيم إلى أزمة سد النهضة وجولات التفاوض الأخيرة بشأن هذه الأزمة بوساطة واشنطن والبنك الدولي ، فقال " بعيدا عن أي مغالطات تخرج من الجانب الإثيوبي ، فمصر موقفها واضح ولا تقف عائقا أمام التنمية في إثيوبيا بشرط عدم انتهاج أديس أبابا سبيل الإضرار بحقوق مصر في موارد نهر النيل الثابتة والراسخة تاريخيا وقانونيا ، لذلك جاء بيان وزارة الخارجية المصرية الأخير حاسما في توضيح حقائق كثيرة كان يجب أن يعلمها الجميع وتصحيح المغالطات الإثيوبية التي لا مبرر لها سوى الإضرار بمصر".
وأضاف " من الإيجابيات التي تحققت عبر المفاوضات في جولاتها المتعددة إثبات تعنت الجانب الإثيوبي ما دفع الجانبين الأوروبي والأمريكي إلى تأييد الموقف المصري، بالإضافة إلى تأييد الجانب السوداني لموقف مصر في هذه الأزمة ، فأصبح العالم كله يرى أن مصر تتمسك بالحقوق وتواجه الأطماع".
وتابع "إن نتائج اجتماعات الدول الثلاث التي انعقدت في واشنطن أمس الأول ستقرر ماذا سيحدث خلال المرحلة القادمة، فحتى الآن المفاوضات مستمرة ونحن نأمل أن نصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطرف، وحال عدم التوصل لحل مرض ستلجأ مصر للبند العاشر في إعلان المبادئ وإدخال طرف ثالث كوسيط، وهذه مرحلة جديدة تعتبر أمريكا والبنك الدولي بها مراقبين".
وشدد على أنه في كل الأحوال مصر ستتحرك في قضية سد النهضة ضمن مشروعها التنموي الإنساني الذي يسعى للشراكة في التنمية وليس للصراع، ولمصر أدواتها الكفيلة لحماية كامل حقوقها ومصالحها.
* عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيحية
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة