يدرك الفلسطيني، بعيدا عن حماقة التعصب الحزبي، أن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي يرمي فيما يرمي من "أهداف سياسية خبيثة"، فصل الضفة عن قطاع غزة، لإقامة "كانتونات" متفرقة تربطها أنفاق وجسور تحت السيطرة الأمنية للدولة العبرية على مساحة 40 % من الأرض الفلسطينية، فيما يذهبون الى تقاسم وظيفي اقتصادي في الغالبية من الأرض، بعد تهويد ما نسبة 12 – 15 منها بمسمى "يهودا والسامرة.
بينما يخطط لإقامة "كيان سياسي ما" في قطاع غزة يمنح كثيرا من الأبعاد الاستقلالية، ليصبح وكأنه "قاعدة الدولة المرتقبة" بعد استكمال المشروع التهويدي في الضفة والقدس، والبحث عن تواصل ما بين "كانتونات الضفة "وكيان قطاع غزة.
أهداف لا يوجد بها أي لغز أو مفاجأة سوى للجاهلين، أو لمن يتغابى لتمرير ذلك، فهو مخطط معلن يتم تنفيذه علنا، وأصبح قريبا من الإنجاز، بعد أن دشنت أمريكا ذلك بتصريحات سفيرها بتل أبيب، حيث ألغي وجود الضفة مستبدلها بتعبير "يهودا والسامرة"، وأكمل وزير خارجية واشنطن، ذلك في بيانه أمام مجلس النواب.
المفاجأة، ليس فما أعلن ممثلو أمريكا بل في رد فعل من كان يجب ان يقفوا بكل قوة سياسية – شعبية أمام تلك التصريحات الذاهبة الى تمرير المخطط التهويدي الانفصالي، كان يعتقد أن الرد الحقيقي سيكون يوم الأرض في كل مدن الضفة والقدس، وان تتصدر حركة فتح (م7)، وقياداتها المركزية تلك المسيرات الغاضبة، لترسل رسالتها السياسية، ان لا مكان لتهويد الأرض والمشروع، ولن يسمح بوأد حلم الشعب في دولته الوطنية.
الصمت الذي ساد مدن الضفة وغياب قيادة فتح كان هو المفاجأة السوداء في يوم الأرض، بينما خرج عشرات آلاف وربما مئات آلاف من أبناء قطاع غزة، حاملين راية الوطن، وغابت راية الفصيل، تأكيدا على ان قطاع غزة لا زال مشعلا ثوريا لحماية المشروع الوطني.
يوم 30 مارس (آذار) 2019، علامة على الفارق النضالي بين واقع رسمي يعمل جاهدا على كبح الحالة الكفاحية في الضفة الغربية، استجابة لقرار رئيس سلطة الحكم المحدود بعدم القيام بأي فعل شعبي حقيقي ضد المحتلين، والاكتفاء بالانتظار الى "يوم تفاوضي"، مشهد لن يمر في الذاكرة الوطنية بهدوء طبيعي، بل سيرسخ واقعا، ان "الرسمية الفلسطينية" قدمت صك استسلام سياسي بمنع الغضب الشعبي في الضفة الغربية، ردا وفعلا.
أن يصبح قطاع غزة هو محور الحدث العالمي في يوم الأرض، من خلال الصورة الكفاحية فتلك هي التي تستحق التساؤل الكبير، لما حضرت غزة وغابت الضفة في يوم الأرض، وهل لذلك أثر سياسي قادم.
الذي كان هو تجسيد لما سيكون، وأن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي يمر تحت سمع وبصر وموافقة ضمنية من قبل "الرسمية الفلسطينية وتحالفها"، وبعد يوم الأرض لا يحق لأي من ممثلي التيار الرسمي الحديث عن تصدي واعاقة ورفض، سقطوا في أول اختبار حقيقي للمواجهة.
ذلك "السكون السياسي" الذي كرسته قيادة سلطة الحكم المحدود وفصيلها الرئيسي فتح (م7)، قابله حراك عام كفاحي وتفاوضي في قطاع غزة، تركز حتى ساعته على "تهدئة مقابل تسهيلات"، برعاية – قيادة الشقيقة الكبرى مصر، التي جسدت حضورا مميزا في ذلك.
أحسنت "قيادة غزة السياسية"، بحصر التفاوض عل الأبعاد الإنسانية مع دولة الكيان، واسقطت أي بعد سياسي فيها، فالتفاوض السياسي حق للشرعية الوطنية، التي أصبحت هناك ضرورة قصوى لتصويبها بما يعكس التطورات الجديدة، وخاصة بعد أعلنت "الشرعية الراهنة" عجزها الوطني والكفاحي.
تحاول بعض الأطراف الجاهلة سياسيا أو المتآمرة سياسيا، على دفع "قيادة غزة السياسية" للتفاوض على غير البعد الإنساني، وتثير "سخرية" غريبة حول ذلك، بدلا من "التصفيق" لمن يرفض التفاوض على أي قضية سياسية، وتركيزه على قضايا تتعلق بالحياة اليومية لأهل القطاع لكسر الحصار، وعودة الحياة الطبيعية لسكانه.
محاولة البعض زج "قيادة غزة السياسية" بتفاوض سياسي هو خدمة موضوعية للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي لفصل الضفة عن قطاع غزة، وهو ما يجب مقاومته بكل السبل، فالقطاع لا يبحث "استقلالا سياسيا" بل يبحث "حقا إنسانيا".
حذار من مخطط البعض لفرض تفاوض سياسي لجزء من بقايا الوطن!