بعد عام وثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية التي دمرت قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، شق آلاف النازحين طريقهم من جنوب القطاع إلى شماله، وسط مشاعر مختلطة غلبت عليها الفرحة بعد أن هُجروا قسراً من بيوتهم.
الآلاف تجمعوا عند "تبة النويري" بالنصيرات وسط قطاع غزة، وذلك في أعقاب الإعلان عن التوصل لاتفاق يسمح بعودة النازحين، ليلة أمس، وقضوا ليلتهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، إلى جانب آخرين نصبوا خياماً مؤقتة، في ظل لحظات عصيبة خشية من أي توتر جديد يمنع عودتهم.
اقرأ ايضا: "أربيل وشيري".. معضلة تهدد استكمال اتفاق غزة
بداية التحركات جاءت عقب أداء كثير من العائدين لصلاة الفجر، وبعدها راقبوا تحركات دبابات الاحتلال الإسرائيلي التي تراجعت تدريجياً، وعقب ذلك تدفق شباب ركضاً وكأنهم في سباق، قبل أن يلحق بهم عشرات الآلاف من السكان مشياً على الأقدام إلى شمال قطاع غزة.
ورغم المخاطر، لم ينتظر السكان طواقم الدفاع المدني وخبراء المتفجرات من الأجهزة الأمنية لفحص الطرق خشية وجود أي من مخلفات الاحتلال، وسارعوا بالعودة فوراً، وفق ما رصدت «الشرق الأوسط».
وبسبب السيل البشري الكبير الذي تدفق من الجنوب إلى الشمال، لم تستطع الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة "حماس" في غزة تطبيق خطتها الأمنية لمنع مرور المواطنين قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة حفاظاً على حياتهم.
وفي السياق، أصدرت "حماس"، بيانًا الخميس الماضي، أوضحت خلاله أنه يُسمح للمواطنين بالانتقال من محافظات الجنوب والوسطى إلى محافظات غزة والشمال من شارع الرشيد - البحر (مشياً على الأقدام فقط، وليس بالمركبات والسيارات).
الحركة أشارت إلى أن العودة عبر مفترق الشهداء (نتساريم) - شارع صلاح الدين ستكون (بالمركبات والسيارات فقط، وليس مشياً على الأقدام)، لافتة إلى أنه "سيكون هناك تفتيش عبر (جهاز X - RAY) لجميع المركبات بأصنافها".
وفي تعليقها على رحلة العودة، تقول سهام صافي وهي من سكان مخيم جباليا (شمال غزة)، وكانت نازحة في دير البلح (وسط): "لم أصدق أن هذه اللحظة ستأتي وأننا سنعود إلى مكان سكننا، بعد أن فقدت الأمل في العودة مجدداً"، مضيفة أنها فقدت منزلها ودمر بشكل كامل، لكنها تريد العودة إليه وتراه "حتى ولو كان ركاماً".
وقطعت صافي مسافة طويلة حتى وصلت إلى "محور نتساريم" وصولاً لأطراف مدينة غزة، مشيرةً إلى أن المشي أنهكها تماماً، لكنها فعلت ذلك مضطرة في ظل اشتراطات الاحتلال من جانب وعدم قدرتها على دفع مبالغ باهظة الثمن وصلت إلى لأكثر من 1300 دولار من أجل أن تعود بمركبة عبر طريق صلاح الدين.
أما بعض العائدين فقد قطعوا نحو 7 كيلومترات من "تبة النويري" بالنصيرات وصولاً إلى دوار النابلسي بمدينة غزة سيراً على الأقدام، وغالبيتهم لم يفلح بالحصول على فرصة العودة لمكان سكنه بمركبة أو أي عربة، ما اضطره لاستكمال مسافات أكبر وصلت إلى 20 كيلومتراً في بعض الحالات، رغم أنهم يحملون أطفالهم وأمتعتهم.
وبدموع الفرح، قال الشاب سمير شريم الذي كانت اعتقلته إسرائيل من شمال القطاع وأبعدته إلى جنوبه بعد الإفراج عنه، إن هذا التعب بعد السير لمسافات طويلة "يستحق لأنني سأعود لبيتي واشتقت لمنطقة سكني في حي الشيخ رضوان".
وأضاف: "فرحتي لا يمكن أن توصف.. أخيراً راجعين لبيوتنا ولغزة.. اشتقنا لكل حاجة فيها".
أما المسنة فاتن الحجار وهي من سكان مخيم الشاطئ فقالت إنها تعود لمنزلها "بعد أكثر من عام عاشته في الخيام بظروف قاسية وصعبة جداً، فقدت خلالها اثنين من أبنائها». وأضافت: «لا شيء يعوضني عن أبنائي، ورغم كل الألم والوجع والقهر، إلا أني مبسوطة بعودتي لبيتي".
أما الشاب محمد الجوراني، فقال: "جئت من مخيم الشاطئ، وقطعت مسافة لا تقل عن 16 كيلومتراً، وسأصل إلى أقرب نقطة ممكنة من أجل لقاء والدتي التي اشتقت إليها كثيراً".
وأضاف: "أنا مستعد أقطع 40 كيلومتراً من أجل أن أشاهد أمي وأشقائي بعد حرمان استمر 13 شهراً".
ولم يكن الحال مغايراً بالنسبة لرامز الحسني، الذي كان ينتظر عودة شقيقه الأكبر بعد أن فقدا والدتهما في مواصي خان يونس إثر وفاتها مريضة خلال محاولة نزوحها.
اقرأ ايضا: من غزة إلى جنين.. طبول حرب جديدة بين حماس وإسرائيل تقرع في الضفة
وبعدما تبادل الشقيقين الأحضان وهما يبكيان، قال رامز: "مشاعري مختلطة ولا أعرف فيما إذا كنت أبكي من السعادة بعودة شقيقي أو حزناً على وفاة والدتي... كانت أشهراً عصيبة وشعرنا وكأننا في غربة ولن نلتقي مرةً أخرى لكننا اليوم اجتمعنا بعد معاناة كبيرة".
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com