لا يمر يوم إلا وتبرز إلى السطح أخبار عن خروج مركب للهجرة من شمال لبنان، حتى يتخيل المرء أحيانًا أنه يكرر قراءة أخبار اليوم السابق.
أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة، في بلد يمر بأزمة صنفها البنك الدولي واحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر، ما دفع لبنان إلى أن تحول من قبلة للمهاجرين إلى مصدر "لرحلات لموت".
فاجعة أعلنت عنها السلطات اللبنانية، الخميس الماضي، بعد غرق مركب على متنه لبنانيين وعدد من الجنسيات الأخرى، قبالة ساحل طرطوس في سورية، بعدما انطلق من شمالي لبنان باتجاه سواحل أوروبا.
وبحسب وسائل إعلام محلية لبنانية فإن المركب انطلق قبل أيام من شاطئ مدينة المنية شمالي لبنان وعلى متنه أكثر من 100 شخص من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.
وحول آخر حصيلة لضحايا الحادث، أعلن مدير الهيئة العامة لمستشفى الباسل بطرطوس السورية الدكتور إسكندر عمار، أمس السبت، ارتفاع عدد ضحايا غرق القارب اللبناني قبالة سواحل طرطوس إلى 89 شخصًا في حصيلة غير نهائية.
وأوضح عمار - في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية (سانا) - أن عدد الذين يتلقون العلاج في مستشفى الباسل أصبح 14 شخصًا، اثنان منهم في العناية المشددة.
وأشار إلى خروج ستة مصابين من المستشفى وحالتهم مستقرة، فيما تم نقل خمسة مصابين من العناية المشددة إلى الأقسام الطبية المتخصصة لاستقرار حالتهم.
وقال إن إجراءات تسليم الجثث لذوي الضحايا مستمرة أصولاً بعد تعرف الأهالي على ذويهم.
ومساء الجمعة، تسلم الصليب الأحمر اللبناني من الهلال الأحمر السوري عند الحدود اللبنانية السورية، جثامين 7 لبنانيين وفلسطينيين اثنين بعدما تعرف عليهم ذويهم.
من جانبه، أعلن الجيش اللبناني، في بيان، أن مديرية المخابرات أوقفت المواطن (ب.د.) للاشتباه في تورطه بتهريب مهاجرين غير شرعيين عبر البحر.
وقد ثبت نتيجة التحقيق تورطه بإدارة شبكة تنشط في تهريب مهاجرين غير شرعيين عبر البحر، وذلك انطلاقًا من الشاطئ اللبناني الممتد من العريضة شمالاً حتى المنية جنوبًا.
كما اعترف بالإعداد لعملية التهريب الأخيرة من لبنان إلى إيطاليا عبر البحر بتاريخ 21/ 9/ 2022، والتي أسفرت عن غرق المركب قبالة الشواطئ السورية بتاريخ 22/ 9/ 2022، ويستمر التحقيق مع الموقوف ومتابعة الشبكة لتوقيف أفرادها بإشراف القضاء المختص.
وأعادت حادثة غرق المركب قبالة طرطوس إحياء ذكرى غرق المركب في 23 أبريل (نيسان) الماضي، وكأن الأقدار شاءت في ذكرى مرور خمسة أشهر على الحادثة الأولى أن تتكرر ربما من أجل لفت الأنظار إلى خطورة ما بلغه الوضع.
(كابوس لن أنساه)
في حين وصف أحد الناجين من "قارب الموت" ويدعى جهاد، الرحلة "بالكابوس"، مشددًا على أنه من المستحيل أن ينسى في حياته تلك المشاهد.
وقال في فيديو انتشر على مواقع التواصل، إن محرك القارب تعطل وسط الأمواج، فسقط القارب في المياه، وراح "الناس يختفون" وفق تعبيره.
وأكد أنه ظل ساعات وساعات في المياه، دون أن يأتي أحد لمساعدته، موضحًا أنه بقي قرب القارب لمدة 24 ساعة وسبح لـ13 ساعة حتى وصل إلى شاطئ طرطوس.
يشار إلى أن الهجرة غير الشرعية ليست ظاهرة جديدة في لبنان الذي شكل منصة انطلاق للاجئين خصوصًا السوريين والفلسطينيين باتجاه دول الاتحاد الأوروبي.
غير أن وتيرتها ازدادت على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد منذ نحو 3 سنوات والذي دفع لبنانيين كثر إلى المخاطرة بأرواحهم بحثًا عن حياة وبدايات جديدة.
اقرأ ايضا: من "ريفيرا الشرق" إلى "منطقة الحرية".. عيون ترامب مازالت ترمق "غزة الجريحة"
فيما لم تساهم التدابير التي اتخذتها القوى الأمنية في الحد من الظاهرة، إذ لا تزال الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية تعلن بين الفينة والأخرى عن إحباط محاولات هجرة غير شرعية خصوصًا من منطقتي طرابلس وعكار شمالاً، الأكثر فقرًا في لبنان.
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com