غضب فلسطيني يتصاعد على ممارسات أجهزة الأمن واتهامات بتنفيذ مخطط إسرائيل الأكبر.. لماذا تخشى السلطة المقاومة وعملياتها النوعية وتحاول تجريد مخيم “جنين” من السلاح؟.. فهل اقترب وقت الانفجار؟
تعيش الضفة الغربية المحتلة حالة من الغضب والاحتقان غير مسبوقة، بسبب تجاوزات “غير مقبولة” من قبل قوات الأمن الفلسطينية بحق مئات الفلسطينيين، وخاصة الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية، واللذين يعانون من “ملاحقات وتحقيقات وإهانة” تجاوزت القانون الموضوع الذي يتكفل الحرية ويدافع عنها بمراحل عديدة.
مشاهد اعتداءات قوات أمن السلطة على المسيرات الفلسطينية بالضفة أصبحت روتينية وتتناقل صورها وسائل الإعلام يوميًا، لكن هذه المرة كان للأسرى المحررين نصيب الأسد منها، فشهدت الأسابيع الأخيرة تكثيف لحملات الضرب والملاحقة والاعتقال والتحقيق التعسفي وحتى السجن، وفق ما ترويه مؤسسات حقوقية وأسرى محررين.
وخلال الأيام الماضية كثفت أجهزة أمن السلطة، الممارسات “القمعية والعنيفة” ضد الفلسطينيين في الضفة، خاصة المشاركين في مواكب استقبال الأسرى المحررين ومهرجانات الاحتفال بهم، وكذلك مهرجانات تأبين الشهداء، وكان أخرها اعتداء أجهزة السلطة على موكب تشييع جثمان الشهيد جميل الكيال بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المشيعين.
وقد سادت حالة من الإرباك خلال تشييع الشهيد الكيال بسبب إطلاق النار الكثيف، وسط حالة من الغضب الشديد بين آلاف المشاركين في الجنازة ضد القمع المتصاعد، التي تسفر عن وقوع إصابات.
وأطلق نشطاء فلسطينيون، حملة “#مش_رايح” على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد ما تقوم به أجهزة أمن السلطة بحق الأسرى المحررين والنشطاء في الضفة من اعتقالات واستدعاءات.
ويرى مراقبون أن محاولات الأجهزة الأمنية للسلطة في قمع المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية “لن تفلح”، رغم الجهود التي تبذلها بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي في دائرة التنسيق الأمني، مؤكدين أن الشعب الفلسطيني متمسك بثوابته العادلة وبحق الدفاع عنها بكل ما وتيه من قوة.
ويعتقد هؤلاء، أن الخطة الجديدة التي سيناقشها الرئيس محمود عباس مع وزير حرب الاحتلال بيني غانتس خلال اللقاء المرتقب، تأتي في إطار تعزيز دور السلطة في محاربة المقاومة في مقدمتهم عناصر حركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس”.
القيادي في حركة “حماس” محمود مرداوي، يؤكد أن قرار تكثيف السلطة وأجهزتها الأمنية مؤخراً في حملات الاعتداء على مواكب الشهداء والأسرى المحررين في مدن وقرى الضفة الغربية، “لم ينبع من عقل السلطة وإنما جاء بضغط أمريكي وإسرائيلي”.
ويقول إن “الهدف الأمريكي والإسرائيلي بالضغط على السلطة منع مظاهر المقاومة بأي شكل في الضفة؛ وهو ما ترجمته السلطة بتركيزها المباشر والأساسي على مسيرات الشهداء والأسرى المحررين، وأصدرت على ذلك العديد من القرارات، كانت بدايتها بإقالة قيادات الأجهزة الأمنية في مدينة جنين”.
ويضيف القيادي في “حماس”، أن استقبال أبناء شعبنا للأسرى المحررين، الذين أفنوا حياتهم فداء للوطن في سجون الاحتلال لا يروق لقيادات السلطة وأجهزتها الأمنية، وعليه قررت تعزيز سياساتها القمعية، بالإضافة إلى السياسيات السابقة التي تعتمد عليها من اعتقال وملاحقه كل ما هو مقاومة”.
وتابع:” التغول الذي تمارسه أجهزة السلطة، يرجع لعدة أسباب؛ أبرزها التدخلات الخارجية التي لا تريد الخير لشعبنا ومقاومته، كذلك الضغط من قبل قوى معادية للشعب الفلسطيني بالإملاء على السلطة طبيعة الممارسات المراد القيام بها، كونها غير محصنه ولا تستطيع مواجهة هذه الضغوطات”.
وأردف: “أيضا عامل تحقيق مصالح خاصة لقيادات من داخل السلطة، للحفاظ على مكانتها وقيمتها ومصالحها، يدفع بتغول (أجهزة الأمن) ضد أبناء شعبنا ومحاربة كل أشكال التحشيد للمقاومة، أو مظاهر التأييد لها سواء كان بالمشاركة في مسيرات الشهداء أو استقبال الأسرى المحررين”.
وأشار القيادي في “حماس”، إلى أن تحشيد الشارع حول المقاومة، يجعل السلطة غير ملتزمة باتفاق “التنسيق الأمني”، الأمر الذي يدفعها للتفكير جيداً، أما التحلل من الاتفاق أو مواجهة ما يعيقه، فتلجأ لمواجهة الشعب لأنها تعتقد أن ضرر هذه الخيار أخف من خيار ترك الشارع بالتعبير عن رأيه وتأييده بالمقاومة.
وأوضح أن كل الفصائل تدرك أن قيادة السلطة، بهذا السلوك (إطلاق النار وسحب رايات الفصائل) يعكس رغبه وإرادة خارجية لا تريد للشعب الفلسطيني الخير ولا القضية الوطنية، موكداً بأن شعبنا عليه مواصلة مقاومته وكذلك الاحتفال في مواكب الأسرى المحررين وتكثيف كأفة أشكال مقاومته، رفضاً لهذا السلوك القمعي من قبل أجهزة السلطة.
من جهته، قال المحلل السياسي فرحان علقم: إن “إعداد السلطة لخطة لمحاربة المقاومين ليس المحاولة الأولى من السلطة في تقويض المقاومة في الضفة المحتلة”، مضيفًا “هذه الخطة ليست مفاجئة للشعب الفلسطيني، حيث قامت الأجهزة الأمنية في تسليم العديد من المقاومين إلى العدو ضمن مسلسل التنسيق الأمني التي تحافظ السلطة على قدسيته.
وأوضح أن خطة السلطة تأتي أيضًا لتقديم القرابين من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مقابل اجتماع بوزير الحرب غانتس، وهي لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وليست محطة رضا الفلسطينيين.
وبيّن علقم، أن بعض المتنفذين والمسؤولين على الأجهزة الأمنية في السلطة لديهم مصالح خاصة في الاستفادة من محاربة المقاومة والتقارب مع الاحتلال وأيضًا في تشكيل علاقات ودية مع مسؤولين في الدول العربية والغربية.
واستبعد أن تنجح السلطة في القضاء على المقاومة، لأن “الشعب الفلسطيني حر، أبيّ لا يقبل القسمة على اثنين والثناء”، لافتًا أن هذه الخطط تستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله.
وأشار إلى أن قيادة جيش الاحتلال الأمنية شادت في العديد من المناسبات في دور الأجهزة الأمنية في رام الله الفاعل بحفظ الجبهة الداخلية وتوفير الجهد والمال على الكيان الصهيوني.
وكشفت وسائل إعلام قبل أيام عن خطة أعدها كبار المسؤولين الأمنيين في السلطة لمواجهة خلايا المقاومة تشمل شقًا أمنياً يهدف إلى مواجهة عناصر المقاومة، ومنْع انطلاق عمليات فدائية ضدّ الاحتلال.
وقال محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب في حديث صحفي، إن “السلطة قررت البدء بحملة أمنية في مدينة جنين في سحب سلاح المقاومة، وأنها لن “تسمح بوجود هذا السلاح، لأنه يضر بالعلاقة مع إسرائيل”، وفق زعمه.
وفي هذا السياق أكد النائب حسن خريشة، حول الحملة الأمنية للسلطة في سحب سلاح المقاومة من المقاومين في مدينة جنين بالضفة المحتلة، أكد أنها تأتي خشية من امتداد الوحدة الميدانية للفصائل الفلسطينية في كافة المدن والقرى لانطلاق انتفاضة حقيقية وواسعة لمواجهة جيش الاحتلال.
وأوضح أن الإسرائيليين يخططون لاستهداف مدينة جنين عبر شن عملية عسكرية في اجتياح المدنية، وذلك لأن المخيم يعد من المناطق الأكثر صلابة بالإضافة إلى الوحدة الميدانية لكافة قوى الفصائل الفلسطينية في خندق واحد لمواجهة العدو.
وبيّن أن سحب سلاح المقاومة “عمل مرفوض”، قائلاً: إن “الأولى على السلطة أن تسحب السلاح الذي يظهر في الأعراس والجنازات والفلتان الأمني”، مضيفًا “سلاح السلطة يختبأ دائمًا عندما يستهدف الاحتلال ويقتحم كل القرى والمدن الفلسطينية في الضفة”.
وشدّد على أن سلاح المقاومة هو لحماية الشعب الفلسطيني والدفاع عن نفسه من اعتداءات الاحتلال، وتابع بالقول: “يجب أن يبقى السلاح في يد المقاومين لحماية أبناء شعبنا والدفاع عن حقوقنا”.
وحول استمرار الحملة الأمنية لأجهزة السلطة، يرى خريشة أنها “عملية غير سهلة على السلطة، لأن السلاح لا يظهر إلا في مقاومة الاحتلال وهو مخفي عن العيون، وبالتالي سيكون صعب على السلطة سحب السلاح”.
وأوضح خريشة، أن المطلوب أن تعي السلطة أن سلاح المقاومة هو للدفاع عن الفلسطينيين وأرضهم، داعيًا إلى ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال.
ويعرف مخيم جنين بصلابته في مواجهة الجيش الإسرائيلي، حيث خاض مقاومون معركة ضارية، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في أبريل/نيسان من العام 2002، أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينياً، وفق تقرير للأمم المتحدة في حينه، وتدمير غالبية مساكن المخيم، ولكن اللافت أن المعركة أدت إلى خسائر كبيرة في أوساط الجيش الإسرائيلي حيث قتل 23 جندياً، منهم 13 جندياً قُتلوا في يوم واحد إثر تعرضهم لكمين؛ مما جعل رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت أرئيل شارون يصف ذلك اليوم بالعصيب.
كما أنه من بين الذين قتلوا في معركة جنين، قائد وحدة الهبوط المظلي الإسرائيلي (الكوماندوز).
وثمّة تخوّف إسرائيلي، في ضوء هذا التاريخ، أن تتحوّل جنين مجدَّداً إلى عاصمة المقاومة في الضفة الغربية، وتنقل تجربتها إلى سائر المناطق الأخرى.
* المصدر: "رأي اليوم"
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيـــــاة"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com