وبعيدًا عن الدخول في مسببات هذا الوضع انطلاقًا من القناعة بأن منطقة الشرق الأوسط كانت وستظل منطقة تنافس وصراع بين القوى الدولية الكبرى بحثًا عن مصالحها فقط؛ يبدو من المهم إلقاء الضوء على الموقف الحالي في المنطقة، وطبيعة المشكلات المثارة في الوقت الراهن، ومدى إمكانية حلّها، وصولًا إلى تقييم ماذا يُمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة، وفي النهاية محاولة بلورة حدود التحركات المصرية الممكنة في مواجهة هذه الأوضاع.
أولًا- الأزمة الليبية:
دخلت الأزمة الليبية عقدها الأول دون أن يتم التوصل إلى حل أو تسوية سياسية لها، ورغم كافة الجهود الكبيرة التي سعت إلى بلورة تسوية سياسية شاملة، سواء من خلال مؤتمر برلين، أو إعلان القاهرة، ثم الاجتماعات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والدستورية التي عُقدت خلال عام 2020 في كل من جنيف وتونس والمغرب والغردقة والقاهرة؛ إلا أن مخرجات كافة هذه الجهود لم تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة تُغيِّر من الوضع الراهن الذي لا يزال يبحث عن اختراق أو حلول مقبولة ومتفق عليها.
ولعل التوافق المبدئي الذي سبق وأن أعلنته ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة “ستيفاني ويليامز” بتوافق أعضاء ملتقى الحوار السياسي على تحديد يوم 24 ديسمبر 2021 كموعد لإجراء الانتخابات الوطنية يكاد يكون هو الأمر الوحيد الجيد نسبيًا الذي تم التوصل إليه حتى الآن، وإن كان الطريق إلى إنجاز هذا الهدف المستقبلي سوف يكون مليئًا بالعقبات والصعوبات التي تتطلب جهودًا فائقة من أجل التغلب عليها.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه مصر بشكل إيجابي وفعال مع كافة مكونات الداخل الليبي والتي كان آخرها اللقاء مع أعيان ومشايخ الجنوب الليبي في القاهرة في 22 ديسمبر الماضي، ثم اللقاء الهام للوفد المصري رفيع المستوى مع القادة الليبيين في طرابلس يوم 27 ديسمبر؛ إلا أن الموقف بشكل عام لا يزال يحمل قدرًا من التوتر في ضوء تكثيف التواصل التركي مع مسئولي الغرب الليبي، سواء داخل ليبيا أو في أنقرة، مما يُشير إلى أن هناك بعض الأطراف التي لا تزال تحاول ترتيب الأوضاع لصالحها بعيدًا عن المصلحة الليبية العامة.
ومن المتوقّع استمرار الجهود العامة المبذولة لحل المشكلة الليبية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لهذه الأزمة، وفي رأيي أن الوصول إلى انتخابات ديسمبر من العام الجاري سوف يرتبط أساسًا بمدى القدرة على وقف تدخل بعض القوى الإقليمية في الشأن الليبي، وكذا استقرار الوضع الأمني على الأراضي الليبية كلها، وخاصة إخراج المليشيات المسلحة، وهي أمور ليس تحققها بالسهولة الممكنة، ولا توجد أية دلائل على إمكانية أن تنتهي خلال الفترة المقبلة.
ومن المؤكد أن التحرك المصري الأخير تجاه الأزمة الليبية قد لاقى تأييدًا كبيرًا على مستوى الرأي العام الليبي، وكذا على مستوى كافة مكونات الشعب الليبي والقيادات الليبية، وهو ما يؤكد أهمية مواصلة الجهود المصرية، وتوسيع مجالات التحرك المصري في هذه الأزمة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، خاصة وأن ليبيا تدخل في دائرة الأمن القومي المباشر لمصر.
ثانيًا- أزمة سد النهضة:
لم يعد من المستغرب أن نجد أن مفاوضات سد النهضة التي استغرقت سنوات عديدة لم تصل إلى أية نتائج رغم استئنافها مؤخرًا، وأصبحت المبررات التي تسوقها بعض الأطراف بشأن عدم التوصل إلى حلول مقبولة حتى الآن مبررات واهية وغير منطقية، ولا يمكن أن تساعد في إنهاء هذه المشكلة التي لا يزال المجتمع الدولي بعيدًا عن إدراك عمقها وحيويتها وخطورتها، سواء عن عمد أو عن غير ذلك.
وبعيدًا عن التعرض لموقف السودان الذي يتماشى -في مجمله- مع الموقف المصري؛ فمن الواضح أن إثيوبيا لا تزال تنتهج أسلوب التشدد والمراوغة والتمسك بنفس المواقف القديمة والمتكررة، بل انتقلت أديس أبابا إلى مرحلة إلقاء المسئولية على مصر، ثم تجاوزت حدودها من خلال التدخل في شئون مصر الداخلية مما تطلب استدعاء وزارة الخارجية المصرية السفير الإثيوبي في القاهرة للاحتجاج على التصريحات غير المسئولة التي أدلى بها المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية “دينا مفتي” مؤخرًا.
وبالرغم من الأحداث التي شهدتها إثيوبيا خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة تطورات الوضع في إقليم التيجراي؛ إلا أن القادة الإثيوبيين كانوا حريصين على تأكيد أن هذه الأحداث لم تؤدِّ إلى أي تأثير سلبي على سير العمل في بناء سد النهضة، بل حاولوا التأكيد أيضًا على أن الملء الثاني للسد سوف يتم في موعده المقرر من قبل، أي ابتداء من شهر يوليو 2021.
ويمكن القول إن المفاوضات التي قادها الاتحاد الإفريقي منذ عدة أشهر بشأن سد النهضة والاجتماعات المتتالية التي عقدها مع الأطراف الثلاثة لم تؤدِّ إلى تحريك الموقف المتجمد منذ سنوات. وفي الوقت نفسه لوحظ أن مصر لم تترك أية فرصة إلا وأكدت فيها القبول بحق إثيوبيا في التنمية، بشرط ألا يؤثر على الحقوق والمصالح المائية المصرية، وأن كل ما تهدف إليه مصر هو التوصل إلى اتفاق عادل وملزم ومتوازن يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث.
لا توجد أية دلائل حتى الآن على إمكانية أن ينجح الاتحاد الإفريقي في التوصل إلى تسوية مقبولة لهذه الأزمة، ومن ثمّ قد تعود القضية مرة أخرى إلى مجلس الأمن الذي ليس من المتوقع أن يتبنى أي قرار في هذا الشأن، بل قد يُحيل الأمر مرة أخرى للاتحاد الإفريقي الذي من الواضح أنه ليست لديه إمكانية لحل هذه الأزمة.
وبالتالي ليس هناك مجال أمام مصر سوى مزيد من التنسيق الثنائي مع السودان من جهة، والتنسيق الجماعي مع دول وأطراف أخرى من جهة ثانية من أجل الضغط على إثيوبيا للقبول باتفاق ملزم وعادل لجميع الأطراف، وفي كل الأحوال يجب أن نتمسك بموقفنا المعلن والحاسم بشأن أن المياه بالنسبة لمصر مسألة حياة، ولن نسمح لأحد بتعطيشنا، وأن مصر لها كل الحق في الدفاع عن مصالحها الحيوية.
ثالثًا- القضية الفلسطينية:
قد يكون تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية أمرًا غير مطروح في المدى المنظور، خاصة في ضوء استمرار المعوقات الداخلية المثارة أمام إنهاء الانقسام، فضلًا عن توقف المفاوضات السياسية تمامًا منذ فترة طويلة، وإغلاق إسرائيل المجال أمام أية إمكانية من أجل تحقيق أي اختراق في عملية السلام.
كانت خطة السلام الأمريكية المجحفة التي طرحتها إدارة الرئيس “ترامب” المعروفة باسم “صفقة القرن” بمثابة إنهاء أية آمال أمام تحقيق أي تقدم في هذه القضية العربية المحورية؛ بل أدى طرح هذه الخطة إلى تحويل الموقف الأمريكي من الشريك الكامل إلى دور الطرف المتحيز لإسرائيل بصورة غير مسبوقة.
تحاول مصر من خلال اتصالاتها الثنائية مع السلطة الفلسطينية أو مع الأطراف المعنية الأخرى أن تتلمس السبل الملائمة لتمهيد الأرضية نحو استئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وقد تكون هناك عوامل مساعدة لهذا الجهد من خلال اتخاذ الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “بايدن” مواقف معتدلة نسبيًّا تُساهم في إيجاد مناخ أفضل لتنشيط عملية السلام.
ولا شك أن هناك تطورًا إيجابيًا قد حدث مؤخرًا في الموقف الفلسطيني الداخلي تَمَثَّل في إصدار الرئاسة الفلسطينية، يوم 2 يناير الجاري، بيانًا تضمن الترحيب بما جاء برسالة سبق لحركة حماس إعلانها بشأن إنهاء الانقسام, وقد أكدت رسالة الرئاسة الفلسطينية أهمية بناء الشراكة الاستراتيجية من خلال انتخابات ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بالتتالي والترابط، وهو الأمر الذي يمكن أن يرتب إيجابيات في موضوع المصالحة إذا ما توافرت الإرادة السياسية لكافة الأطراف، ولاسيما حركة حماس.
ستظل مصر أقوى وأهم الدول العربية التي تحرص على التحرك الجاد والمتواصل من أجل الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية, ولا شك أن الاتصال الأخير الذي تم بين وزير الخارجية السيد “سامح شكري”، يوم 6 من الشهر الجاري، مع وزير خارجية إسرائيل “جابي إشكنازي” جاء في إطار التحضير لاجتماع الرباعية التي تشمل مصر والأردن وفرنسا وألمانيا خلال الأيام المقبلة، من أجل دفع جهود السلام في المنطقة بالتنسيق مع الولايات المتحدة وكافة الأطراف المعنية.
رابعًا- السياسة الإسرائيلية في المنطقة:
لم تتوقف إسرائيل في أي مرحلة من المراحل السابقة عن تنفيذ كافة الإجراءات الاستيطانية التي تزيد من سيطرتها على الأرض، خاصة في مدينة القدس، في الوقت الذي تُوَاصِلُ فيه موقفها المتشدد تجاه عملية السلام، ويساعدها في ذلك تزايد الاتجاهات اليمينية المتشددة في المجتمع الإسرائيلي التي تغلق المجال أمام إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وقد يكون عام 2021 هو العام الذي تعلن فيه إسرائيل ضم منطقة غور الأردن ما لم تكن هناك مفاوضات سياسية جادة تمنعها من ذلك.
من الأمور التي تجدر الإشارة إليها في هذا الشأن، أنه بالرغم من أزمة فيروس (كوفيد-19)، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” قد نجح في أن تشهد فترة ولايته الخامسة خطوة غير مسبوقة من خلال توقيع اتفاقات لتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ومن المتوقع ألا ينتهي الأمر عند هذه الدول فقط؛ وإنما سوف يستمر قطار التطبيع مع دول عربية وإسلامية أخرى, وسوف تكون إدارة الرئيس “بايدن” حريصة على استمرار هذا التوجه، ولكن يمكن أن يتم بوتيرة أقل سرعة.
وقد شهد الموقف الداخلي الإسرائيلي تطورًا جديدًا خلال الأيام الماضية مفاده التصويت على حل الكنيست الحالي، والاتفاق على تقديم موعد الانتخابات البرلمانية إلى 23 مارس المقبل لتكون الانتخابات الرابعة خلال سنتين، وهو الأمر الذي سوف تكون له بعض التداعيات السلبية، أهمها مزيد من تكتيل اليمين واليمين المتطرف في مواجهة اليسار ويسار الوسط، بالإضافة إلى تأجيل أية تحركات في عملية السلام في الشرق الأوسط حتى يتم تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
خامسًا- الأوضاع في منطقة شرق المتوسط:
لا تزال منطقة شرق المتوسط تحمل في طياتها مزيجًا بين الاستقرار فترة والتوتر فترة أخرى، لا سيما مع محاولة كل طرف الاستفادة من اكتشافات واتفاقات الغاز كأساس لمزيد من تدعيم وضعيته الإقليمية، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذه المنطقة ستكون بالفعل إحدى أهم مناطق الصراع والتنافس الإقليمي والدولي خلال المرحلة المقبلة.
تسعى تركيا إلى أن يكون لها دور مؤثر في منطقة شرق المتوسط بغض النظر عن طبيعة هذه التحركات، سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، ولا سيما في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان وقبرص. كما تسعى تركيا إلى أن تتمتع بأكبر ثقل إقليمي في مجال نقل وتصدير الغاز إلى أوروبا، ومن ثم تواصل أنقرة تنفيذ بعض المناورات العسكرية في محاولة لتثبيت تواجدها في هذه المنطقة، وتأكيد امتلاكها عناصر القوة التي تُتيح لها التواجد بالقوة في بعض المناطق التي ليست من حقها.
ولا شك في أن أحد أهم الأسباب التي تدفع تركيا إلى توسيع مجال حركتها ليس في منطقة شرق المتوسط فقط، وإنما بالتواجد والتدخل في شئون العديد من الدول في أقاليم مختلفة؛ هو أن الجانب الأوروبي لم يستطع حتى الآن كبح جماح طموحات تركيا، ولم يفرض عليها العقوبات اللازمة أو المؤثرة عليها، كما أن العقوبات التي فرضها الرئيس “ترامب” على تركيا، خاصة في مجال الصناعات الدفاعية، ليست مؤثرة بالقدر الكافي. وفي رأيي أن الأمر يمكن أن يشهد بعض التغييرات الأكثر حدة في سياسة واشنطن تجاه تركيا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي الجديد إذا لم ترتدع تركيا وتبدأ في تغيير سياساتها.
سادسًا- المصالحة الخليجية:
تمثل المصالحة الخليجية التي تبلورت في قمة العلا التي عُقدت في السعودية، يوم 5 يناير الجاري، خطوة هامة نحو حل الخلافات المثارة بين دول الخليج من جهة، وقطر من جهة أخرى، في مجال لم الشمل الخليجي مرة أخرى، والتوحد في مواجهة المخاطر التي تواجه هذه الدول، بما في ذلك بالطبع المخاطر الإيرانية.
لا شكّ أن مصر تدعم أية مصالحة عربية، سواء كانت هي الراعية لها أو أحد أطرافها، ومن ثمّ لم تكن مصر بعيدة عن الانخراط في دعم المصالحة الخليجية، وقام وزير الخارجية السيد “سامح شكري” بالتوقيع على البيان الختامي الصادر عن هذه القمة، وذلك انطلاقًا من حرص مصر الدائم على التضامن بين دول الرباعي العربي من أجل دعم العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الجسام التي تشهدها المنطقة على أساس علاقات قائمة على حسن النوايا، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية.
ولا شك أن مصر ستظل حريصة على انتهاج سياسة متوازنة ومعتدلة في علاقاتها مع جميع الدول على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن بشرط أن تستند هذه العلاقات إلى أسس الاحترام المتبادل ورفض أي تدخل من أية دولة في شئوننا الداخلية. ومن المؤكد أن مصر لن تتهاون أو تقدم أية تنازلات بشأن أي مساس بأمنها وسيادتها.
سابعًا- الأزمة الإيرانية:
حرصت إيران على تصعيد موقفها في مواجهة إدارة الرئيس “دونالد ترامب” منذ انسحابه من الاتفاق النووي. وبالرغم من فرض الولايات المتحدة مزيدًا من العقوبات على النظام الإيراني، إلا أن طهران قررت مؤخرًا استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة فوردو النووية، بالإضافة إلى استخدام وكلائها في المنطقة، خاصة الحوثيين في اليمن الذين لم يتوقفوا عن تهديد الأمن القومي السعودي وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف سعودية حيوية.
حاولت إيران توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة بأنها على استعداد للتفاهم والتنسيق معها في مجال تهدئة الوضع في المنطقة، لاسيما وأن كافة الدلائل تشير إلى أن إدارة الرئيس “بايدن” ستتعامل مع إيران بطريقة مغايرة عن الرئيس “ترامب”، وقد تعود واشنطن إلى الانخراط (المشروط) في الاتفاق النووي مرة أخرى بما يترتب على ذلك من تأثيرات على الوضع الأمني في المنطقة كلها.
ولا شك أن إيران ستحرص خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس “بايدن” على ألا تقوم بعمليات استفزاز تدفع واشنطن لمزيد من التشدد في مواجهتها، وستترقب ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة من خطوات إيجابية تجاهها، لا سيما العودة للاتفاق النووي دون شروط لا تقبلها، ثم ستقوم بتحديد سياستها في ضوء محددات الموقف الأمريكي تجاهها.
الإدارة الأمريكية الجديدة وأوضاع المنطقة
وفي تقديرنا أن تولي إدارة ديمقراطية جديدة الحكم في الولايات المتحدة يعد أهم المتغيرات الرئيسية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، وسوف يطرح هذا المتغير تأثيرات واضحة بنسب متفاوتة على أزمات وصراعات وأوضاع المنطقة المشار إليها خلال المرحلة القادمة. وفي هذا المجال من المهم توضيح النقاط الست التالية:
النقطة الأولى: أن الإدارة الأمريكية الجديدة مهما كان حجم اهتماماتها وأولوياتها، إلا أنها سوف تنخرط في منطقة الشرق الأوسط حتى من خلال نهج متدرج من أجل ألا تترك هذه المنطقة تشهد مزيدًا من النفوذ الروسي والصيني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، مع الأخذ في الاعتبار اهتمام إدارة الرئيس “بايدن” أيضًا بقضايا الإرهاب والوضع في البحر الأحمر واليمن.
النقطة الثانية: أن الأوضاع في إيران وتركيا سوف تحظى بأولوية في الاهتمامات الأمريكية بالشرق الأوسط، وسوف تتعامل مع إيران بشكل أقل حدة ولكن يظل هدفها النهائي ألا تمتلك إيران السلاح النووي.
النقطة الثالثة: أن إدارة الرئيس “بايدن” لن تترك تركيا تتحرك بنفس الطموحات التي تتحرك بها حاليًا في العديد من مناطق العالم، وستسعى إلى تحجيمها حتى من خلال سياسة التفاوض والتفاهم معها.
النقطة الرابعة: أن هناك أزمات سوف تشهد تدخلًا أمريكيًا تدريجيًا بالتنسيق مع الأطراف المعنية، من أهمها الأزمة الليبية، ومشكلة سد النهضة، والقضية الفلسطينية، وستحرص إدارة “بايدن” على أن تكون لها بصماتها تجاه هذه الأزمات، ولا سيما بالنسبة للقضية الفلسطينية.
النقطة الخامسة: أن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تكون حريصة على دعم العلاقات مع دول الخليج، وتأكيد ضرورة الحفاظ على أمنها في مواجهة التهديدات الإيرانية، مع مواصلة تأييد المصالحة الخليجية التي تمت مؤخرًا, كما ستكون واشنطن حريصة على التعامل بشكل هادئ في البداية مع أية خلافات يمكن أن تثار مع أي من دول الخليج.
النقطة السادسة: أن إدارة “بايدن” سوف تشجع إسرائيل على استمرار التطبيع مع الدول العربية، ولن تغير موقفها المعارض للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية دون أن تمس بالقطع المحددات الرئيسية للأمن الإسرائيلي.
التحرك المصري تجاه أزمات المنطقة
وفيما يتعلق بالتحرك المصري إزاء الأزمات التي تشهدها المنطقة نشير إلى أن مصر وهي تتحرك تأخذ في اعتبارها ما يلي:
– امتلاك مصر خريطة مصالح إقليمية واضحة ومحددة تعلم تمامًا كيف تتعامل معها وتتحرك في إطارها بالشكل الملائم وفي التوقيت المناسب.
– انتهاج مصر سياسة يمكن أن نطلق عليها سياسة الانخراط المحسوب في أزمات المنطقة حفاظًا على مصالحها الحيوية.
– صياغة مصر مبادئ وأسس سياستها الخارجية استنادًا إلى مبدأ التوازن في علاقاتها الإقليمية، وستظل ترفض بقوة وتحت أية ظروف تدخل أية دولة في شئونها الداخلية أو المساس بأمنها.
– تمسك مصر بمواقف ثابتة لم ولن يتغير إزاء القضايا الثلاث الرئيسية التي تدخل في نطاق أمنها القومي المباشر، وهي: قضية سد النهضة، والقضية الفلسطينية، والأزمة الليبية، وسوف تواصل مصر التحرك النشط بقوة تجاه هذه القضايا في المرحلة المقبلة، وسوف تكون قضية سد النهضة هي القضية الأولى والعاجلة التي سوف تحرص مصر على التركيز على حلها خلال أقرب وقت ممكن.
* نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة .
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com