عمر حلمي الغول
زلزال هائل أصاب حزب الله اللبناني أول أمس الجمعة 27 أيلول / سبتمبر الحالي مع اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وهو تتويج لسلسلة كبيرة من الاغتيالات لقادة وكوادر الحزب خلال أيام معدودة بدءاً من 18 الشهر الحالي مع جريمة حرب البيجرز الإسرائيلية ضد قيادات وكوادر حزب الله في مختلف مناطق تواجده على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك اعداد لا بأس بها من القيادات والكوادر في سوريا، بأقل من 10 أيام استطاعت إسرائيل من تصفية اعداد بالآلاف من الصفوف الأولى والثانية والثالثة، منهم فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل واحمد وهبي وعلي كركي وقيادة الرضوان جميعا ومحمد حسين سرور، والقائمة تطول، ولا مجال لذكر كل الذين اغتالتهم دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون.
نجم عن ذلك، اهتزاز واحداث شلل عميق في مركبات الحزب القيادية والكادرية، وانقطاع الاتصال بين الهيئات القيادية، وفقدان السيطرة على مقاليد الأمور في الحزب سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا وماليا، بالإضافة لسقوط اعداد من ممثلي إيران الديبلوماسية والعسكرية والأمنية. والسبب الرئيس لهذا الزلزال الكبير، وغير المسبوق يعود لاختراقات أمنية عمودية وأفقية في مراكز القرار المختلفة بما فيها مقر حسن نصر الله نفسه من قبل إسرائيل، حيث انكشف ظهر حزب الله، كما لم يكشف من قبل، وتبين ان وضعه الداخلي هش الى أبعد الحدود، وسقطت هيبة ومكانة الحزب في الساحة اللبنانية بشكل مريع وفاضح، وتلاشت هالته الكرتونية، رغم الترسانة التسليحية الكبيرة، التي لم تعد تجدي نفعا. رغم إطلاق بعض الرشقات الصاروخية او الطائرات المسيرة على دولة إسرائيل الاستعمارية.
باختصار ودون إطالة لعرض التفاصيل المعروفة، ما هي الارتدادات المتوقعة على الحزب، والساحة اللبنانية، وعلى ما يسمى محور المقاومة، وعلى جمهورية إيران مرجعية وممولة الحزب واقرانه من قوى المحور، وسأبدأ من آخر عنوان، وهو القيادة الإيرانية، وأعتقد ان وصول مسعود بزشكيان المعتدل لموقع الرئاسة في مطلع تموز / يوليو الماضي له ثمن في تغيير استراتيجية طهران، ومنها تقديم قربان لصالح ترتيب اوراقها مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وهو تقديم رؤوس إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس، وحسن نصر الله، أمين عام حزب الله، وآخرين من العراق واليمن، بالإضافة لطي صفحة الملف النووي الايراني. لا سيما وان المفاوضات لم تتوقف بين القيادتين الأميركية والإيرانية في أكثر من عاصمة، وتم الاتفاق على تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، والافراج عن أرصدة جمهورية الملالي في البنوك الأميركية والأوروبية، بعد نجاح كمالا هاريس في الانتخابات الرئاسية القادمة في 5 تشرين ثاني / نوفمبر القادم.
كما ان الترتيبات الجديدة لها علاقة بإعادة هيكلة الشرق الأوسط وفق المصالح الحيوية الأميركية والغربية الامبريالية عموما، وتقاسم النفوذ في الإقليم بين إسرائيل وإيران، وبما يضمن السيادة لإسرائيل. وهذا التحول يلبي ضمنا مصالح بعض الدول العربية وخاصة في الخليج العربي، من خلال ابعاد شبح خطر قوى المحور التابعة لإيران عنها لحين. لإن واشنطن وتل ابيب ستبقى حريصة على إبقاء الفزاعة الإيرانية في وجه الأنظمة العربية عموما والخليجية خصوصا.
أضف لذلك، إعادة هيكلة حزب الله بقيادته الجديدة وفق متطلبات المرحلة القادمة، ونزع أظافره العسكرية، واقتصار وجوده على العمل السياسي لحين من الوقت. وهو ما يعني فقدانه الثقل المركزي، الذي تمتع به بعد عام 2006 وهو ما سيسمح للبنان خلال المستقبل المنظور بانتخاب رئيس جمهورية جديد، واجراء انتخابات برلمانية بعيدا عن هيمنة حزب الله، وتشكيل حكومة بعيدا عن الثلث المعطل، الذي كان يفرضه الحزب على القوى السياسية في الساحة اللبنانية سابقا.
وفي السياق، سيتم تقليم أظافر ما يسمى محور المقاومة في الساحات المتواجد فيها، وتدوير مهامه لحين وفق المعادلة الأميركية الغربية الإسرائيلية ومن يدور في فلكهم بتغيير خارطة الشرق الأوسط، التي أكد عليها بنيامين نتنياهو، وهي بالأساس هدف أميركي قديم جديد، في استباق للتحولات الجيو سياسية في المنظومة العالمية، وقبل تبلور النظام العالمي متعدد الأقطاب.
ولا أبالغ، إذا ما اكدت أن حزب الله، لم يعد بعد سلسلة الضربات الزلزالية التي اصابته، ذات الحزب الذي نعرفه، بعد أن ضعفت شوكته، وتراجعت مكانته في الساحة اللبنانية، حتى لو لم يكن هناك اتفاقات سرية بين طهران وواشنطن وتل ابيب. لان الحزب بعد الزلزال الخطير سيتآكل من الداخل، لافتقاد قياداته وكوادره الباقية الثقة بينهم، واتساع دائرة الشك في صفوفهم، وبحث من تبقى عن اغتنام أكبر قدر من كعكة الحزب المالية والاقتصادية، والهجرة الى غير بلد خارج لبنان، ورحم الله الجميع.
للتواصل مع الكاتب: