د. شهاب المكاحله: ترامب 2.0 وتحديات الشرق الأوسط

مشاركة
د. شهاب المكاحله د. شهاب المكاحله
حياة واشنطن-مقالات 10:17 ص، 30 اغسطس 2024

د. شهاب المكاحله

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في ٥ نوفمبر ٢٠٢٤، فإن احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى منصبه يثير تساؤلات حاسمة حول كيفية تعامل إدارته مع التحديات المعقدة في الشرق الأوسط. ومع تحول الديناميكيات الإقليمية والتطور المحتمل في نهج ترامب، فمن الضروري تحليل كيف قد تؤثر رؤيته للعالم على مشاركة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

من المرجح أن تشكل نظرة ترامب للعالم، الذي يحدده نهج “الواقعية الهجومية” وعقلية المعاملات وفق مبدأ “البيزنس” في العلاقات الدولية، استراتيجيته في الشرق الأوسط. فقد تميزت فترة ولايته السابقة بدعم قوي لإسرائيل، وتجاهل المواقف الأميركية التقليدية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وموقف متشدد ضد إيران واتباع نهج البزنيس في العلاقات الخارجية. ومع ذلك، فقد تغير المشهد الجيوسياسي منذ ولايته الأخيرة في الداخل الأميركي وعلى الصعيد الدولي، ما يطرح تحديات وفرصا جديدة.

والسؤال المطروح هو: “هل يستطيع ترامب تبني سياسات تتماهى مع الواقع الحالي في الشرق الأوسط في ظل غياب أميركي واضح عن شؤون المنطقة لأعوام عديدة؟“.

دعم صريح وثابت لإسرائيل

من ناحية أخرى، يتخذ دونالد ترامب نهجا أكثر صراحة وثباتا في دعم إسرائيل. فخلال فترة رئاسته السابقة، اتخذ ترامب عدة خطوات مثيرة للجدل غيرت بشكل كبير مشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في تحد للمواثيق والقرارات الدولية. كما توسطت إدارته في اتفاقات “أبراهام”، لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، والتي أشاد بها مؤيدوه باعتبارها نجاحا دبلوماسيا ولكن انتقدها آخرون لدوره في تهميش القضية الفلسطينية وعرض ما اصطلح عليه بحل الدولة بدل الدولتين ودمج الفلسطينيين بالمجتمع الإسرائيلي وصيغة “صفقة القرن” على حساب الفلسطينيين والأردنيين خاصة مع توغل القوات الإسرائيلية في عدة مدن ومخيمات فلسطينية في الضفة الغربية بحثا عمن أسمتهم السلطات الإسرائيلية بالـ “مطلوبين” ممن تريد إسرائيل تصفيتهم أو ترحيلهم الى دول مجاورة.

إن برنامج ترامب، كما عبر عنه الحزب الجمهوري، يتعهد بالوقوف بحزم إلى جانب إسرائيل، مع القليل من الاهتمام بالمظالم الفلسطينية. ففي الغالب ما يرفض ترامب في خطابه المخاوف من الأعمال العسكرية الإسرائيلية، ويؤطرها بتدابير ضرورية في مكافحة الإرهاب والدفاع عن الذات. وقد جعله هذا محبوبا لدى الناخبين المؤيدين لإسرائيل والقاعدة المسيحية الإنجيلية، وكلاهما من الداعمين والمؤيدين له.

إن نهج ترامب يتسم بتجاهل حل الدولتين، الذي كان حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية لعقود من الزمن. وبدلاً من ذلك، اتجهت سياساته نحو الدعم غير المشروط لإسرائيل في كثير من الأحيان على حساب الحقوق والتطلعات الفلسطينية. ومن المتوقع أن يستمر ترامب، إذا أعيد انتخابه، في الدفاع عن مصالح إسرائيل، وربما على حساب تهميش القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

إحدى القضايا الأكثر أهمية التي تواجه إدارة ترامب المحتملة هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر، والذي اشتد مع عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ والهجوم الذي قادته حماس. موقف ترامب الثابت المؤيد لإسرائيل ورفضه للحقوق الوطنية والسياسية الفلسطينية قد يؤدي إلى تأجيج التوترات الإقليمية. فمن غير المرجح أن تكون “صفقة القرن” السابقة، التي عرضت حكما ذاتيا محدودا للفلسطينيين، حلاً قابلاً للتطبيق في السياق الحالي خاصة وأن ترامب يفضل المكاسب الفورية والمعاملاتية على الالتزامات الطويلة الأجل بالمعايير الدولية وهو ما قد يعيق التقدم نحو السلام الدائم.

تصعيد التوترات مع إيران

قد تؤدي عودة ترامب أيضا إلى تجدد التوترات مع إيران. وقد يتم إحياء انسحابه السابق من الاتفاق النووي وإعادة فرض سياسات “الضغط الأقصى”، ما يزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فقد تطورت البيئة الإقليمية الحالية، مع تقدم إيران بقدراتها النووية واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا بحد ذاته سيشكل ورقة ضغط ترامبية على دول الخليج للابتعاد عن إيران، وهنا قد تواجه تلك السياسية الأميركية مقاومة ملحوظة من تلك الدول التي قد تسعى للتعامل مع الديناميكيات الإقليمية الجديدة لحماية مصالحها في ظل ظهور قطبين جديدين على الساحة الدولية: روسيا والصين.

التداعيات والاعتبارات الاستراتيجية

إن نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط سوف يكون مدفوعا بتأكيده على القوة والمنافسة والعلاقات المعاملاتية أكثر من كونه مبنياً على التحالفات الطويلة الأجل والالتزام بنظام دولي قائم على قواعد تراعيها الدول المعنية. ففي حين قد يسعى إلى إعادة تأكيد النفوذ الأميركي وحماية مصالح وطنية معينة، فإن أساليبه قد لا تتوافق مع تعقيدات المنطقة الجيوسياسية والديموغرافية والأمنية. وهنا لا بد من الاستعداد لمختلف السيناريوهات والتكيف مع الفروق الدقيقة لرئاسة “ترامب 2.0”.

فبينما يفكر الناخبون الأميركيون في خياراتهم في الانتخابات المقبلة، من الأهمية بمكان تقييم التأثير المحتمل لعودة ترامب على مشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فاستقرار المنطقة والسعي إلى السلام الدائم والتعاون يتطلبان نهجا متوازنا ودقيقا في السياسة الخارجية الأميركية. وإذا ما استمر النهج الأميركي الحالي على ما هو عليه، فقد لا يتماشى ذلك مع رؤية (أميركا أولا). فواشنطن اليوم لا تستطيع تجاهل الدور الإيراني كأحد الأطراف الفاعلة في السياسات الإقليمية والدور الذي قد تلعبه بعض الدول الشرق أوسطية في المستقبل القريب لتقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب. فهل يعي ترامب وفريقه هذا الأمر وأن الدنيا قد تغيرت في بضع سنين!؟