التغيير لا التدوير

مشاركة
استطلاع لعام 2022 - الضفة - غزة- القدس استطلاع لعام 2022 - الضفة - غزة- القدس
بقلم: رائد عمرو 01:35 م، 04 فبراير 2024

لا يحتاج الواقع الفلسطيني الحالي شرحاً لوصفه او تقديمه للقارئ، فما نشاهده على الهواء مباشرة من ويلات ودمار وخراب وتنكيل وقتل بدم بارد هو كافٍ ليقدم المشهد بايجاز ويلخص الحالة بأن هناك نية واضحة منذ سنوات طويلة لقتل كل أمل بوجود دولة فلسطينية ذات سيادة واستقلالية.

ولكي لا يكون الحديث متشعبا عن اوضاع القضية بكل اشكالها، فلا بد من تناول الحالة الاقتصادية الراهنة باعتبارها مأساة خالصة وكارثة حقيقية يواجهها ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حاليا، يضاف اليهم الحالة التاريخية المؤلمة لفلسطيني الشتات في سوريا ولبنان والأردن.

منذ السابع من أكتوبر الماضي، شهدت الأراضي الفلسطينية شللاً شبه كامل لكل أشكال الحياة، وأصبحت معاناة المواطنين الاقتصادية عبئاً لا يمكن تصوره، ويمكن لمئات الفيديوهات الحية من قطاع غزة والضفة الغربية أن تُقدم كدليل واضح على ذلك، فلا دخل ولو بسيط لما يزيد عن 95% من المواطنين في ظل وقف العمل داخل الخط الاخضر، وانقطاع رواتب موظفي القطاع الحكومي بنسبة شبه كاملة منذ 5 اشهر، وتوقف المساعدات الدولية الدورية وغيرها من أشكال العجز الاقتصادي اليومي.

وفي ظل تلك المعاناة الاقتصادية المتفاقمة، والتي ستظهر بشكل أكثر وضوحاً مع الايام المقبلة، فان من حق اي مواطن أن يفكر في طرح الكثير من الأسئلة والتي يجب توجيهها لأصحاب القرار في منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منذ 1964.

فلدى المنظمة مؤسسة استثمارية عريقة (الصندوق القومي) منذ ذلك التاريخ، ولديه من الموازنات المالية ما يكفي لحل مشكلات كل الفلسطينيين في الوطن والشتات دون الحاجة الى انتظار أموال من المقاصة وغيرها من المساعدات العربية والدولية، فمنذ تأسيسه حتى سنوات قليلة ماضية لم تتوقف المنح والمساعدات العربية والدولية لذلك الصندوق.

يمتلك الصندوق القومي على سبيل المثال مئات العقارات في العالم، ويقدم قروضا ويرعى فرصا استثمارية لكل مشروع فلسطيني ناجح بحسب ما يقول القائمون عليه دوما بل ويتغنون بانجازاتهم، دون ذكر لرقم مالي محدد لحجم استثمارات ذلك الصندوق أسوة بصندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يعلن دائما أن لديه ما يقارب المليار دولار ويعمل من خلالها على  تطوير حياة الفلسطينيين وهو فقط مجرد شعار لا وجود له على الأرض بحسب مؤسسات المجتمع المدني المراقبة لادائه.

لماذا لا تكون هناك وقفة من الكل الفلسطيني باختلاف ميولهم و جغرافيتهم وانتمائهم وتفكيرهم، والمساءلة بصوت عال للقائمين على تلك المشاريع والاستثمارات ومعرفة سبب تخاذلهم عن اعانة ملايين المحتاجين في الضفة الغربية وقطاع غزة جراء العذاب اليومي الذي يحل بهم.

 

وبالنظر الى أي مؤسسة استثمارية في العالم، فهل يعقل أن يدير نفس الشخص (رمزي خوري) منذ 19 عاما، واحدة من أهم مؤسسات الشعب الفلسطيني الاقتصادية التي يفترض أنها "عمود الخيمة" المنوط إليها بتعزيز أسباب صموده كي لا يكون قراره رهينة بيد المانحين على اختلافهم.

الصندوق القومي مثال واضح على حالة الترهل والفساد في مؤسسات منظمة التحرير، وكان يمكن جعل تلك المؤسسة مؤثرة وفاعلة لو كانت هناك جدية لدى اللجنة التنفيذية للمنظمة من خلال جعل منصب رئيس الصندوق يتم عبر الانتخاب مرة كل أربع سنوات من قبل أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، ومشاركة رؤساء البنوك والمؤسسات المالية والاستثمارية الفلسطينية في الوطن وخارجه في تلك العملية وتفعيل برامج مراقبة وتدقيق للتقارير المالية والإدارية خلال فترة كل رئيس لتلك المؤسسة.

وما ينطبق على الصندوق القومي يجب أن ينطبق على صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يديره نفس الشخص (محمد مصطفى) منذ 2005 حتى الان، دون اي نتائج فاعلة ومؤثرة بالرغم من تواجده في الأراضي الفلسطينية و لديه كل مقومات النجاح في حال استفادته من مئات الكفاءات والمبدعين الفلسطينيين في مجال الاستثمار الذين فقدوا الأمل بعد عمليات إبعاد وتهميش بالجملة لهم من بعض المتنفذين داخل تلك المؤسسات ووجدوا مساحات ابداعاتهم حاضرة في دول عدة منحتهم الفرصة والامكانات واصبحوا ضمن رأس الهرم للعديد من المؤسسات المالية العريقة على مستوى العالم.

مثالان بسيطان يعرضان فرصة حقيقية للنهوض بالواقع الاقتصادي لذلك الشعب، في حال توفر كل اسباب الشفافية والمهنية والرقابة، كما يؤكدان في الوقت ذاته على وجود تحدٍ كبير يتجسد بمنظومة فساد متشعبة منذ تأسيس منظمة التحرير حتى وقتنا الحالي، يمكن اعتبارها بأنها أحد اكبر الحواجز امام اقامة دولة فلسطينية ذات قرار مستقل.

بعد كل هذه السنوات وما تحمله من معاناة ونكبات للكل الفلسطيني، لا بد لصانعي القرار فيه أن يدركوا أهمية توفر الشرعية المحلية قبل الشرعية الدولية، وأن يتخلوا عن سياسة التدوير في تبني الإصلاحات واعتماد سياسة التغيير لتكون أساسا فاعلاً لإقامة الدولة المرتقبة الذي يتضح كل يوم أن الكثير من الذين يفترض بهم أن يكونوا مؤتمنين على إقامتها هم سبب ضياع حلم إقامتها.