أنا أعجبت بماجدة الرومي في بداية انطلاقتها عندما غنت في برنامج "استوديو الفن". بعد ذلك وبعد هجرتي الى كندا كنت اسمع اغانيها من وقت لوقت. واعجبني خصوصا ما غنته في مصر في فيلم يوسف شاهين "عودة الابن الضال".
بعد ذلك فان معظم اغاني ماجدة الرومي كانت تكرر نفسها. وبالنهاية اضحت تجميعا فجا لمقاطع تستعرض الرومي فيها الطبقات العليا لصوتها في اغان هي أقرب في الاداء الى الصراخ العالي النبرة الذي يعوزه الحس المعبر، ويفتقد ملكة رهافة المشاعر. اذ ان صوتا بجمال صوت ماجدة لم يكن موفقا في جذب ملحني الصف الاول الى اطلاقه من براثن غناء المقاولات. ولعل غياب والدها الموسيقار الكبير حليم الرومي في بداية انطلاقتها الفنية كان أثره كبيرا في ضياع صوت وقدرات كان من الممكن ان تشدو وتحلق بأكثر بكثير مما استطاعت ان تحققه ماجدة الرومي في مسيرتها.
لكن هذا لم يكن السبب الوحيد الذي جعلني اغرب عن سماع ماجدة الرومي. فانا أكره المنافقين بكافة اشكالهم وانواعهم وتجلياتهم.
فالرومي عاشت حياتها في "خزانة" من كراهية الذات، التي قادتها الى نوع من الانفصام العاطفي والاخلاقي. فهي حرصت طوال حياتها على ان تتنكر لهوية والدها ووالدتها الفلسطينية. وهي بذلت كل جهدها لان تمحو التاريخ الفلسطيني من ذاكرتها، ومن عبق شجرة عائلتها المباشرة وخصوصا عائلة والدها. بل انها تعاملت مع هذه الهوية كالتعامل مع طاعون يجب التفلت والانعتاق منه بأي ثمن.
ولم تألو ماجدة الرومي جهدا لأثبات عدم اكتراثها بقضية الشعب الفلسطيني، حين تماهت وتفاخرت بتأييدها لأمثال جزار مخيمات الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا سمير جعجع وحلفائه المحليين من اتباع اسرائيل في الداخل اللبناني. وربما كان هاجسها دوما: "ارايتم؟ انا لست فلسطينية بل لبنانية صميمة!"
وما هو مأساوي بالفعل، هو ان فلسطين، ومدينة حيفا بالذات، هي التي نشا فيها حليم الرومي وتتلمذ موسيقيا ثم تسلم ادارة اذاعة الشرق الادنى ثم تزوج والدة ماجدة، ماري. وترْك الرومي لفلسطين ولجوئه الى لبنان لم يكن عارا الا على الانظمة العربية الفاسدة والعميلة للاستعمار آنذاك، تلك التي تركت الصهيونية الفاشية تستبيح فلسطين واهلها واحلامهم.
وفي الوقت الذي ملأ صوت فيروز العالم وهو يصدح باسم فلسطين، وجسر العودة وشوارع القدس، "والغضب الساطع الآت" لا محالة، وحضرت مع اهل الجنوب في مقاومتهم للاحتلال الصهيوني، استكثرت ماجدة الرومي تذكر ملاعب طفولة والدها ووالدتها في الناصرة وحيفا ولو مرة، بأغنية تشدو فيها من نفسها ومن عبق برتقال يافا المستباح!
مسيرة ماجدة قادتها تدريجيا لتصبح مغنية بلاط تسترزق خيرات وعطايا حكام الخليج الذين لا يفقهون فرقا بين نهيق الحمير ومأمأة الخرفان.
وبالأمس وقفت ماجدة على باب السفارة الفرنسية في بيروت تستجدي صورة مع ماكرون تحاول من خلالها كسب بعض الدقائق "تحت شمس" تجديد الدماء في دولة الفشل الكبير التي اصطنعها الفرنسيون امعانا في تقسيم بلاد الشام تمهيدا لخلق الدولة الصهيونية.
ويبقى زحف التهافت والمتهافتين في بلاد العرب مستمرا على قدم وساق!
* ناقد سينمائي وأكاديمي
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن"