عالم اليوم عالم بلا حدود

مشاركة
* شهاب مكاحله 05:40 م، 22 سبتمبر 2022

منذ ما يقرب من 70 عاما، وُلد نظام عالمي جديد من أنقاض الحرب العالمية الثانية. لكن هذا النظام العالمي تشوبه علامات تصدع كبيرة بدءا من النزاعات في آسيا وأوروبا وافريقيا وانتهاء بأزمة الطاقة والأمن الغذائي العالمي مع تراجع مستوى الديمقراطية على المستوى العالمي. إن هذه المشاكل مجتمعة تعني أن عالمنا لا بد من أن يتغير. فما يحدث اليوم في كل بقعة من العالم، لا علاقة له بضعف القوى الكبرى والفاعلة على الساحة الدولية ولكنه يتعلق أكثر بالمشكلات الفكرية والهوية والهدف.

لفهم إلى أين يتجه العالم، فمن المفيد أن نعي أن الدول الكبرى تمارس سياسة الانعزالية تارة والأممية تارة أخرى تماشيا مع مصالحها ودوافعها للتوسع الإقليمي والايديولوجي عالميا. إن دوافع الدول الكبرى تنبع من حرصها على أمنها القومي وهذا ما يفسر قيامها بالتدخل في دول قد تشكل مصدرا للخطر عليها وعلى مصالحها القومية. وفي عقيدة الدول الكبرى، فإن أمنها القومي ينبع من حرصها على منع صعود القوى الأخرى المعادية لسياساتها ومصالحها الأمنية الأساسية ورفاهية شعوبها الاقتصادية مهما كلف الثمن.

بعد الحرب العالمية الثانية، جعلت الميزة الجغرافية الفريدة للولايات المتحدة مركزا استراتيجيا عالميا. فكانت الولايات المتحدة قادرة على تجاوز الدفاع الوطني التقليدي والتوازن الخارجي بسبب بعهدها الجغرافي عن مناطق التوتر العالمية وباتت قادرة على أن تصبح بشكل فعال قوة أوروبية وقوة آسيوية، نظراً لتمركز قواتها بشكل دائم في سواحل المحيط الهادئ والمياه الدافئة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي والاطلسي. فتواجد القوات الأميركية عمل على إرسال رسائل للجميع بأن تلك القوات ستحارب إذا تعرض حلفاؤها للهجوم. فعلى مدى العقود السبعة الماضية، فرض هذا الوجود الأميركي سلاما واستقرارا عاما في منطقتين عرفتا على مدى قرن على الأقل صراعا دائما بين القوى العظمى: أوروبا وشرق آسيا. كما كان من اللافت للنظر الدرجة التي قبلت بها بقية الدول في العالم الليبرالي بشكل عام القوة الأميركية بل ورحبت بها. وكان السبب متعلقا بالسلطة والجغرافيا بقدر ما يتعلق بالتقارب الأيديولوجي والمصالح المشتركة.

لعقود من الزمن، كان الواقعيون يعتقدون أن النظام العالمي الوحيد الذي يسوده السلام والاستقرار هو نظام قائم على توازن قوى متعدد الأقطاب، وتجمع من الدول التي تقف في حالة توازن في نظام اعتبره جميع اللاعبين ضروريا وشرعيا–مثل أوروبا في السنوات التي أعقبت مؤتمر فيينا. وكان هذا هو العالم الذي شعر هنري كيسنجر بالراحة معه والذي توقعه باستمرار في الستينيات من القرن الماضي. فكان من المفترض أن تكون أحادية القطبية بطبيعتها غير مستقرة وقصيرة الأجل، لأن القوى العظمى الأخرى سوف تتحد دائماً لتحقيق التوازن كما حدث في أوروبا ر?ا على صعود فرنسا وألمانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين.

ولا بد لنا من أن نتذكر أن العالم يعيش اليوم بلا حدود لأننا بتنا قرية صغيرة فما يؤثر في ركن منها تنعكس آثاره سلبا أو إيجابا على المحيط بمجمله. لذا علينا أن نكون بعيدي النظر لا قصيري النظر بالابتعاد عن المصالح الآنية والاهتمام بالمصالح المستقبلية لأن أمن الدول الكبرى ومصالحها خط أحمر.

 

*  إعلامي وسياسي أردني

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "الحياة واشنطن ".