"عودة اليهود العرب" قضية طالما أثيرت منذ هاجر هؤلاء اليهود بلدانهم الأصلية قبل عقود، وها هي تُطرح من جديد مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الجزائر، إذ بدا لافتا اصصطحابه معه الحاخام اليهودي حاييم كورسيا، والذي تعود أصول والديه إلى الجزائر، التي قال إنه يتشوق إلى رؤية أرضها، وتمنى أن تكون زيارة ماكرون الحالية بداية لعودة يهود الجزائر لرعاية وترميم مقابر ذويهم.
وطالما ثار جدل حول أسباب هجرة اليهود العرب، وإن كان الثابت أن فقراء اليهود بدأوا في الهجرة إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، وعاشوا بالأساس في المناطق الطرفية وعند خطوط المواجهة مع الجيوش العربية، أما أغنياء اليهود فاختارا أوروبا الغربية وأمريكا مستقرا لهم.
وبعيدا عن أزمة الهوية التي يعيشها اليهود العرب في إسرائيل والتمييز الذي يواجهونه، ظلت قضية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية مثارة كلما ثار الجدل حول أسباب هجرتهم، وهل كان لاضطهاد تعرضوا لهم في بلدانهم إبان قيام دولة إسرائيل واحتلالها لأراضي فلسطين وأراضي عربية أخرى في وقت لاحق، أم أن المنظمات الصهيوينة التي خطط لقيام إسرائيل هي التي شجعت هجرة "اليهود العرب" إلى إسرائيل وغذت فكرة الاضطهاد، من أجل إيجاد رصيد بشري يسمح للكيان الوليد بالتأسيس، ويدفع فكرة الاستيطان؟.
ويعزز الفرضية الأخيرة ما هو موثق عن تمويل الوكالة اليهودية عمليات هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل، وكان أولهم يهود اليمن الذين عملوا في مزارع يهود أوروبا في أراضي فلسطين.
لكن إسرائيل دائما تتصدى لتلك الفرضية، حتى أن الخارجية الإسرائيلية رعت في سبتمبر من العام 2012، مؤتمرا دوليا في الأمم المتحدة تحت عنوان "العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية"، حمل في بياته الختامي الجامعة العربية مسؤولية خروج اليهود من الدول العربية، وطالب بتعويضهم كما يطالب اللاجئون الفلسطينيون.
ويبدو جليا أن تلك التحركات هدفها محاولة إحداث نوع من التوازن ردا على مطالب اللاجئين الفلسطينيين العادلة بحق العودة، لكن ما فات دولة الاحتلال في هذا الصدد أن محاولة خلق قضية موازية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ليس في مصلحة الاحتلال، إذ يُطالب اللاجئون الفلسطينيون بحق العودة لا التعويض، فيما تطالب دولة الاحتلال بتعويض اليهود عن ممتلكاتهم في بلدانهم الأصلية، وتتصدى لأية محاولة لعودتهم إليها.
وفي ثمانينات القرن الماضي، قاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تحركا يهدف إلى عودة اليهود العرب إلى بلدانهم، خصوصا في اليمن وبلدان شمال افريقيا، وناقش زعماء عربا في تلك الفكرة بهدف تحويل إسرائيل إلى احتلال غربي لأراض عربية، لكن ارتباط ملف عودة اليهود العرب بمقتضيات الأمن القومي في تلك البلدان حال دون المضي قدما فيه.
ويسأل الدكتور محمد أبو الغار، وهو واحد من كبار المفكرين المصريين، في كتابه "يهود مصر في القرن العشرين" الصادر في العام 2021، "لو لم تكن هناك دولة إسرائيل، فكيف كان سيصبح مستقبل اليهود المصريين وغيرهم من العرب؟"، ويجيب بأن هجرة اليهود المصريين إلى أوروبا كانت ستحدث في كل الأحوال، لأن معظمهم حضروا إلى مصر سعيا وراء الرزق والمستوى الأعلى للمعيشة، وهو ما أعطته مصر بسخاء، لكن بعد الحرب العالمية الثانية وتنفيذ مشروع "مارشال" في أوروبا تغيرت الموازين لصالح أوضاع أوروبا الاقتصادية، ومن هنا كانت حتمية هجرة يهود مصر إلى الخارج.
