قال المختص والباحث في شؤون القدس محمد هلسة: إنه " ومنذ صدور المرسوم الرئاسي بتحديد موعد الانتخابات وحالة من الضبابية الكاملة تسود هذه القضية وهذا شاهده الجميع على مَدار الفترة الماضية وحتى اللحظة، حيث لا شيء واضح فيما يتعلق بإجراء الانتخابات بمدينة القدس من حيث " عدد المشاركين، مكان المشاركة، طبيعتها، وكل هذه التفاصيل بقيت غامضة الأمر الذي زاد من المخاوف".
ورأى "هلسة" خلال حوار خاص مع موقع دار الحياة – واشنطن، أن قضية إعلان الانتخابات جاء بصورة "مرتجلة" نتيجة ضغوطات خارجية ولم تكن حاجة فلسطينية داخلية بحتة ولم تجرِ المشاورات الكافية بشأنها في أروقة القيادة الفلسطينية حتى يكون الفلسطينيون مطمئنون بوجود ضمانات من سلطات الاحتلال الاسرائيلي لإجراء الانتخابات بالمدينة المقدسة والسماح للمقدسيين بالتصويت والترشح داخل ما يُسمى حدود "بلدية القدس" الاحتلال.
وتابع هلسة: " هذه المعطيات وضعت المواطنين في حالة غموض، حيث يعيش المقدسيون حالة من التناقضات الداخلية بسبب تعدد حالة التجاذب التي يعيشها الفلسطينيون فمن جهة تُحاول ( اسرائيل) فرض النظام والقانون التابع لها بمنطق القوة والأمر الواقع وتسعى لتطبيق سيطرتها الكاملة على الجغرافيا والانسان المقدسي والشجر والحجر وكل شيء بالمدينة ويترتب على مخالفة الفلسطيني لهذه القوانين عقوبات وحرمان من الحقوق وملاحقة ومساءلة قانونية ".
وأردف هلسة: "مسألة الانتخابات تأتي في هذا السياق، لأن ( اسرائيل) تعتقد بأن المقدسيينَ جزءٌ من المواطنين الخاضعين للقوانين الإسرائيلية وذهابه للانتخابات الفلسطينية يُعتبر خيانة لهذه المُواطَنَة وبموجب ذلك سيتعرض للملاحقة والمساءلة وهذا شهده المقدسيون عبر ملاحقة العديد من الرموز الرسمية العاملة في أجهزة السُلطة المدنية كـ"محافظ القدس، وزير شؤونها، أمين عام المؤتمر الشعبي، عضو اللجنة التنفيذية"، وكل من عمل بشكل رسمي وقانوني تحت المظلة والعباءة الفلسطينية".
مضيفًا: أن " الانتخابات بالقدس، تأتي في السياق السابق، وهو ما يعني أن ذهاب المواطن إلى الادلاء بصوته خلال الانتخابات المُقرر اجرائها في القدس، سيذهب اسمه بشكل أو بأخر إلى الدوائر الرسمية الاسرائيلية سيكون مصيره كالمرشحين المقدسيين عن حركة حماس الذين تم ملاحقتهم واعتقالهم والتحقيق معهم وسحب الهوية المقدسية منهم، وهو ما اضطرهم إلى الخروج بعيدًا عن حدود "بلدية الاحتلال" بالقدس، والعيش في مناطق السلطة الفلسطينية".
ونوه هلسة، إلى أن إجراءات الاحتلال وضعت المقدسي في صورة مضطربة مِن حيث اتخاذ موقف المشاركة بهذه الانتخابات، وجعلته يعيش حالة تردد لافتًا إلى جميع الاشارات الواردة مِن (اسرائيل) حتى اللحظة تؤكد مضيها في احكام القبضة على المدينة المقدسة خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إليها وهي ترفض بالمطلق فكرة التعاطي مع أي شيء يخص الفلسطينيين داخل القدس.
واعتبر المختص والباحث في شؤون القدس، أن الشواهد التي جرت بالأمس وأول أمس المتمثل بفض اعتصام لأعضاء المجلس التشريعي من مختلف فصائل العمل الوطني والذين كانوا ينوون الحديث عن طبيعة المشاركة بمدينة القدس وهي إشارة بأن (اسرائيل) فعليًا لن تسمح بأي شكل من الأشكال للمقدسيين بازدواجية ( الولاء) من جهة بتطبيق عليهم القانون الاسرائيلي والتي يحصلوا بموجبها على الامتيازات سواءً بالتأمين الوطني الصحي، الرفاه الاجتماعي، وغيرها من حزمة الامتيازات وأن يُعطوا ولاءهم لطرفٍ أخر تعتبره اسرائيل معاديًا لها ويكون ولاءهم للسلطة الفلسطينية أو يعملوا تحت عباءة القوى الوطنية والاسلامية.
وأكد "هلسة" أن تمكن المقدسيون من المشاركة بالانتخابات الفلسطينية فهو نسفٌ لكل ما قامت به ( اسرائيل) فيما يخص المدينة المقدسة وهو اثبات أن الفلسطيني هو كذلك بانتمائه وهويته الوطنية القومية ومشاركته تأتي بأنه جزءٌ من هذا النسيج الفلسطيني العربي، ومن هذا الامتداد لبقية مُدن الضفة الغربية وتأكيد أن القدس عاصمة بهذا "الكيان" المسمى السلطة الفلسطينية ومشاركة المقدسيين بالانتخابات هي بمثابة سحب البِساط من تحت القدم الاسرائيلي فيما يخص كافة الاجراءات التي قامت بها ( اسرائيل) خلال السنوات الماضية باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ومن اعتبار الجغرافيا الفلسطينية تتبع من ناحية قانونية وادارية للسلطة الاسرائيلية.
لافتًا إلى أن مشاركة المقدسيين بالانتخابات هي رسالة تحمل مضامين سياسية كثيرة فيما يخص الفلسطينيين بالقدس ومن المهم التأكيد على أن الفلسطيني الذي عاش حياة العصف والتي تضمنت محاولة الاقتلاع والتغييب والتهميش والتغريب والتهويد خلال سنوات الحكم الاسرائيلي لمدينة القدس استطاع الآن الادلاء بصوته والترشح لخوض الانتخابات وهي رسالة هامة جدًا بالنسبة للمقدسيين بالشق السياسي.
واستتلى: " في الشق الخدماتي حيث يعرف الجميع أن مدينة القدس هي مدينة مهمشة ومغيبة عن النظام السياسي الفلسطيني والخدمات فيها تكاد تكون فيها معدومة كالإسكان والتعليم والسكان والرفاهية والشباب والثقافة، حيث جميعها لا تُقيم لها السلطة الموازنات الكافية بموازنتها الرسمية وما يصل المدينة المقدسة هو "الفُتات" مقارنة بما يصل قطاع الأمن أو القطاع الصحي على سبيل المثال، في الوقت الذي تُعاني فيه القدس حالة من الغُربة والضياع وتفتقد الخدمات الأساسية التنموية في قطاعات الصحة والاسكان والتعليم وهناك نقص واضح بألاف الغُرف الصفية وهناك اكتظاظ شديد جدًا بالسكن والمساكن".
وشدد المختص والباحث في شؤون القدس، على أن وجود أعضاء عن مدينة القدس بالمجلس التشريعي الفلسطيني ولاحقًا بالمجلس الوطني من شأنه ايصال رسالة ومطالب المقدسيين بضرورة الضغط باتجاه أن تكون المدينة المقدسة حاضرة وتُعامل كعاصمة منكوبة وتُخصص لها الموازنات والموارد الكافية لتغطي احتياجاتها التي تختلف فيها عن أي مدينة اخرى بالضفة الغربية.
أوضح "هلسة" أن لو رغب الفلسطيني بمدن الضفة الغربية بناء منزل لاستكفى بـ100 ألف شيكل لبناء منزل متواضع مساحته 100 متر مربع، ولو قاس أحدنا هذا الأمر على حاجة الفلسطيني المقدسي لوجدناه يحتاج لبناء نفس المنزل بنفس المساحة في حدود المدينة مليون شيكل بدءًا من اصدار التصاريح وانتهاءً بالبناء حال توفرت الأرض نظرًا للقيود المفروضة على المقدسيين فيما يتعلق بالإسكان والحصول على رُخص وتقسيمات الأراضي داخل المدينة.
وختم المختص والباحث في شؤون القدس محمد هلسة حديثه لموقع دار الحياة – واشنطن قائلا: " إن وجود المقدسيين في الجسم البرلماني سيُمكن الفلسطينيين من إيصال صوتهم وسيفرض القدس على طاولة النظام السياسي الفلسطيني وستكون في سُلم الأولويات وسيدفع لأن يأخذ المستوى السياسي هذه المدينة المقدسة في عين الاعتبار خاصة في ظل تسريب العقارات التي يقوم بها "مرضى النفوس" الخارجين عن العُرف والعَادة والمَنطق والدِين والدعوات المستمرة للمقدسيين بضرورة ملاحقة هؤلاء السماسرة الذين يحصلون على الغطاء من الجانب الاسرائيلي فلو كان هناك وزن للمقدسيين في مؤسسات السلطة المختلفة كالمجلس التشريعي، النظام السياسي، لتم اتخاذ اجراءات أكثر صرامة بحق هؤلاء في كل ما يخص حياة المقدسيين في هذه المدينة".
