ارتفعت نبرة الانتقادات المصرية والسودانية لاثيوبيا، وغابت بشكل واضح لغة الدبلوماسية في الرد على "التعنت الاثيوبي"، في جولة المفاوضات الأخيرة لوزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، التي استضافتها كينشاسا، والتي أعلنت القاهرة والخرطوم فشلها في إحراز أي تقدم.
وعلت نبرة اللجوء إلى "خيارات أخرى" لحماية الأمن القومي للبلدين، فيما تعاظم حديث المحللين والمراقبين البارزين عن العمل العسكري ضد اثيوبيا، وباتت التحليلات تتناول خيارات تنفيذ ضربة عسكرية تستهدف سد النهضة، ومآلاتها.
وانتهت مفاوضات كينشاسا بدون اتفاق بين الدول الثلاث على الآلية الرباعية التي اقترحها السودان وأيدتها مصر، بحيث يتم تشكيل لجنة من الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تمارس دور الوسيط وليس المراقب في مفاوضات السد.
وفور فشل المباحثات، أعلنت وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، أن بلادها طالبت الأمم المتحدة باستبدال الجنود الإثيوبيين الموجودين ببعثة "يونسفا" الأممية في منطقة آبيي الحدودية مع جنوب السودان، بجنود من جنسية أخرى.
وقالت: "ليس معقولا أن تكون هناك قوات إثيوبية في العمق الاستراتيجي السوداني في وقت تحشد فيه القوات الإثيوبية على حدود السودان الشرقية"، وأكدت أن توتر العلاقات مع إثيوبيا لن يمس اللاجئين الاثيوبيين في السودان.
وأوضحت أن اثيوبيا أبدت تعنتا غير مقبول في مفاوضات سد النهضة وأن قرارها بالملء التاني لسد النهضة مخالف للقانون الدولي، مشيرة إلى أن هناك مصالح كبيرة لاثيوبيا في السودان لابد أن تعمل على الحفاظ عليها.
وأكد السودان أن التعنت الاثيوبي يحتم عليه التفكير في "كل الخيارات الممكنة" لحماية أمنه ومواطنيه، بما يكلفه له القانون الدولي.
وذكر فريق التفاوض السوداني حول سد النهضة، أن اثيوبيا رفضت بإصرار كل الخيارات البديلة والحلول الوسطى التي تقدم بها السودان لمنح دور للشركاء الدوليين ممثلين في الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، في تسهيل التفاوض والتوسط بين الأطراف الثلاثة وأصرت على مواصلة التفاوض بنفس النهج القديم الذي تم تجريبه منذ يونيو 2020 دون جدوى، وألا يتابع المفاوضات سوى مراقبين يكتفون بالاستماع ولا يحق لهم التقدم بأي فكرة أو مقترح لمساعدة المتفاوضين.
وأكد السودان، خطورة الاجراءات الاحادية الجانب خاصة بعد تجربة الملء الأول في يوليو الماضي التي ألحقت أضرارا فادحة بالسودان تمثلت في شح مياه الرى والشرب حتى في العاصمة الخرطوم، عندما احتجزت اثيوبيا 3.5 مليار متر مكعب من المياه خلال اسبوع واحد فقط دون إخطار السودان مسبقا، في حين أنه من المتوقع تخزين 13.5 مليار هذا العام حسب الخطط المعلنة من الجانب الاثيوبي، وشدد السودان على أن هذا الأمر "مهدد حقيقي لا يمكن قبوله".
أما وزير الخارجية المصري سامح شكري، فأكد أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات والخيارات المتاحة للحفاظ على مصالحها.
وصرح السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بأن جولة المفاوضات التي عقدت في كينشاسا، لم تحقق تقدم ولم تفض الى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات، حيث رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونجو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث، ورفضت إثيوبيا كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الإنخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.
كما رفضت إثيوبيا مقترحا مصريا تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونجولي وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك قدر المرونة والمسئولية التي تحلت بها كل من مصر والسودان، ويؤكد على رغبتهما الجادة في التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الطرح مما أدى إلى فشل الاجتماع في التوصل لتوافق حول إعادة إطلاق المفاوضات
وأضاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن هذا الموقف يكشف مجدداً عن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية وسعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية، وهو نهج مؤسف يعيه المفاوض المصري جيدا ولا ينطلي عليه.
وأكد السفير أحمد حافظ أن مصر شاركت في المفاوضات التي جرت في كينشاسا من أجل إطلاق مفاوضات تجري تحت قيادة جمهورية الكونجو الديمقراطية وفق جدول زمني محدد للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً حول سد النهضة، إلا أن الجانب الإثيوبي تعنت ورفض العودة للمفاوضات، وهو موقف معيق وسيؤدي إلى تعقيد أزمة سد النهضة وزيادة الاحتقان في المنطقة.