"الخليج أون لاين": رغم الرفض الأردني القاطع لتطبيق فكرة "الكونفدرالية" بين الضفة الغربية المحتلة والمملكة الهاشمية، فإن السلطة الفلسطينية لا تزال تلعب بالأوراق المبعثرة لتلك الفكرة الحساسة، وتحاول إعادة تسويقها حلولاً يمكن قبولها خلال الفترة المقبلة في حال طُرحت رسمياً.
هذا الملف الشائك عاد للواجهة من جديد بعد تصريحات "مثيرة للجدل" صدرت على لسان سفير السلطة في موسكو عبد الحفيظ نوفل، الذي أكد موافقة السلطة وجاهزيتها للتفاوض مع الأردن حول الكونفدرالية معه، في تجاوز للخط الأحمر الذي وضعه الملك الأردني، حين صرح بأن "الكونفدرالية خط أحمر بالنسبة للأردن".
تصريحات نوفل ليست وحدها التي تؤكد موافقة السلطة المبطنة على الكونفدرالية، بل سبقه الرئيس محمود عباس، حين كشف في فبراير الماضي عن تلقيه عرضاً من الإدارة الأمريكية لإنشاء الكونفدرالية مع الأردن.
وقال خلال لقائه وفداً إسرائيلياً من حركة "السلام الآن" برام الله: "إن خطة الكونفدرالية طرحها جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره، والمبعوث الخاص للرئيس جيسون غرينبلات"، مضيفاً أنه سيوافق على مقترح كهذا شرط أن تكون "إسرائيل" جزءاً من تلك الكونفدرالية.
وأضاف عباس: "سألوني إذا كنت مؤمناً بفيدرالية مع الأردن، قلت: نعم، أريد كونفدرالية ثلاثية مع الأردن ومع إسرائيل. وسألت إذا كان الإسرائيليون يوافقون على ذلك".
مواقف السلطة المترنحة، والتي تميل أكثر نحو الموافقة على الكونفدرالية، في ظل حمى "صفقة القرن" التي بدأ تنفيذ بنودها قبل طرحها، خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين، أثارت حولها الكثير من علامات الاستفهام حول الدور الخفي الذي تقوم به داخل الخطة الأمريكية ومهمتها في تعبيد الطريق لطرحها.
وفي أول تعقيب رسمي من حركة "حماس"، يقول القيادي فيها والنائب في المجلس التشريعي، مشير المصري: إن "مواقف السلطة الفلسطينية المتمسكة بالكونفدرالية مع الأردن مؤشر خطير للغاية، وغير وطني يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وإضاعة الحقوق".
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، يوضح أن تصريحات نوفل تؤكد أن السلطة لها دور مشبوه في صفقة القرن الأمريكية، وماضية في تعبيد الطريق لطرحها رغم خطورتها واستهدافها مباشرة كل الحقوق والثوابت، ومحاولتها تضييعها لمصلحة المحتل الإسرائيلي.
وشدد القيادي في حركة "حماس" على أن فكرة الكونفدرالية مع الأردن مرفوضة تماماً ولا يمكن القبول بها تحت أي وضع كان، والسلطة الفلسطينية تتساوق الآن مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية لشطب حق عودة اللاجئين بشكل نهائي وضياع هويتهم.
ولفت إلى وجود إجماع من كل الفصائل والقوى الفلسطينية على رفض مشروع الكونفدرالية وفكرة الوطن البديل، معتبراً تمسك السلطة بهذا الأمر طعنة للأردن، ومؤشراً خطيراً وتساوقاً مع كل التحركات الخبيثة التي تتجه نحو تصفية المشروع الوطني.
وأكد أن فلسطين هي أرضنا الأبدية، وأي مشاريع للتهجير وقتل حق اللاجئين ستقابل برفض فلسطيني كبير، حتى إن كان عباس وسلطته موافقون عليه، مطالباً الفصائل بما فيهم حركة "فتح" بالتنديد والتبرؤ من تصريحات نوفل وأي فلسطيني يتمسك بقضية "الوطن البديل".
ورسمياً أعلن الأردن رفضه للفكرة المطروحة من قبل الولايات المتحدة حول إقامة "كونفدرالية" مع الضفة الغربية، مشدّداً على أهمية بناء الدولة الفلسطينية وفق حدود 1967.
ومشروع "الكونفدرالية" بين الضفة والأردن لم يكن جديداً على الفلسطينيين؛ إذ يعتبر عباس من أول وأكثر الشخصيات المؤيدة لهذه الفكرة، والذي كان يطرحها دائماً في عدة مناسبات.
ويُفهم من مصطلح "الكونفدرالية" بأنها إطار سياسي ومؤسّساتي تندمج فيه عدة دول مدفوعة برغبة في تسيير مشترك لبعض المصالح دون أن تتخلّى أي منها عن أي جزء من سيادتها الوطنية، وإنما يقتصر الأمر على تفويض بعض الصلاحيات ومجالات التسيير للإطار الكونفدرالي؛ مثل الاقتصاد والمالية والجمارك.
تعبيد طريق صفقة القرن
كايد الغول، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أكد رفض حركته القاطع لمشروع الكونفدرالية، معتبراً أن التساوق مع هذا الطرح يخدم المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، ورميهم في أوطان بديلة.
وأضاف الغول في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن الكونفدرالية من المخططات الخطيرة التي تحاك ضد القضية الفلسطينية، والموافقة عليها في ظل الظروف الحالية يعد تعبيداً لطريق لصفقة القرن، التي لم ير منها الفلسطينيون حتى اللحظة إلا المزيد من التنازلات لمصلحة "إسرائيل".
واعتبر موافقة السلطة على الفكرة تجاوزاً للحق الفلسطيني في أرضه، وتعميقاً للانفصال بين الضفة وغزة، ولا يجوز تمريرها، خاصة أن هناك قرارات رسمية صدرت عن المجلسين المركزي والوطني، برفض الكونفدرالية بشكل قاطع وتحت أي ظرف كان قبل قيام الدولة الفلسطينية.
وعن توقيت طرح هذه التصريحات، أجاب الغول: "التصريحات خاطئة وفي غير محلها وتحرج الأردن، وتوقيتها سيئ خاصة في ظل حُمى صفقة القرن التي اجتاحت المنطقة وتتماشى الدول العربية معها".
وعن الجانب الأردني، استنكر أمين عام حزب الوحدة الشعبية الأردني، سعيد ذياب، تصريح سفير السلطة، وقال: "إن حديث السلطة عن استعدادها للتفاوض على كونفدرالية التفاف على الحق الفلسطيني ويخلق أرضية لتمرير صفقة القرن، وهو وسيلة لتبرير وتسويق المخططات المعادية".
وأضاف في تصريح صحفي له: "تصريحات عباس وسفيره بموسكو عن الكونفدرالية التفاف على الحق الفلسطيني ووسيلة لتبرير انخراط البعض في صفقة القرن"، مشدداً على أن موقف الأردن واضح بأنه لا يريد كونفدرالية، لكن موقف السلطة يتناقض مع كل القرارات التي اتخذت، والحديث الآن عن جهوزية السلطة للتفاوض بشأنها يعد مدخلاً لقبول ما هو مطروح من الإدارة الأمريكية بصفقة القرن.
في حين رأى المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل أن مثل هذه التصريحات تشكل خطوة إيجابية لـ"إسرائيل" والإدارة الأمريكية للمضي قدماً في مخططهما الأكبر لتدمير القضية.
وأوضح لـ"الخليج أونلاين" أن القضية تمر بمرحلة حساسة، ومثل تلك التصريحات "غير المسؤولة" سيكون لها تأثير سلبي على الأردن وإحراج لموقفه الثابت في هذا الأمر.
وتابع حديثه: "مثل تلك التصريحات تؤكد موافقة السلطة المبطنة على مشروع الكونفدرالية، وأن هذا الخيار يمكن المناقشة فيه حتى إن لم تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، وذلك يعطي مؤشراً بأن القادم سيكون خطيراً ويحمل مفاجآت كبيرة".
يذكر أن فكرة "الكونفدرالية" طُرحت منذ سنوات، ولكن هذا المرة الطرح الأمريكي المحدَّث يحث السلطة الفلسطينية على هذه الخطوة، وسيتم تشكيل ضغوطات كبيرة على الأردن لقبول هذه الكونفدرالية.