حسن نافعة: هزيمة إسرائيل ممكنة وإيران ليست ليبيا (حوار)

12:23 م ,16 يونيو 2025

في حوار شامل من سلسلة حوارات "كيف تدير القاهرة ملفاتها الإقليمية؟" يتحدث الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والرئيس الأسبق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة، حول مستجدات الساحة الإقليمية الملتهبة، في ظل تصاعد العدوان الصهيوني وامتداده من غزة ولبنان إلى ضرب إيران، فجر 13 يونيو الجاري، وما أعقبه من رد إيراني، وسط ترقب دولي وإقليمي وعربي.

دعا نافعة إلى مقاومة العرب للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة، والبحث عن كل الذين لهم مصلحة في مقاومة هذا المشروع وفي مقدمتهم ايران، مشددًا على أن هزيمة إسرائيل ممكنة، وأن نهضة العالم العربي لن تقوم إلا إذا كان هناك مشروع عربي مقاوم للمشروع الصهيوني.

اقرأ ايضا: ايران تدك إسرائيل فجرا: تصعيد غير مسبوق يزلزل المنطقة

وتوقع نافعة ألا تصبح الولايات المتحدة الدولة المؤهلة لقيادة النظام العالمي في المرحلة القادمة، لذلك يدعو العرب إلى فتح الباب أمام علاقات قوية ومتينة مع دول الجنوب ككل، الدول الكبرى في الجنوب كالبرازيل، والهند، وأيضًا مع الصين ومع روسيا.

فإلى نص الحوار..
ضربة غير متوقعة

في البداية، كيف تقرأ هذا المشهد المحتدم بين طهران وتل أبيب؟

الضربة الإسرائيلية لإيران متوقعة، وأي متابع لما يجري على المسرح الإقليمي منذ فترة طويلة كان بإمكانه أن يدرك أنها قادمة لا محالة، وخصوصًا بعد أن تمكنت إسرائيل من تحييد حزب الله أو إخراجه من معادلة مساندة ما يجري في قطاع غزة، بعد سقوط النظام السوري وبعد ترك حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في الحرب وحدها.

كان نتنياهو يدرك جيدًا أن إيران هي رأس محور المقاومة و"رأس الأفعى" كما كان يسميها دائمًا. وبالتالي، كان هدفه الأساسي منذ وصوله للسلطة لأول مرة سنة 1996 أن يستهدف إيران باعتبارها تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ولذلك كان يسعى باستمرار لانتهاز فرصة لضرب إيران بغرض استئصالها، لأنه مهما حقق من انتصارات في مواجهة ما يسميه أذرع إيران في المنطقة، ففي النهاية، الرأس هو المستهدف ويجب أن يصل إليه، كما يريد.

فوجئت إسرائيل بانطلاق طوفان الأقصى واستمرت الحرب لأكثر من 18 شهرًا، ما دفع نتنياهو إلى الانشغال بحماس وفصائل المقاومة في غزة أولًا، ثم محاولة استئصال ما يسميه الأذرع الإيرانية، ثم يحاول الآن التركيز على إيران.

وكانت اللحظة سانحة، بعد أن دخلت إيران في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يبدو أن طهران استرخت قليلًا، رغم معرفتها باستعداد إسرائيل لتوجيه ضربة لإيران، ولكن يبدو أنها تصورت أن هذه الضربة لن تتم إلا إذا انتهت المفاوضات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لن تحدث الضربة. ولذلك من الواضح أن إيران فوجئت بالضربة، واستغربت كثيرًا في أن يتواجد عدد كبير من القادة العسكريين في نفس المبنى وأن يتم، استئصالهم في الضربة الإسرائيلية الأولى.

بيت العنكبوت

هل إسرائيل لا زالت بيت العنكبوت كما كانت تطلق عليها أدبيات محور المقاومة خاصة أن كثير من المراقبين صُدموا من "الاختراق الصهيوني" لطهران في هذه الضربة؟

الذي أطلق على إسرائيل "بيت العنكبوت" هو المرحوم حسن نصر الله، وليس إيران. وحسن نصر الله كان يتعامل أو يعتبر إسرائيل أنها أوهن من بيت العنكبوت، وكانت رسالته واضحة وهي: "لا تبالغوا في القوة الإسرائيلية وأنه يمكن هزيمة إسرائيل".

لم يكن يقصد نصر الله أن إسرائيل ضعيفة بالمعنى المباشر، ولكن كان يقصد أن إسرائيل قابلة للهزيمة، وأن الهزيمة تبدأ في النفوس، بمعنى، إذا هُزمت أنت وتصورت أن العدو الذي يحتل أرضك غير قابل للهزيمة، فمعنى ذلك أن الهزيمة بدأت من رأسك أنت، وأن الهزيمة مسألة وقت.

كلنا يدرك أن إسرائيل قوية وأن الولايات المتحدة تقدم لها كل ما تريد من سلاح، وأن إسرائيل دولة متقدمة تكنولوجيًا إلى آخره، ولكن نصر الله ومحور المقاومة كانوا يريدون أن يرفعوا من روح المقاومة، عبر خطاب معنوي يؤمن أن إسرائيل دولة أو كيان قابل للهزيمة، وبالتالي علينا أن نستعد لها وأن هزيمتها ممكنة.

من الواضح، أن هناك اختراقات إسرائيلية لإيران، خاصة مع وجود انقسام داخلي في طهران، وتنوع إثني وطائفي يمكن من خلاله اختراق إيران من الداخل.

هذا معروف والنظام الإيراني يعرفه ويتحسب له، لكن لم يتوقع أحد أن تتمكن إسرائيل في أول ضربة لها وفي ظل هذا الاستعداد الدائم من جانب إيران. لدرجة أن البعض تصور أن إيران انتهت عسكريًا وأنها تواجه نفس المصير الذي واجهه حزب الله في لبنان.

الرد الإيراني

ما تعليقك على سرعة الرد الإيراني والذي يراه البعض مختلفًا نوعا ما؟

لقد استطاعت إيران أن تلملم نفسها بسرعة وترد. وبالتالي، فإن رد إيران بهذه القوة معناه أننا في بداية مواجهة طويلة الأمد.

وأرى أن أي مواجهة بين إيران وإسرائيل، موازين القوى فيها ترجح لصالح إيران وليس لصالح إسرائيل. وبالتالي، كل الذين يتعجلون هزيمة إيران أعتقد أنهم تسرعوا كثيرًا. فعلينا أن ننظر إلى الأمر وكأن المعركة بدأت بالفعل، لكننا أمام بداية لتغيير منطقة الشرق الأوسط، ونحن مقبلون على احتمالات متعددة.

النموذج الليبي

ما أبرز هذه الاحتمالات؟

هناك أسئلة رئيسية في الأفق: هل تظل الحرب منحصرة بين إيران وإسرائيل؟ هل تدخل الولايات المتحدة طرفًا في هذه الحرب؟ هل تتوقف المفاوضات الإيرانية الأمريكية وبالتالي تحقق إسرائيل هدفها؟ وإلى أي مدى كانت الولايات المتحدة مستعدة لأن تبرم اتفاقًا مع إيران؟

لاحظ أن إسرائيل كانت باستمرار أحد أهدافها الأساسية تخريب المفاوضات، وهذا بعيد عن فكرة تقييم أن المفاوضات الإسرائيلية الأمريكية كانت جادة من عدمه. كما أظن أن إيران كانت تدرك أن الولايات المتحدة تريد استئصال البرنامج النووي وأيضًا البرنامج الصاروخي، ولم تكن إيران مستعدة بأي شكل من الأشكال أن تقدم للولايات المتحدة ما قدمته ليبيا من قبل.

وبالتالي عندما يتحدث نتنياهو عن أن الخيار الوحيد المطروح أمام إيران هو النموذج الليبي، بما يعني أن تفكك إيران كل برنامجها النووي بما في ذلك التخصيب بنفس الطريقة التي فككت ليبيا برنامجها النووي، فهذا أمر لم يكن واردًا على الإطلاق. إيران تعتبره خطًا أحمرًا ومسألة سيادية لن تدخل في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

هنا البرنامج النووي مختلف. فإيران عضو في الوكالة الدولية للطاقة، وتشارك في معاهدة حظر الانتشار النووي، وبالتالي ملتزمة بسلمية البرنامج، لكن المعاهدة تعطي لإيران حق التخصيب في مستويات منخفضة، حتى مستويات أعلى بكثير من المنصوص عليه في الاتفاق الذي خرج منه ترامب.

إيران دولة قوية

البعض يزعم أن إيران باتت هي أوهن من بيت العنكبوت أم أن الرد العسكري فجر السبت 14 يونيو ضد إسرائيل أسقط تلك المزاعم؟

لا بالطبع. إيران دولة مهمة في المنطقة، ودولة قوية. عانت كثيرًا من العقوبات الأمريكية التي فُرضت عليها، لكن لاحظ أن إيران لديها نظام عقائدي ورؤية للتنمية، ومن الواضح أنها حققت إنجازات مهمة.

من الصعب جدًا أن تجد دولة في العالم تُفرض عليها هذه العقوبات بهذا الكم، وتنجح في الوقت نفسه في الوصول للفضاء وأن تكون لديها مركبة فضائية وأقمار صناعية، وتتحقق في الميدان السيبراني وفي التصنيع.

ورغم أن العقوبات الأمريكية أضعفت إيران، كان يمكن لإيران أن تكون أقوى من هذا بكثير لو لم تُفرض عليها العقوبات، ولكنها استطاعت أن تتفلت من بعض الأضرار الناجمة عن هذه العقوبات بالدخول في شراكة استراتيجية إلى حد ما مع روسيا ومع الصين ومع دول أخرى مقاومة للولايات المتحدة.

أنا لا أخفيك سرًا، كنت قلقًا جدًا بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، لأنه في نهاية المطاف، مهما كانت تحفظاتنا على السياسة الإيرانية، ومهما كانت تحفظاتنا على بعض الأمور كاحتلال إيران للجزر الإماراتية أو بعض الخلافات في المواقف العربية أو اختراق بعض الدول العربية. لكن إيران دولة متجذرة في المنطقة ولا بد أن تُحل هذه الخلافات بالطرق السلمية.

وبالتالي، كل من يقف في الخندق المقاوم لإسرائيل، بما في ذلك إيران، يحقق مصلحة عربية حتى ولو لم تكن تلك هي إرادته الحقيقية، وأنا أنظر إلى إيران في هذا السياق. وعندما شاهدت كيف استطاعت إيران أن ترد على الضربة، ذهب قلقي لأن هذا معناه أولًا، أن إيران لديها الإرادة والوسائل للمقاومة، وبالتالي لم تتمكن إسرائيل من إزالة كل التهديد أو معظمه.

نحن أمام ضربة تكاد تعادل الضربة الإسرائيلية الأولى. لم ير المواطن في إسرائيل أنه كيان مهدد أو هش بهذه الطريقة. طبعًا ليس لدى إيران من الوسائل التكنولوجية ما يمكنها من الوصول إلى القادة الإسرائيليين وقتل هؤلاء القادة إلى آخره. لكن سقوط الصواريخ على تل أبيب بهذه الطريقة وهدم الأبراج، هذا لم يحدث في تاريخ إسرائيل على الإطلاق منذ 1948 وحتى هذه اللحظة.

إيران أثبتت من خلال هذه الضربة أن إسرائيل هشة، وأنها ليست بهذه القوة، وأن كل القبة الحديدية بطبقاتها المختلفة لم تستطع أن تمنع الصواريخ الإيرانية.

لا أستبعد أن تتمكن إيران من إخراج أسلحة أخرى متطورة ربما تشكل مفاجأة.

إجمالًا، الرد الإيراني أعطاني الانطباع بأن إيران بدأت تتماسك وتقاوم، وأن الضربة الأولى لم تهزها هزة كبيرة ولم تقضِ عليها. فلسنا أمام ضربة مماثلة مثلًا لضربة الطيران المصري في 1967، هذه مسألة مختلفة تمامًا. استطاعت إيران أن تستوعب الضربة وأن ترد بضربات. الحرب قائمة وفي بدايتها، لكن علينا أن نتوقع أنها سوف تمتد طويلًا.

مشاركة أمريكية

كيف ترى الموقف الأمريكي في مشهد العدوان الصهيوني على طهران؟

يستحق أن نتوقف عنده ببعض التحليل، لأن الولايات المتحدة طرف أساسي في الحرب. هي التي تعطي إسرائيل الأدوات، بحيث تجعلها لديها إف-35 التي منعتها عن العرب جميعًا، كما أن إسرائيل لديها قبة حديدية لم تتمكن أي من الدول العربية أن تنال منها.

الاستراتيجية الأمريكية، سواء من يحكم الولايات المتحدة ديمقراطي أو جمهوري، هي أن تكون إسرائيل في موقف أقوى بكثير من كل الدول العربية مجتمعة ومن كل الدول المحيطة مجتمعة بما فيها إيران.

وحتى من منظور المواقف السياسية، لاحظ أن الولايات المتحدة مرة أخرى ورغم حرب الإبادة الجماعية ورغم التجويع ورغم المجزرة الإسرائيلية التي ترتكب، والإبادة الجماعية الحقيقية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، استخدمت الفيتو لصالح إسرائيل ضد 14 دولة عضو في مجلس الأمن.

وبالتالي، فيما يتعلق بإيران فهي شريك أساسي. وأنا لا أستبعد أن تكون الولايات المتحدة تواطأت في عملية التعمية الاستراتيجية لصالح إسرائيل، عبر الإيحاء بأن تل أبيب لن تقدم على ضربة إلا بعد أن ينتهي التفاوض، وتحديد موعد للجولة السادسة من المفاوضات في مسقط.

وتم اخطارها بالضربة ولم تمنعها. هذا معناه أن الولايات المتحدة أعطت لإسرائيل الضوء الأخضر، وبالتالي شاركت في خطة التعمية، قبل توجيه إسرائيل الضربة الاستباقية العدوانية.

حرب إقليمية متوقعة

هل ستظل الولايات المتحدة على هذا النحو؟

حتى هذه اللحظة، تقول الولايات المتحدة أنها سوف تدافع عن إسرائيل إذا تعرضت للعدوان. وبالتالي نتوقع أن تشارك الولايات المتحدة في حماية إسرائيل مثلما شاركت في صد الضربات الإيرانية السابقة.

واحتمالات التطورات مفتوحة على هذه الأبواب: أن تدخل الولايات المتحدة شريك في الحرب، وأن تشترك من خلال القواعد العسكرية الموجودة في الدول العربية، وبالتالي أن تتعرض الدول العربية للضرب، وبالتالي تتوسع الحرب لتتحول إلى حرب إقليمية.

هذه سيناريوهات مفتوحة، لكن أعتقد أن الصين وروسيا تحاولان "فرملة" هذا الاتجاه.

كما أن الدول العربية تحاول أن تطرح من نفسها وسيطًا، لا تريد أن تُستخدم قواعدها لضرب إيران، وبالتالي تحاول أن تحمي نفسها وأن تعطي لإيران الأمان. وهذه التأكيدات والضمانات فقط حتى لا تسمح للأدوات العسكرية الأمريكية أن تتحرك من أراضيها. لكن لا تضمن أمريكا في جميع الأحوال.

الظاهرة الترامبية

كيف ترى مواقف ترامب منذ قدومه رئيسًا إلى اليوم؟

ترامب ظاهرة وليس شخصًا. فهو يعبر عن تيار داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدأ يشعر أن العولمة لا تلعب لصالحه، وأنها أدت إلى نزوح عدد كبير من الصناعات إلى خارج الولايات المتحدة، وأنها أصبحت دولة مفتوحة لكل أنواع المهاجرين، وفي طريقها لأن تفقد هويتها البروتستانتية وهويتها البيضاء، تحت زحف الملونين من كل مكان، وبالذات المهاجرون من دول أمريكا اللاتينية. وبالتالي هناك إحساس بالخطر. هذا محور.

المحور الثاني، أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة مدينة في العالم. لديها ديون تصل إلى 37 تريليون دولار، وهذا يمثل تقريبًا 140% من الدخل القومي الأمريكي. وبالتالي لولا أن الدولار يهيمن على العملات في العالم، لما استطاعت الولايات المتحدة أن تصمد حتى هذه اللحظة، فأمريكا تطبع الأوراق المالية ويتحمل العالم بأكمله هذه التكلفة.

هناك عنصر آخر وهو أن هناك دول زاحفة تصل إلى قمة النظام الدولي وتنافس الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي، وأهمها الصين.

هذه الأسباب كلها هي التي دفعت إلى الظاهرة الترامبية للظهور، وهي التي جعلت رجلًا مثل ترامب يصعد تحت شعار "أمريكا أولًا"، ثم يفرض على الصين ودول صديقة للولايات المتحدة، رسوم جمركية، ويدعو شركائه في حلف الناتو إلى الدفع أكثر في تحمل أعباء الدفاع عن أنفسهم ويطارد المهاجرين إلى آخره.

كل هذا وغيره يُحدث تناقضات داخلية هائلة جدًا، آخرها كان ما يحدث مثلًا في لوس أنجلوس التي كادت أن تتحول إلى حرب أهلية. فبعض الولايات مثل كاليفورنيا وغيرها تبحث عن الانفصال عن الولايات المتحدة.

أمريكا تواجه أزمة تتعمق بالتدريج، ولن يكون ترامب هو الحل. ولن تستطيع شعارات "أمريكا أولًا" والسياسات التي يستخدمها ترامب حاليًا أن تكون حلًا للولايات المتحدة الأمريكية.

مواقف مصر

في هذا السياق، يأتي السؤال المركزي في سلسلة حواراتنا، كيف تدير مصر ملفاتها الإقليمية في ظل ذلك الواقع المعقد؟

لا أفضل أن أتحدث عن السياسة المصرية.

كنصيحة، ماذا يجب أن تفعل؟

مصر وزنها يتآكل، ليس اليوم فقط.

وزنها يتآكل منذ حرب 1973، للأسف الشديد، فبعد نهاية الحرب تصرف السادات ليس من منطلق الدفاع عن المصالح المصرية العليا، وإنما من منطلق الدفاع عن مصالحه الشخصية خليفة لعبد الناصر.

كانت لدى السادات ما يسمى بـ "عقدة عبد الناصر" ومارس سياسات تتناقض تمامًا مع التي مارسها سلفه، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.

لو نظرت إلى المستوى الخارجي، وتصورت أن عبد الناصر هو من قاد مصر أثناء حرب أكتوبر 73، كان من الاستحالة أن يذهب إلى الطريق الذي ذهب إليه السادات، سواء في زيارته للقدس أو توقيع معاهدة سلام منفصلة، وبالتالي تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية لمدة سنوات طويلة.

باختصار، أزمة مصر هي الانسلاخ المصري عن العالم العربي الذي بدأ من خلال التوقيع على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل، ما أضعف وزن مصر كدولة، وأضعف العالم العربي، وأيضًا علاقة مصر بالعالم العربي. ومنذ ذلك التاريخ بدأ العالم العربي بالتفكك.

لو كانت مصر دولة قوية بالطريقة نفسها، ما احتل صدام حسين الكويت في أوائل تسعينيات القرن الماضي. ودعني هنا أتطرق إلى مقارنة توضح ما أعنيه، في عهد عبد الناصر - الذي لي مآخذ كثيرة عليه - وبالتحديد في عام 1963، حاول عبد الكريم قاسم أن يضم الكويت، فتدخل عبد الناصر وقاد النظام العربي كله لوقف هذه العملية. كان ممكنًا وقتها أن تندلع حرب، لكن تدخل الرئيس المصري حال دون ذلك. أما ما لم يُوقف في التسعينيات، فقد انتهى بنا إلى حرب الخليج الأولى.

قد أكون مخطئًا في تحليلي، لكن أنا أظن أن وزن مصر في العالم العربي تآكل منذ ذلك التاريخ، والسؤال هنا: هل تعمل مصر بكل إمكاناتها وقواها العميقة؟

أزمتنا هي إدارة الأمور بأهل الثقة والولاء وليس أهل الخبرة. مع غياب أي آلية للرقابة أو المحاسبة، وبالتالي نحن في اتجاه أقل ما يقال عنه أنه ليس الاتجاه الذي يعبر عن المصالح الوطنية العليا. أيضًا، هناك أزمة كبيرة في غياب الحرية والأحزاب السياسية الحقيقية، غير سجناء الرأى، الذين تُقيد حريتهم لكتابة تغريدة أو تبني موقفًا مختلفًا. لابد من تقوية الداخل لأنه بداية تقوية السياسة الخارجية لمصر.

إذا لم تنجح في إقامة نظام سياسي مدعوم على مستوى الرأي العام، فلن تستطيع أن تستخدم سياسة خارجية تحقق المصالح الوطنية.

جامعة الدول العربية

هناك طرح قبل أيام عن نقل جامعة الدول العربية إلى بلد عربي آخر، قيل السعودية، واستبدال قيادة مصر للجامعة بدولة أخرى.. ما تعليقك؟

للأسف الشديد، جامعة الدول العربية لم يعد لها أي وزن.

وطالما أن العالم العربي منقسم على نفسه بهذه الطريقة، فجامعة الدول العربية كانت وتظل ضعيفة. لم يحدث في تاريخ الجامعة العربية أن أصبحت على ما هي عليه من ضعف، فهو أمر غير مسبوق في تاريخها. وبالتالي الجدل المثار هو مجرد قضية جوفاء.

يتسابقون على منصب أمين عام جامعة الدول العربية الذي يكاد يكون منصبًا شرفيًا، ليس له أي وزن أو تأثير أو قيمة، وحتى لو أُلغيت الجامعة العربية فلن يتغير شيء، بل بالعكس، لو انتهت تكون هناك حاجة مُلحة كي تتحرك دول عربية لإقامة نظام بديل ربما يكون أكثر فعالية.

كما يجب أن نتنبه إلى مسألة هامة، فليس هناك أي ارتباط في كل تجارب العالم بين دولة المقر وبين أمانة المنظمة الدولية، فالأمم المتحدة مقرها في نيويورك ولم يحدث أبدًا أنه كان السكرتير العام أمريكي في أي وقت. هذه معركة وهمية ورمزية لا أكثر ولا أقل، ولا يجب أن تصبح مصر طرفًا فيها.

على مصر أن تطرح فكرة أو تقود إصلاح الجامعة العربية. ولو تطلب إصلاح الجامعة العربية وجود دورية للأمانة العامة، واختيار الأمين العام من دول مختلفة تتعاقب، فهذا أفضل لمصر وأفضل للجامعة. وإذا كان هذا شرط لإصلاح الجامعة، فعلى مصر ألا تعترض طريقه، وهذا يحقق مصلحة مصرية وعربية.

نظرية جديدة للأمن الإقليمي

في حوار سابق مع فكّر تاني، دعا الباحث السياسي هشام جعفر لحوار جاد بين مصر والسعودية، والإمارات، وتركيا، وإيران لوضع نظرية جديدة للأمن الإقليمي.. كيف ترى مثل هذه الفكرة في هذا التوقيت؟

أنا ضد هذا. لا يجب إذابة الجامعة العربية في أي نظام إقليمي آخر، وعلينا أن نميز بين النظام العربي والنظام الإقليمي.

تماسك النظام العربي مهم ومطلوب لإقامة نظام إقليمي فعال، وبدون أن تقيم نظامًا عربيًا قويًا لن تستطيع أن تقيم نظامًا إقليميًا. وبالتالي الإصلاح يبدأ من إصلاح النظام العربي أولاً ثم يدخل بعد ذلك في حوارات مع الدول الإقليمية، وبالذات مع تركيا ومع إيران، لكي يكون للنظام الإقليمي العربي امتداداته.

يجب أن نحقق الأمن القومي العربي أولًا، ثم ندخل مع الأطراف الإقليمية في حوار لتقيم نظامًا إقليميًا يحقق الأمن للمنطقة ككل.

يثار الجدل حول الصعود الإماراتي السعودي في المنظومة العربية، وهل هو خصم من مكانة مصر وقيمتها أم أنه مفيدًا مع حدوث تكامل في هذه الفترة؟

لا أنظر إلى المصلحة المصرية بطريقة شوفينية أبدًا. يهمني مصلحة العالم العربي ككل.

من يستطيع القيام بدور لتأمين المصلحة القومية العربية العليا عليه أن يتقدم. فإذا كانت المصلحة العربية العليا تتحقق من خلال دور قيادي تقوم به دولة ما في هذا التوقيت فلتتقدم هذه الدولة، ولو كان الدور القيادي في العالم العربي أو الدور الذي يحقق الأمن القومي العربي يتطلب تجمعًا عربيًا من دول وازنة مثل مصر والسعودية والجزائر مثلًا، لم لا؟ يجب أن يكون هناك تنوع حتى تحافظ على العالم العربي.

هنا يجب التأكيد على أن التأثير ليس بالضرورة أن يكون ماليًا. السعودية تملك والإمارات تملكان المال، لكنهما يفتقدان إلى عناصر قوة كثيرة جدًا، ولا يستطيعان قيادة العالم العربي بهما فقط.

إذا كانت قيادة العالم العربي تتطلب تنسيقًا مختلفًا على مستوى محدود، فليكن مصر مع السعودية، ركنين أساسيين، مع ملاحظة أن تكون سوريا حاضرة كدولة مهمة جدًا في العالم العربي.

الوضع السوري

بمناسبة ذكر سوريا كيف ترى الوضع الراهن؟

لابد أن نستعيد سوريا المناضلة غير المرتبطة بالمشروع الإسرائيلي، سوريا التي تعبر حكومتها عن مصلحة الشعب السوري بكل تنوعاته وليس عن فصيل أيديولوجي أوإثني أو ديني أو هوية طائفية.

سوريا الآن أقرب إلى الطائفية، والانقسام والتجزئة. وعلى العالم العربي أن يهتم بما يجري في سوريا وأن يساعدها على أن تصبح فيها حكومة ممثلة لكل الشعب السوري. هذا مطلوب، لكي تعود سوريا إلى الحضن العربي الحقيقي ولكي تصبح سوريا فاعلة.

سوريا والعراق دولتان محوريتان في المواجهة القادمة مع المشروع الصهيوني.

إذا تصور البعض أن نهضة العالم العربي لا تكون إلا بالتسوية السياسية مع إسرائيل فهو واهم. نهضة العالم العربي لن تقوم إلا إذا كان هناك مشروع عربي مقاوم للمشروع الصهيوني.

يسأل البعض: لماذا لا يشعر النظامين السعودي والإماراتي بقلق من التفوق الإسرائيلي ومشروعه في المنطقة.. برأيك لماذا؟

يجب أن تشعر مصر بالقلق، وأن تشعر السعودية بالقلق، وأن تشعر الإمارات بالقلق. وأي دولة عربية لا تشعر بالقلق من المشروع الصهيوني فهي تخدع نفسها وتخدع العالم العربي ولن تحقق أمن مواطنيها ولا أمن العالم العربي. آن الأوان للقلق والاستفاقة.

إسرائيل لا تعتبر التسوية ممكنة، وما يجري في غزة وما جرى في لبنان وفي سوريا وما يجري الآن مع إيران، يجب أن يدفع العالم العربي للاستفاقة من أوهامه لأن دولة الاحتلال تريد إزالة الشعب الفلسطيني من الوجود، وضم كل أراضيها، ولن تكتفِ إسرائيل بضم الأراضي الفلسطينية، فلها أطماع في سيناء، وفي الجولان، ولبنان، والأردن.

بالتالي، على العالم العربي أن يفيق لأنه لم يقرأ الصراع العربي الإسرائيلي جيدًا، و لم يقرأ المشروع الصهيوني جيدًا. وآن الأوان أن تعود النخبة السياسية والفكرية في العالم العربي إلى قراءة جديدة للمشروع الصهيوني.

في الختام.. إلى أين يذهب الإقليم وإلى أين تذهب المنطقة؟ هل أنت متفائل؟

القضية ليست قضية تفاؤل أو تشاؤم.

نحن في مرحلة دقيقة من تطور العالم العربي، وأيضًا في مرحلة دقيقة من تطور النظام الدولي.

النظام الدولي في حالة سيولة تامة، ولا نستطيع فصل مستقبل النظام الإقليمي العربي أو الإقليمي الأوسع عن النظام الدولي. علينا أن ندرك أن الولايات المتحدة لن تكون هي الدولة المؤهلة لقيادة النظام العالمي في المرحلة القادمة.

وعلينا أن نفتح الباب أمام علاقات قوية ومتينة مع دول الجنوب ككل، والدول الكبرى في الجنوب: البرازيل، والهند، وأيضًا مع الصين ومع روسيا.

اقرأ ايضا: إيران تبدأ "الرد الساحق" وتطلق أكثر من 100 صاروخ تجاه إسرائيل

لابد أن يساهم العالم العربي في تشكيل النظام الدولي الجديد الذي لن يكون نظامًا أمريكيًا. وبالتالي علينا أن نقاوم المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة، وأن نبحث عن كل الذين لهم مصلحة في مقاومة هذا المشروع إذا أردنا أن نبقي على المصلحة القومية العليا.

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com