"ويلي منك يا حجر".. حكايات عن معاوية (6)

12:58 م ,02 مايو 2025

بقلم: عادل نعمان

لم يكن اعتراف «معاوية» ببنوة زياد لأبى سفيان، واستلحاقه ونسبه إلى بنى أمية شقيقًا له، إلا صفقة سياسية بين زياد ومعاوية، وكان عرابها بامتياز «المغيرة بن شعبة» والى معاوية على الكوفة، فلم يكن لأهل فارس والعراق وضبطهما إلا «زياد بن أبيه»، فهو لها، وهو قادر على إخماد نار كل المتمردين على معاوية: خوارج، وشيعة، ومن ينكر أو يتبرأ من بيعته، والكارهين والساخطين على حكمه. فسار فى الناس بالعنف والشدة، وعاقبهم على نواياهم، وأهدر دماء من عارض ومن استنكر، وشرع للناس ما لم يشرعه دين أو حاكم قبله أو بعده، حتى أصبح الأب الشرعى لكل من انتهك حرمات الناس، وأرّق مضاجعهم، وأسرف فى دمائهم، وألبسهم لباس الخوف، وأذلهم، وأذاقهم سوء العذاب. وكان الحجاج بن يوسف الثقفى أشد المخلصين له ولمدرسة العنف التى أسسها زياد.

وكان من تشريعات زياد ما جاء على لسانه فى «الخطبة البتراء»، من أشهر الخطب فى التاريخ وأكثرها بلاغة ورصانة، وسميت كذلك «لأنه لم يبدأ بحمد الله والثناء عليه كما كان متبعًا فى فن الخطابة»، وفيها من العقوبات ما لم يعرفها غيره، وكانت ردًا منه على جرائم المجرمين، وانتهاب المنتهبين، وترويع المروعين، وكانت متفشية وشائعة فى البصرة، حتى ضج الناس منها، وهددت الرعية فى أرواحها وأموالها وأعراضها.

وجاء فى الخطبة البتراء: «فمن أحرق قومًا أحرقناه، ومن أغرق قومًا أغرقناه، ومن نقب -ثقب أو خرق- على قوم بيتًا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرًا دفناه حيًا فيه». وجاء فى الخطبة: «وإنى أقسم بالله لآخذن الولى بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصى، والصحيح منكم بالسقيم».

وزياد أول من شرع حظر التجوال، فمن خرج ليلًا من بيته قُتل، وفعلها فى كل من تجاوز أو ارتكب جرمًا فى حق غيره، فدانت له الأرض، وسلّم الناس أمرهم فيه لله.

ولما مات «المغيرة بن شعبة» والى الكوفة، ضمها معاوية إلى زياد، لتكون أسوأ حظًا ونصيبًا من البصرة، ويرى أهلها ما كان يسوم زياد أهل البصرة سوء العذاب، ويزيد.

أما عن القشة التى قصمت ظهرى زياد ومعاوية معًا، فقد كان فى قتل «حجر بن عدى الكندى»، ويقع ذنبه عليهما معًا، حتى إن الرواة قد زادوا وعادوا فى ندم معاوية على قتله، وظلت تطارده روحه فى منامه أينما حل أو ارتحل، حتى رحل معاوية عن دنياه لا يحمل همًا أكثر من هم هذا الرجل، وفى لحظات موته كان يردد: «ويلى منك يا حجر، فإن لى معك يومًا طويلًا».

«وحجر بن عدى الكندى» من أنصار «على بن أبى طالب»، حارب معه موقعة الجمل ضد طلحة والزبير، وصفين ضد معاوية، والنهروان ضد الخوارج. إلا أنه بعد صلح «الحسن ومعاوية» الذى استنكره ورفضه، قد بايع معاوية كغيره بيعة إكراه، وظل حجر على حبه لعلى وآل بيته، ولم تمنعه بيعة معاوية من معارضته وبغضه لسيئاته هو ووُلاته كزياد بن أبيه وسمرة بن جندب نائبه، والمغيرة بن شعبة، ولم يخلع رغم هذا ربقة البيعة أو يشق عصا الطاعة على معاوية.

وبعد مقتل الحسن بالسم، وما صاحبها من شبهة الشك فى معاوية، وثقة الغالبية أن له اليد الطولى فيها، ونقل «وكالة الشيعة» التى بدأت تظهر إلى «شقيقه الحسين» على ميثاق الولاء لآل البيت ومحبتهم، فقد طفت معارضة الشيعة على السطح، وقد كان زعيم المعارضة البارز هو «حجر بن عدى الكندى».

وضاق «المغيرة بن شعبة» فى حياته من معارضة «حجر» ونهوضه عليه فى خطبه، وتحرّج «زياد» أيضًا من خروج «حجر» على «سمرة بن جندب» نائب زياد على الكوفة، وكان سمرة قائمًا بأعماله عليها حين يكون «زياد» فى البصرة، حتى وصلت المعارضة مداها «لزياد» حين هم زياد بدفع دية رجل من أهل الذمة قتله مسلم، ورفض أهل القتيل الحكم، وطالبوا بالمساواة فى القصاص، وأصر حجر على الاستجابة لولى الدم، واستجاب زياد مكرهًا لطلب حجر، وتم إعدام القاتل، وأسرها زياد فى نفسه.

وقد كان «حجر» أيضًا يبدى لمن يلعن عليًّا على المنابر استهجانًا شديدًا، ومناهضة تصل إلى إجبار من يسب عليًّا على النزول عن المنبر، وقد كان واجبًا مفروضًا على المصلين والأئمة فى عهد معاوية أن يلعنوا عليًّا على المنابر، ولما ضاق زياد من حجر، رفع أمره إلى معاوية.

وكان من اللازم أن يشهد جماعة على حجر ورفاقه بأنهم فارقوا الجماعة، وشقوا عصا الطاعة، واغتابوا معاوية، وجمعوا فى هذا شهادة الكثير من أبناء الصحابة والمهاجرين، وقيل إنهم قد أضافوا شهادة شهود قد أنكرها أصحابها فيما بعد، ولم يعرف أحدهم شيئًا عنها، وسيقوا جميعًا إلى معاوية فى دمشق، وقُتل حجر بن عدى الكندى ورفاقه دون جريرة أو ذنب، وبلا بينة قاطعة، اللهم استخدم حقه فى النهى عن المنكر الذى ارتكبه وُلاة الأمر من أولهم حتى معاوية نفسه.

«الأسبوع القادم: بيعة يزيد».

(الدولة المدنية هى الحل).

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com