زياد ابن أبيه.. حكايات عن معاوية

06:00 م ,13 ابريل 2025

كتب: عادل نعمان

هل يصل الدهاء بمعاوية أن يلحق «زياد ابن أبيه» إلى أبى سفيان بن حرب، ويعترف به أخا وشقيقًا من صلب أبيه؟ وهل كان سرا بين معاوية وأبوسفيان لم يطلع عليه أحد منذ ولادة زياد حتى شب عن الطوق وأصبح يهدد ملك معاوية فكشف السر؟ وهل من حق الابن أن يعترف ببنوة أبيه نيابة عنه وبعد موته حتى لو اعترف له بذلك؟ إلا إذا كان هو الخليفة «والدفاتر دفاترة» والدواوين تحت إمرته وسلطانه!! سؤال ربما نرد عليه بنعم، فالمصلحة غالبة، خصوصا حين تكون الخلافة مهددة من زياد!!
وتعالوا إلى الحكاية من أولها: كانت العرب تسمى مجهول الأب «ابن أبيه» وكان أمرا شائعًا، وأم زياد اسمها «سمية» كانت جارية «الحارث بن كلدة» فى الطائف، ولد فى السنة الأولى للهجرة، وقيل إن أبا سفيان قد اعترف لعلى بن ابى طالب بأن «زياد» ابنه من «سمية» التى وطأها وعاشرها حين كان فى زيارته إلى الطائف، إلا أنه كان يخشى عمر بن الخطاب إن اقر بذلك، وقيل فى أخرى إننه قد اعترف لابنه معاوية، وأغلب الظن أنه كان من صلب عبد رومى مملوك لصفية بنت عبيد زوجة الحارث بن كلدة، وجاءتنا الرواية على هذا النحو، المهم أنه عمل كاتبا فى ديوان الولاية مع «أبوموسى الأشعرى» حين كان واليا على البصرة فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وأعجب به «عمر» لذكائه وعلمه بحسابات الولاية، وظل فى مكانه هذا مدة ولاية عمر وعثمان.

فى عهد على بن أبى طالب أمرّه على «فارس وكرمان» وأضيفت له البصرة حين نهب عبدالله بن عباس بيت مالها وترك خليفته وفر إلى أخواله فى مكة. بعد مقتل «على» امتنع زياد عن بيعة معاوية وتحصن فى فارس وأقام فيها هو وأتباعه، واتخذ قلعة «زياد» سميت باسمه حصنا آمنا له، وأحبه قومها هناك وجمع حوله أنصار ومؤيدون عظام، وقد كان معه المال الوفير الذى يضمن له الولاء والاستقرار والقوة والمنعة، وذاع صيته وكرمه وسخائه فى فارس فتمسكوا به، وامتنع عن بيعة معاوية وأظهر له هذا، بل وحشد أنصاره حوله وقد أزعج معاوية ذلك. ولما طالبه معاوية بخراج فارس لم يستجب له بل شق عصا الطاعة عليه، فأشار «بسر بن ارطأة» على معاوية وكان واليه على البصرة بالقبض على أبناء زياد «ثلاثة ذكور» وإرغامه على البيعة ودفع الخراج، وفعلها «بسر» وسجن أبناء زياد الثلاثة، إلا أن معاوية تراجع عن هذا الفعل حين واجهه الصحابى أبوبكرة «أخو زياد من الأم» وأنبه حين قال له «إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال» فأمر معاوية بإطلاق سراح الأولاد الثلاثة وتسليمهم إلى زياد.

ونذهب إلى «المغيرة بن شعبة» والى معاوية على الكوفة كان بينه وبين زياد صلات قوية ودودة، فقد أنقذ زياد «المغيرة» من إقامة حد الزنا عليه فى عهد بن الخطاب، حين تلجلج «زياد» فى الشهادة عليه فى واقعة زنا، وفلت المغيرة من إقامة الحد على الرغم من شهادة الثلاثة الآخرين وأثبتوا الواقعة عليه، وكان منهم «أبو بكرة» أخو زياد من أمه «سمية». فتوسط المغيرة بين معاوية وزياد على حيلة نسب زياد إلى أبى سفيان، ووجدها معاوية فرصة أن يلحقه بأبيه ويعترف به أخا وشقيقا، فيأمن شره ويضيفه إلى أنصاره، ويضمه إلى بنى أمية، ووجدها زياد فرصة أن ينتسب أصله إلى بنى أمية عن عبد رومى من العبيد، حتى وإن كان اعترافا بأنه ابن سفاح، فإن هذا الشرف كفارة عن هذا العار «فكليهما يدرك مصلحته جيدا، معاوية يثبت الخلافة ويأمن شره، وزياد ينتسب لأصل أكثر شرفا من سابقه».

وقد كان هذا الاستلحاق «أى اعتراف معاوية بأن زياد أخ له» ضد رغبة بنى أمية، فاستنكروه، إلا أن معاوية كان له من الحيل والدهاء والتهديد والوعيد وكرم اليد ما يُظهر القبول والرضا، مهما كانت حدّة الإنكار والمعارضة. وكان هذا الرفض وهذا الإنكار من نصيب «أبو بكرة» أيضًا، وهو أخو زياد من أمه «سمية»، واستقبح أن تكون أمه قد زنت مع أبى سفيان، وإن كان هذا شرفًا لزياد، إلا أن وصمة الزنا عار لا تمحوه الأيام.

إلا أن الوضع الجديد قد فتحت له الأبواب واستقرت الأمور لكل الأطراف، وأصبح زياد بن أبيه نصيبه من الشرف نصيب معاوية.

وهذا الاستلحاق قد أبغضه الكثيرون وأعرضوا عنه، فمنهم من رأى أن أبا سفيان لم ينل من سمية شيئًا، وعلى رأسهم ابنها الصحابى «أبو بكرة»، ومنهم من رأى أن مرة واحدة وطئ فيها سمية أو نالها حين زار الطائف لا تؤكد حملها منه، ومن رأى أن له أبًا من فراش، وهو العبد الرومى الذى كان فى خدمة «صفية بنت عبيد» حين كانت سمية جارية عند زوجها «الحارث بن كلدة» فى بيت واحد، أو حتى سيدها نفسه، وهو الأقرب، وليس أبا سفيان.

ولحكاية زياد ابن أبيه أو ابن أبى سفيان بقية الأسبوع القادم.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com