الفرار نحو معبر رفح.. سكان غزة بين ويلات الحرب واستغلال المحتالين

02:32 م ,10 يناير 2024

100 يوم مرت على العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المحاصر، ووسط ضربات إسرائيلية عنيفة تطال جميع أنحاء القطاع، تتزايد معاناة النازحين ما دفع بعض العائلات في غزة للفرار من الحرب حتى لو دفعت كل ما تملك.

مساعي الفرار من الحرب، والخروج من القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، دفع البعض نحو الوقوع في فخ شبكات احتيال واستغلال و"تجار حروب".

ويواصل جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 23 ألف فلسطيني 70 % منهم من الأطفال والنساء، وفقًا لآخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة.

وتفرض إسرائيل حصارًا شاملاً على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.

وبفعل حربها البربرية على القطاع، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من حلفائها الغربيين لوقف الهجوم العسكري في غزة الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي المكتظ بالسكان، كما أدى القصف الإسرائيلي إلى دفع الفلسطينيين للنزوح بكثافة نحو المدن الحدودية.

وأمام معبر رفح، تتوقف محاولات النزوح حيث لا يخرج منه سوى أعداد قليلة، مقارنة بنحو 2.1 مليون فلسطيني بات أغلبهم في مناطق قرب الحدود.

وفي ضوء ذلك، تتهم السلطات المصرية، إسرائيل بالعمل على تهجير السكان إلى صحراء سيناء "لتصفية القضية الفلسطينية"، وهو ما تعتبره القاهرة "خطًا أحمر".

وتعالت منذ بداية الحرب في أكتوبر الماضي، المقترحات من مسؤولين إسرائيليين، بتهجير الفلسطينين من القطاع، الأمر الذي لقى انتقادات دولية وإقليمية قوية.

ومع التشديد المصري والأردني على منع التهجير، يواجه الغزيون واقعًا صعبًا، حيث تحدث البعض عن تعرضهم لـ"الاستغلال" في إطار سعيهم لوضع أسمائهم أو أسماء أقاربهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بمغادرة القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.

تداعيات الحرب وويلاتها، جعلت من سكان القطاع الراغبين في الخروج، صيدًا سهلًا للمتاجرين بالحرب الذين يطلبون آلاف الدولارات من أجل إدراج أسمائهم على قوائم المغادرين من غزة بواسطة المعبر.

ويطلب ما يطلق عليهم "منسقين، مبلغًا يتراوح بين 5 و8 آلاف دولار للفرد، ويزيد المبلغ المطلوب في بعض الحالات، وقد لا يتمكن الشخص من العبور، حتى لو كان اسمه على القائمة.

ولا يفرق هؤلاء "المتاجرون" بين طفل رضيع عمره عام ومصاب، بل يتم استغلالهم بشكل أكبر من الأشخاص العاديين الذين يمكنهم الصبر لفترة أطول، وفي روايات وتجارب بعض سكان القطاع.

ومع تداول تلك الروايات، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، "مزاعم التحصيل الرسمي لأي رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".

وقال رشوان - في بيان - : "بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، قد تداولت في الأيام الأخيرة ادعاءات كاذبة تتعلق بما يتم تحصيله من رسوم على المسافرين عبر منفذ رفح من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، معتمدة على مصادر مجهلة وفردية ودون أي توثيق لها".

ونفى رشوان بشكل قاطع، مزاعم التحصيل الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية". 

وأوضح البيان أن "ما يتم تحصيله من الجهات الرسمية هو فقط الرسوم المقررة طبقًا للقوانين المصرية المنظمة لعمل المعبر من قبل هيئة الموانئ البرية، وهي ثابتة ولم تطرأ عليها أية زيادة مطلقًا".

وناشد البيان الفلسطينيين "في حال تعرضهم للابتزاز أو الضغط في معبر رفح، من أي متربح بقضيتهم الإخطار الفوري للجهات الأمنية المصرية المتواجدة في المعبر،  لاتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة والفورية تجاه هذه الوقائع والقائمين عليها".

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن أكثر من 80 بالمئة من سكان القطاع نزحوا داخليًا، فيما تضررت 60 بالمئة من المباني.

وتقول السلطات الصحية في غزة إن العمليات العسكرية الإسرائيلية أدت إلى استشهاد أكثر من 23 ألف شخص، وأجبر أغلب السكان على ترك من منازلهم، وحوّل مناطق كبيرة من القطاع إلى أنقاض.

وكان البرلماني المصري السابق الباحث، سمير غطاس، قد أثار جدلا في ديسمبر الماضي، حينما تحدث عما وصفه بـ"تحكم" الجانب الإسرائيلي في تحديد إمكانية عودة المصريين المقيمين في غزة، إلى بلادهم، وذلك بفحص جوازات سفرهم التي تصلهم من الجانب المصري.

لكن وزارة الخارجية المصرية، نفت ذلك سريعا، وقالت إن مكتب التمثيل المصري لدى السلطة الفلسطينية في رام الله والقطاع القنصلي بوزارة الخارجية، يتلقيان "الأسماء والوثائق الخاصة بالمواطنين الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، حيث يتم إعداد كشوف تفصيلية بها لموافاة السلطات المصرية المعنية بها، تمهيداً لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصري والفلسطيني، لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية".

لكن وفق الشهادات من القطاع، فإن هناك عائلات نجحت بالفعل في إخراج بعض أفرادها من القطاع، بينما بقي أقارب لهم من حملة الجنسية المصرية عالقين، نظرًا لعدم حصولهم على الموافقة اللازمة للخروج.

وفي ظل الموت المنتشر في غزة والحرب المدمرة، أصبح الأفراد في وضع "محاولة البقاء على قيد الحياة"، وفق المرأة المقيمة في مصر والتي تحدثت لموقع الحرة، لافتة إلى أن ذلك دفع أفراد العائلة الواحدة للتخلي عن بعضهم البعض في محاولة للنجاة.

وقالت: "أعرف مجموعة أقارب يعيشون في غرفة واحدة، استيقظ بعضهم ليجد عددا منهم اختفى دون أي سبب يذكر، ليكتشفوا لاحقا أنهم وجدوا طريقا للخروج بدفع أموال لوسطاء".

واعتبر محللون مصريون، تحدث إليهم موقع الحرة، أن "كل ما يثار عن القضية عبارة عن ادعاءات".  وقال الإعلامي محمد مرعي مدير المرصد المصري لموقعنا إن "مصر ليست طرفا بالادعاءات الكاذبة ولا علاقة بها على الإطلاق"، وإن "التحقق منها يجب أن يكون بعيدا عن مصر". 

وأضاف أن "خروج مزدوجي الجنسية الفلسطينيين يتم بالتنسيق مع الدول التابعين لها سواء أمريكا أو فرنسا و غيرها، وهناك دور للجانب الإسرائيلي من أجل فتح ممرات آمنة لحين وصولهم إلى المعبر". 

وعاد مرعي ليشدد بعد سؤاله عن شهادات المرأتين وتقرير سابق نشرته صحيفة "الغارديان" على أن "الادعاءات ليس الهدف منها سوى تشويه الدور المصري في القضية الفلسطينية وتسويق أخبار باطلة بأن السماسرة لهم صلات بالمخابرات المصرية". 

وأوضحت السيدتان الفلسطينيتان، لموقع "الحرة"، أنه في ظل فقدان المواطنين لمنازلهم وأموالهم وأفراد من أسرهم، يجدون أنفسهم أمام وضع يضطرون فيه إلى دفع كل ما يملكون من أجل الخروج فقط من القطاع، علما أنهم لن يمتلكوا ما يساعدهم على العيش في مصر أو غيرها من الدول.

وقالت إحداهما: "الناس فقدت بيوتها ومحلاتها وكل حياتها، ما يحدث حرام. لي أقارب في غرب مدينة غزة حيث كان التجار وأصحاب المحال يعيشون حياة كريمة، خاصة أن المنطقة كانت بمثابة العاصمة، لكن كل المحال هدمت، ونزح الأهالي إلى الجنوب، وباتوا يدفعون كل شيء من أجل الخروج فقط".

وتابعت: "منزلنا احترق ومنزل أختي تضرر بالقذائف، وزوجها موظف بنك براتب جيد، يسعى حاليا لدفع كل ما يملك، وهو ما يعادل من 7 إلى 10 آلاف دولار للفرد، كي يخرج مع زوجته وابنه".

وأضافت: "الطفل عمره عام وتتم معاملته كشخص بالغ"، في إشارة إلى دفع الأموال لوسطاء مقابل إدراج الاسم على قائمة الخروج.

يذكر أن السيدتين اللتين تواصل معهما موقع الحرة لم ترغبا في الكشف عن أسمائهما لأسباب أمنية، حيث لهم أسر في القطاع يحاولون الخروج حتى الآن.

وقالت واحدة منهما، إن هناك عائلة تعرفها في شمال غزة كانت قد لجأت لكنيسة العائلة المقدسة، الكاثوليكية الوحيدة في غزة، التي شهدت مقتل سيدتين في ديسمبر "برصاص قناص إسرائيلي".

وحينها أصدرت البطريركية اللاتينية في القدس، بيانا جاء فيه: "ظهيرة يوم 16 ديسمبر 2023، اغتال قنّاص من الجيش الإسرائيلي سيّدتين مسيحيتين داخل رعية العائلة المقدسة في غزة حيث لجأت غالبية العائلات المسيحية منذ بداية الحرب" بين إسرائيل وحركة حماس.

ونقلت وكالة أنباء الفاتيكان عن الكاردينال، بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس اللاتيني، أن الضحيتين "امرأة مسنة" وابنتها.

وأشارت المرأة إلى أن العائلة التي لجأت للكنيسة، حتى في ظل امتلاكها للمال، لا يمكنه لأفرادها الوصول إلى الجنوب، خوفا على حياتهم من القوات الإسرائيلية.

ويحتاج الشخص في قطاع غزة إلى دفع الأموال لوسيط يمكن أن يكون تعرف عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، وتكون تلك الأموال بالدولار، وتمر الأموال عبر عدة أشخاص يمكن ألا يعرفهم الفلسطيني الذي يحاول الخروج من غزة.

وقالت السيدة الفلسطينية، المقيمة في الولايات المتحدة، إنه في بعض الأحيان يتم إنشاء صفحات على مواقع مثل "غو فاند مي" لنقل الأموال، وبما أنه من الصعب تأسيسه في مصر، يتولى ذلك شخص من خارجها، ليقوم بتأسيس الصفحة وإيداع الأموال لتصل إلى شخص في مصر، يتواصل مع الوسيط ويدفع له الأموال.

لكن مشكلة أخرى تظهر هنا، هي أن الأموال التي يطلبها الوسطاء تكون بالدولار، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل القيود المشددة التي تفرضها مصر على "العملة الصعبة".

من جانبها، أكدت الشاهدة الثانية، المقيمة في مصر، أن الوسطاء يرفضون حتى تزويد الراغبين في الخروج بصورة لهويتهم الشخصية أو معلومات عنهم، لكن يقرر البعض المغامرة أملا في الخروج، واعتمادا على أن الوسيط أخرج أشخاصا من قبل.

وواصلت: "المال يحتاج للتنقل بين أياد كثيرة ولا يمكن الثقة في الكثيرين، وأحيانا لا يوجد من يمكنهم المساعدة.. هناك مجموعات كثيرة على واتساب يحاول مئات المشاركين فيها مساعدة ودعم بعضهم البعض".

وأشارت إلى أنه أحيانا يدفع بعض الأشخاص "عربونا" تصل قيمته إلى 300 دولار للفرد، يطلبه المنسق كدليل على جديتهم في إتمام العملية، واعدا إياهم بإدراج أسمائهم على قوائم المغادرين، ثم يختفي تمامًا.

ولدى سؤالها عن الطريقة التي تتم بها عملية الدفع لأولئك "المنسقين"، أوضحت السيدة الفلسطينية التي تعيش في مصر: "يتم التواصل مع أحد هؤلاء في مصر، الذي يقوم بدوره بمنحنا رقم شخص في غزة يتلقى الأموال من الراغبين بالخروج"، لافتة إلى أنها لا تعلم طبيعة العملية التي تجري بين الاثنين (المتواجد في مصر والآخر في غزة).

كما لفتت إلى وجود "طريقة أخرى" لتسيلم الأموال لهؤلاء الوسطاء، وهي الاتفاق على موقع لقاء في العريش، حيث يحضر الوسيط ويستلم الأموال باليد".

وعما إذا كان تسليم الأموال يتم قبل أو بعد وضع الأسماء على قائمة المغادرين، أوضحت أن الأمر يختلف من وسيط لآخر، مشيرة إلى أن بعضهم يطلبون "عربون".

وإلى جانب دفع الأموال مقابل الخروج، ذكرت السيدة بضعة أمثلة لأشخاص خرجوا مجانا لعلاقاتهم مع مسؤولين كبار في مصر يساعدونهم في هذا الصدد.

وخلال حديثها لموقع الحرة، أوضحت إحدى السيدتين أنه بعد تخطي كل تلك العقبات وإدراج أسماء الأشخاص بالفعل على قوائم المغادرة، تشكل صعوبة التواصل عائقا آخر أمام إعلام الشخص أنه أصبح مخولا بالخروج من القطاع.

ويحاول الفلسطينيون في غزة التغلب على ذلك، بنشر قوائم الأسماء على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر مجموعات خاصة على تطبيق "واتساب" وغيره، ليعلم الحاضر الغائب.

وفي هذا الصدد، نوهت المتحدثة بأنه نظرا لأن أهالي غزة يعرفون بعضهم البعض، فهم يعلمون بمجرد رؤية القوائم من خرج لأنه دفع ومن خرج لأنه يحمل جنسية أخرى، وأولئك الذين يخرجون بسبب السن أو صعوبة حالتهم، في إشارة إلى أن ذلك دليل على حدوث عمليات رشى.

وعن حالة بعينها، قالت فلسطينية تواصل معها موقع الحرة: "صديقتي رياضية، لكن ساقها بترت وهي في غيبوبة، أليست أولى بالخروج حتى لو كان ذلك بدفع أموال؟.. يتم استغلال المرضى بصورة أكبر بسبب ظروفهم".

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com