وإذ حفل العمل الموسوعي الذي أنجزه نواف الزرو بصبر وأناة يُغبط عليهما, يدعمه كمّ كبير من الوثائق والاعترافات والشهادات الصهيونية, هادفاً توثيقه تاريخياً، فكرياً، ثقافياً، تربوياً وتعبوياً من أجل الأجيال والذاكرة الوطنية والقومية. ما يسهم بالتأكيد في الحؤول دون تعميم «الزهايمر» السياسي الفلسطيني–العروبي. كي تبقَى فلسطين القضية والشعب في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي، فإذا بأجزائه الثلاثة وفصول كلّ جزء منها، إضافة إلى المقدمة القانونية للدبلوماسي والأكاديمي المتقاعد الدكتور عيسى رباح، فضلاً عن الملاحق والملف المُلون الذي احتوى مشاهد وصور مُروّعة, للمجازر الصهيونية المفتوحة ضدّ نساء وأطفال فلسطين، تأخذ القارئ المُتمعن والمدقق في كلّ ما أورده المؤلف, وهو الأسير المُحرّر الذي قضى أحد عشر عاماً في سجون الاحتلال، والمتحدث والقارئ باتقان للغة العبرية، إنّما يستمِده من مصادره الأصلية، إن لجهة ما أوردته الصحافة والدراسات الصهيونية المنشورة أم تلك «القليلة» التي تمّ الكشف عنها, بعد رفع السرية عنها، فيما بقي ما لم تُرفع السِرية عنه وهو كثير ومرعب, يدرك الصهاينة أنّه سيصيب الرواية الصهيونية المزعومة في الصميم، وبخاصّة عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي بدأت قبل قيام الكيان الغاصب والتي لم تتوقف حتّى الآن, وباتت تأخذ شكل الإعدام الميداني للسكان الأصليين في فلسطين التاريخية.
من الصعوبة بمكان تلخيص أو الإتيان على مُجمل فصول المجلد الموسوعي، ليس فقط لأن سرديّته مبنية على منهج تراكمي ببعد تاريخي دقيق, وإنّما أيضاً لأنّ التفاصيل التي انطوت عليه فصوله لن تكون على درجة مقبولة من الوضوح, إذا تمّ اقتباس جزء منها وتُرِك الباقي, حينها ستبدو مُقتطفات مُتباعدة لا توصِل المعلومة/الفكرة..كاملة, ولا تُحقق هدف الوصول للمشهد المقصود تصوّره والتمعّن فيه.
ولعلّ التوقف عند الجزء الثاني من المجلد الذي حمل عنوان «أرشيف المجازر الدموية الإبادية الصهيونية ضد الشعب العربي الفلسطيني, قبل وخلال احتلال فلسطين عام ١٩٤٨ وبعدها وحتّى الآن»، يَسلب القارئ توازنه ويحقنه بجرعة مزيدة من الغضب, إزاء محاولات شرعَنة الكيان الغاصب والتطبيع معه ودمجه في المنطقة, وهوالذي لم تتوقف جرائمه الوحشية وارتكاباته الدموية منذ مئة عام حتّى الآن، ويُواصل قادته الإعلان بصفاقة وغطرسة وشعور بفائض قوة استمدّوها من رعاتهم الإمبرياليين..قديمهم والحديث، أنّهم ماضون في تهويد وأَسرَلة كلّ فلسطين, عبر سنّ قانون القومية الذي يُعرِّف إسرائيل بأنّها «دولة يهودية وأنّ تقرير المصير فيها هو حقّ للشعب اليهودي وحده»، فيما لا ينظرون لسكانها الأصليين سوى أنّهم بدرجة «المُقيمين» في وضع مؤقت, ينتظرون الفُرصة والظروف الملائمة لتهجيرهم خارج فلسطين التاريخية.
سِجلّ النكبة وبانوراما السطو الاستعماري الصهيوني المسلّح على فلسطين، الذي وثّقه الأستاذ نوّاف الزرو بتفاصيل وشهادات وملاحق واعترافات وشروحات ضافية, في مُجلّده الموسوعي الموسوم «الهولوكوست الفلسطيني المفتوح"جدير بالاقتناء والقراءة. إذ صدرَ حديثاً عن دار مجدلاوي للنشر والتوزيع في عمّان, ويُضاف بالطبع إلى أزيد من ٢٥ مؤلفاً للصديق الباحث بدأب ومثابرة, والمتخصص في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي. لا مبالغة في القول أنّه باحثٌ «فرْد", بحجم مركز للدراسات.. يعجّ بالموظفين والباحثين المتخصّصين. ــ الراي
* كاتب فلسطيني
Nzaro22@hotmail.com
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com