اقرأ ايضا: رسالة إلى الشعب الإسرائيلي وداعميه
حمل تقديم أوراق اعتماد السفير السعودي للرئيس الفلسطيني يوم الثلاثاء الماضي، كسفير فوق العادية غير مقيم في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكقنصل عام في القدس، القلق للفلسطينيين، خصوصاً وأنه الأول من نوعه منذ قيام السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في العام ١٩٩٣. جاء دخول السفير السعودي إلى الأراضي الفلسطينية بمصادقة سلطات الاحتلال، التي تسيطر فعلياً على معابر فلسطين، كما أن امتلاك السعودية لقنصلية في القدس، كان قبل احتلال المدينة المقدسة في العام ١٩٦٧، لكن المدينة الآن تخضع بالكامل تحت سلطة الاحتلال.
ويزيد من ذلك القلق الفلسطيني، سماح السلطات السعودية منذ أشهر وبشكل متصاعد لوفود رسمية إسرائيلية بدخول أراضي المملكة، وهي مبادرات درجت دول التطبيع العربي مع الاحتلال على اتخاذها، على رأسها الامارات والمغرب، قبل الانخراط الفعلي باتفاقيات التطبيع. وكانت السلطات السعودية قد وضعت عقبات أمام حصول وزير الخارجية الاسرائيلي ووزير التعليم على تأشيرات لدخول المملكة، للمشاركة في مؤتمر دولي فيها في شهر آذار الماضي. كما سمحت السعودية في العام الماضي بدخول رياضيين إسرائيليين لأراضيها، بجوازات سفر أخرى، للمشاركة في مسابقات دولية على أرضها. في حين دخل وزير السياحة الاسرائيلي أراضي المملكة يوم الثلاثاء الماضي، في أول زيارة رسمية معلنة لوزير إسرائيلي، والتي جاءت بالتزامن مع دخول السفير السعودي للأراضي الفلسطينية المحتلة. كما سبقها بيومين دخول وفد رسمي اسرائيلي للمشاركة في مؤتمر دولي. وسمح قبل ثلاثة أسابيع لوفد رياضي اسرائيلي بالمشاركة في بطولة رياضية دولية في المملكة. وسيزور وزير الاتصالات الاسرائيلي ورئيس لجنة الاقتصاد في الكنيست المملكة الاسبوع القادم. وكانت المملكة قد فتحت المجال الجوي السعودي للطائرات الاسرائيلية المدنية، خلال جولة جو بايدن في الشرق الأوسط العام الماضي.
يضاف إلى ذلك تصريحات ولي العهد السعودي غير الحاسمة، تجاه حل القضية الفلسطينية، خلال حديثه عن تفاعلات مفاوضات التطبيع مع الاحتلال، رغم أن التصريحات الرسمية السعودية، خصوصاً تلك التي صدرت عن وزير الخارجية السعودي والسفير السعودي الجديد في فلسطين جاءت حاسمة، وتعكس العدالة التي يتطلع اليها الفلسطينيون، بعد سنوات طويلة من الظلم وإنكار لحقوقهم المشروعة. وفي مقابلة للفضائية الأميركية "فوكس نيوز" مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكد في سياق حديثه عن اقتراب التطبيع مع الاحتلال، أن القضية الفلسطينية مهمة، وانه يتطلع لرفع المعاناة عن الفلسطينيين وحصولهم على حياة أفضل، دون الاشارة إلى مبادرة السلام العربية، أو إلى حل الدولتين، أو اشترط وقف الاستيطان. في حين شدد وزير الخارجية السعودي والسفير السعودي الجديد على تلك القواعد الحاسمة لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
ويمكن فهم شروط السعودية للتطبيع مع إسرائيل ضمن أهداف المملكة لتحقيق رؤيتها الطموحة لسعودية ٢٠٣٠، على رأسها تحقيق الثورة الاقتصادية، والتي ستتجاوز من خلالها المملكة عن مجرد الاعتماد على النفط. ويستلزم تحقيق تلك الثورة الاقتصادية انجاز عده أهداف أخرى أهمها؛ التزام المملكة بسياسة الحياد وعدم الانحياز لأي طرف في أي صراع؛ واتباع سياسة تصفير المشاكل مع دول المحيط؛ مع الاحتفاظ بتوازن القوى في المنطقة.
وتسير المملكة بتحقيق أهدافها بخطى صلبة واثقة، فسجلت المملكة نمواً في الناتج المحلي هي الأسرع بين دول مجموعة العشرين، ولعامين متتاليين، وتتطلع لأن تكون ضمن مجموعة ال ٧ او ال ٨ الكبار. كما أكد بن سلمان في مقابلته لـ "فوكس نيوز" أن المملكة لا تدعم طرف على حساب طرف في الحرب الروسية الأوكرانية، ولا تتخذ قراراتها في منظمة "ابيك بلس" الا وفق سياسة المنظمة ومصالح المملكة. كما أكد أن بلاده لم تنضم لتحالف بريكس، للموجهة مع واشنطن أو أي طرف آخر، وإنما لتحقيق مصالحها، خصوصاً وأن دول حليفة لواشنطن عضو في ذلك التحالف. وفي ما يتعلق بالجوانب الأمنية والاحتفاظ بتوازن القوى في المنطقة، فيبدو أنها تتحقق بشكل كبير في حال لبت واشنطن شروط المملكة لتحقيق التطبيع مع إسرائيل، والمتعلقة باتفاقية التحالف والأسلحة النوعية والقوة النووية السلمية، وترتبط بتهديد المملكة بأن "حصول ايران على سلاح نووي، يعني تلقائياً حصول المملكة على مثله".
ولا تصلح الثورة الاقتصادية الا اذا اقترنت بالهدوء والسلام، لذلك يعتبر ما أكده محمد بن سلمان في تلك المقابلة عن سعي بلاده لتصفير مشاكلها مع دول الإقليم، هدف من بين أهم أهدافها. وساهمت المملكة في عودة الأسد للجامعة العربية، وتطبيع علاقاتها مع إيران، ومساعيها لإنهاء الحرب في اليمن، كما لا تمانع بتطبيع علاقتها مع الاحتلال، وإن كانت المملكة لم تبادر الى ذلك وتضع شروط لتحقيقه. وارتباطا بالبند الأخير، قبل فترة وجيزة تم الكشف عن جهود تقودها السعودية وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بالتعاون مع مصر والأردن لاحياء العملية السلمية، واستضافت السعودية قبل أيام اجتماعا في نيويورك ضم تلك الأطراف في اطار تلك الجهود. ويزور أنتوني بلينكن الشهر المقبل الأراضي المحتلة، في اطار المساعي الأميركية لانجاز التطبيع بين إسرائيل والسعودية. اذن مبادرات احياء السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين تأتي بالتوازي مع مفاوضات التطبيع، بين المملكة وإسرائيل، وتلك المفاوضات تأتي ضمن مخطط طموح للمملكة بتصفير مشاكلها مع دول الاقليم، من بينها إسرائيل. فهل إسرائيل مؤهلة للسلام، وللتعاون مع دول المنطقة لتحقيق السلام الاقتصادي؟
في ظل هذه التصريحات الواضحة للسعودية، والتي تضع حل القضية الفلسطينية كأحد شروطها الأربعة لاتمام التطبيع مع الكيان المحتل، تعول حكومة الاحتلال على الولايات المتحدة أن تدفع ثمن ذلك التطبيع، بينما تتنصل هي من أي التزام يمكن أن يترتب عليها. وفي مشهد مستهجن، عرض رئيس وزراء الحكومة اليمينية الاسرائيلية أمام الجمعية العامة في دورتها ال ٧٨، يوم الجمعة الماضية، خريطة فلسطين كاملة مظللة باللون الأزرق، مطبوع عليها كلمة "إسرائيل"، في تجاهل تام للأراض التي احتلت في العام ١٩٦٧، وفي تحدٍ للمنبر الذي يقف عليه، وقد تبدو أيضاً رسالة للسعوديين، الذين يخوضون بالتزامن مفاوضات التطبيع مع الادارة الأميركية. قبل أيام، وفي تحد مشابه، أعلن نتنياهو عن نيته استكمال بناء جدار العزل العنصري على طول الحدود الشرقية مع الأردن، في تجاهل تام لحدود الدولة الفلسطينية مع الأردن، وبانسجام كامل مع توجهاته وحكومته بانكار حقوق الفلسطينيين، ومستقبل دولتهم. وتستمر حكومة الاحتلال في استكمال سياساتها الاستيطانية التوسعية بشراسة في الأراضي المحتلة، وممارسة القتل والاعتقال وسلب الأرض واقتحام المقدسات بشكل يومي.
تستمد المملكة العربية السعودية مكانتها السياسة المميزة انطلاقاً من اعتبار ديني في الأساس، بالاضافة للاعتبار الاقتصادي، ذلك الاعتبار الأساس الذي جعلها تحتضن الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، طوال تلك السنوات الماضية، كدولة قائد على المستوى العربي والاسلامي. ومن المفيد الاشارة إلى أن المملكة تبنت طريق الحل السلمي للقضية الفلسطينية منذ مؤتمر فاس عام ١٩٨١، والذي تبلور تدريجياً ووصل لمبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢، التي تضعها المملكة منذ ذلك التاريخ أساس لأي تطبيع قادم مع الاحتلال. وتوافقت السعودية مع مصر على ذلك الحل السلمي للقضية الفلسطينية، حيث سعت مع مصر، بعد توقيع الأخيرة على اتفاقيات كامب ديفيد للسلام عام ١٩٧٨، لحث القيادة الفلسطينية لتنبي هذا الحل.
وتشكل مفاوضات التطبيع التي تقودها الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية فرصة لمعرفة حدود واشنطن في إقناع إسرائيل لانجاز الصفقة، خصوصاً في ظل حاجة الإدارة الاميركية لعقد هذه الصفقة، قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة، ونية ورغبة إسرائيل بالتجاوزعن القضية الفلسطينية في اطار تلك الصفقة. وإن كان من الصعب على الولايات المتحدة الوصول مع الحكومة اليمينية الحالية لنتيجة مرضية للسعودية وللفلسطينيين في اطار حل القضية الفلسطينية. إن تمت الصفقة، وفق شروط السعودية، سيميل ميزان القوى في المنطقة لصالح المملكة، التي ستمتلك قدرة عسكرية جبارة، بمساعدة واشنطن، واقتصادية هائلة دون منافس في المنطقة، وتكنولوجيا نووية سلمية تنافس إيران، وإن بقيت إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي، لكن دون أن تنافس المملكة على صعيد الأهمية الاستراتيجية السياسية والاقتصادية.
* أكاديمية وكاتبة فلسطينية
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com