كيف سيُؤثّر تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب سلبًا على عَمّان؟

03:01 م ,24 سبتمبر 2023

منذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، تزايدت الجهود والتطلعات نحو تحقيق السلام والتطبيع مع الدول العربية المحيطة بها. لقد كان التطبيع العربي الإسرائيلي حلما طويل الأمد لقادة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. تجسد هذا الحلم في رغبتهم الدائمة في تعزيز العلاقات مع العرب، والتقارب السياسي والاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية.

قادة الحكومات الإسرائيلية ومؤيدي التطبيع تكمن في أهمية التطبيع كوسيلة لتحقيق السلام الإقليمي يرون أن التطبيع يساهم في تعزيز الاستقرار والأمان في المنطقة، ويخفف من التوترات السياسية والعسكرية بين الدول. يعتقدون أنه من خلال تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الفوائد الاقتصادية، يمكن بناء أسس قوية للتعاون الإقليمي وتعزيز الازدهار للشعوب في المنطقة.

يمكن أن يكون لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل آثار سلبية على الأردن، الدولة التي لعبت تاريخياً دوراً محورياً في الصراع الإسرائيلي العربي وديناميكيات الشرق الأوسط.

النفوذ المتضائل: عمل الأردن في كثير من الأحيان كوسيط وجسر بين إسرائيل والدول العربية الأخرى. ومع قيام المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، قد تتآكل مكانة الأردن الفريدة كوسيط. وهذا من شأنه أن يقلل من نفوذ الأردن في المفاوضات وقدرته على التأثير في عملية السلام، بل سيفقد الأردن أهم أوراقه.

تمييع الإجماع العربي: كان لدى العالم العربي منذ فترة طويلة إجماع حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي اتسمت به مبادرة السلام العربية. وقد يؤدي تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، إلى جانب دول عربية أخرى، إلى إضعاف هذا الإجماع. فالأردن يعتمد على التضامن العربي لتحقيق مصالحه الخاصة، والعالم العربي المنقسم قد يقوض استقراره وأمنه.

المخاوف الأمنية: للأردن حدود طويلة مع إسرائيل، وقد يؤدي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى زيادة النفوذ الإسرائيلي والوجود العسكري في المنطقة. وقد يثير ذلك مخاوف أمنية للأردن، مما قد يؤثر على أمنه القومي.

التحديات الاقتصادية: يوجد في الأردن عدد كبير من السكان الفلسطينيين، كما أن العديد من الأردنيين لديهم علاقات وثيقة مع الأراضي الفلسطينية. قد يؤدي التعاون الاقتصادي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل إلى إعادة توجيه الاستثمارات والتجارة بعيدا عن الأردن، ما قد يؤثر على الاقتصاد الأردني ويؤدي إلى تحديات اقتصادية.

العزلة الدبلوماسية: ظل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مناصراً لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحافظ على علاقات دبلوماسية وثيقة مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. إذا قامت المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون إحراز تقدم كبير نحو إقامة دولة فلسطينية، فقد يجد الأردن نفسه معزولاً دبلوماسياً أو يواجه ضغوطاً للتوافق بشكل أوثق مع الإجماع العربي، ما قد يؤدي إلى توتر علاقاته مع إسرائيل.

التحديات الداخلية: واجه الأردن تحديات داخلية تتعلق بالاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي. قد يؤدي تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل إلى تحويل الاهتمام الإقليمي والموارد بعيداً عن التحديات الداخلية التي يواجهها الأردن، ما قد يعيق جهوده لمعالجة القضايا المحلية الملحة.

ومن الجدير بالذكر أن تأثير التطبيع السعودي الإسرائيلي على الأردن معقد ومتعدد الأوجه. وفي حين أن هناك عواقب سلبية محتملة، فقد تكون هناك أيضا فرص للأردن للمشاركة بشكل بناء في الدبلوماسية الإقليمية والسعي لحماية مصالحه الخاصة في المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط. يتمتع الأردن بتاريخ من القدرة على التكيف في التعامل مع التعقيدات الإقليمية، وستكون قدرته على القيام بذلك في هذا السياق عاملاً رئيسا في تحديد التأثير الإجمالي لهذه التطورات على البلاد.

في الختام، يظل التطبيع العربي الإسرائيلي هدفا مرغوبا من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية. إلا أن تحقيق هذا الحلم يتطلب التعامل مع تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، بالإضافة إلى البحث عن حل للقضية الفلسطينية التي تظل جزءا لا يتجزأ من المعادلة.

 

*  إعلامي وسياسي أردني

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن ".

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com