رحيل القانوني البلجيكي ايريك دافيد المدافع عن فلسطين

07:08 م ,14 سبتمبر 2023

فقدت الاسرة الاكاديمية البلجيكية في مجال القانون قامة هامة على المستوى العلمي القانوني وعلى مستوى الدفاع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وفي المقدمة الشعب الفلسطيني، انه البروفسير ايريك دافيد، المختص في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي والذي غادر عالمنا في 31 أغسطس 2023 بعد صراع قصير مع المرض وكانت مسيرته العلمية تتمحور حول شعار كان يرفعه “قوة القانون وليس قانون القوة"

ولد دافيد في عام  1943،  تاركا خلفه مسيرة  مهنية طويلة غنية  ليس من السهل تلخيصها ، كما يكتب الصحفي  البلجيكي المتابع للشأن الفلسطيني في جريدة لوسوار ، لوس بودوان ، وهي سيرة مدونه في 31 صفحة ، يشير فيها الصحفي الى انضمام ايريك دافيد في 1968 ، كباحث في مركز القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة في عام  وبداية تدريسه  القانون الدولي ، و نشره بعد خمس سنوات  العديد من الكتب الأكاديمية، والتي أصبح بعضها مرجعًا في هذا الموضوع مثل: مبادئ قانون النزاعات المسلحة والقانون الجنائي الدولي ، عدا مشاركته الاكاديمية مع كثير من الجامعات في مختلف انحاء العالم ، وعضويته في  منظمة العفو الدولية، ورئاسته لمنظمة أوكسفام بلجيكا لعدة سنوات، وعمله  كمستشار، سواء للأمم المتحدة أو مجلس أوروبا أو الدول أو البرلمانيين أو المحامين أو المنظمات غير الحكومية، كما  مارس القانون الدولي العام كمحامي لعدة دول أمام محكمة العدل الدولية ،  وكان أستاذا  فخريا  منذ أكتوبر 2009،  في جامعة بروكسيل الحرة واستمر بتدريس قانون النزاعات المسلحة ونشره للدراسات القانونية والتي تم ترجمتها للعديد من اللغات العالمية .

و يقول رئيس الجمعية البلجيكية الفلسطينية، بيير غالاند في حديث لصحيفة "لوسوار"  البلجيكية: “بالنسبة لي، إيريك يجسد القانون الدولي وهو القانون الذي ساعد في صياغته ممارس ميداني عظيم، حيث قام بالعديد من المهام في الخارج"

ويذكر أستاذ القانون الدولي في جامعة بروكسيل الحرة  فرانسوا دوبويسون، والذي كان   تلميذا للبروفسير ايريك دافيد وللبروفسير  جان سلمون ، المتوفي  توفي في أيلول 2022 والذي كان  هو  الاخر  علما قانونيا معروفا ، دافع عن القضية الفلسطينية في حديث لجريدة " لوسوار " ايريك دافيد كان في بلجيكا "  أبو القانون المتعلق بالولاية القضائية العالمية هو الذي تسبب في سيل الكثير من الحبر منذ أكثر من عشرين عاما".

وللتذكير فانه بموجب هذا القانون والذي تم تعديله لاحقا ،  كان من الممكن محاكمة أي شخص متهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بغض النظر اذا كان المتهم او الضحية بلجيكيا او كان مكان الجريمة بلجيكا ، وقد تقدم بهذا القانون ، النائب البلجيكي الحالي الليبرالي في البرلمان الأوروبي هو لوي ميشيل ، وهو نفسه الذي كان نائبا لرئيس الوزراء بلجيكا ووزير الخارجية ( وهو والد شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وزراء سابق لبلجيكا ) في عام 1999 ، وقد تم اعتماده من قبل  البرلمان الفيدرالي البلجيكي ، وقد تم بالفعل ملاحقة عدد من المسؤولين في دول افريقية وتقديمهم للعدالة البلجيكية ، ولكن عندما وصل الامر في عامي 2002 و2003 بطلب محاكمة الرئيس الأمريكي جورج بوش لمسؤوليته عن جرائم حرب وضد الإنسانية في العراق  وأفغانستان ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون لمسؤوليته عن مجزرة صيرا وشاتيلا عام 1982 ، مورست كل الضغوطات والتهديدات الامريكية والإسرائيلية على بلجيكا لإلغاء هذا القرار او تعديله ، وكان من ضمن التهديدات  نقل مقر الحلف الأطلسي من بروكسيل الى عاصمة أوروبية أخرى ، وامام هذه التهديدات رضخت الدولة البلجيكية ، فقامت بإدخال تعديل على القانون بحيث يربط أي ملاحقة في بلجيكا بمعنى ان يكون الضحية او المتهم هو بلجيكا او  يسكن بلجيكا او ان يكون  مكان وقوع الجريمة بلجيكا وهو لم يكن متوفرا لا في ملف  جرائم أمريكا في العراق او أفغانستان ولا في ملف جريمة صبرا وشاتيلا ، وبالتالي تم اغلاق الملفين .

احتلت القضية الفلسطينية للبروفسير إريك ديفيد ، اليهودي الديانة ، مكانه هامة في عمله الى جانب العديد من قضايا حقوق الانسان في أماكن متفرقة في العالم ، فكان محاضرا في كثير من فعاليات حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في بلجيكا وكان احد الأركان الرئيسية لمحكمة رسيل الخاصة بفلسطين ، وهي مبادرة قانونية إعلامية كتب عنها البروفسير دافيد مطولا حيث يقول في حلقات متعددة  كتبها في يناير في عام 2013 : " إن محكمة راسل بشأن فلسطين ليست جهة قضائية رسمية، إذ لم يتم إنشاؤها داخل دولة ولا داخل منظمة دولية ، وهي نتيجة بمبادرة خاصة، تقدم نفسها على أنها "محكمة رأي" تهدف إلى الحكم على جوانب متعددة من السياسة الإسرائيلية، خاصة في الأراضي المحتلة، وفق منهج قضائي"

ويعيد دافيد التذكير بمحكمة راسيل “تم إنشاء محكمة راسل الأولى في عام 1966 بمبادرة من شخصيتين ثقافيتين رمزيتين في ذلك الوقت: الفيلسوف وعالم المنطق البريطاني برتراند راسل والكاتب الفرنسي جان بول سارتر  وكانت فكرتهم تتلخص في تشكيل "محكمة رأي" من أجل "الحكم" على حرب فيتنام في ضوء القانون الدولي. ولم تكن بالطبع محكمة حقيقية تخضع لنظام قضائي لدولة واحدة أو أكثر، بل كانت محكمة خاصة تتميز بالرغبة النضالية لدى أعضائها في التذكير بقواعد القانون الدولي المنطبقة على الأحداث التي تتحدى الرأي العام " وعقدت المحكمة عدة جلسات في اوروبا بشان فيتنام ثم لاحقا حول الأنظمة الديكتاتورية في اميركا اللاتينية وافريقيا.

ويضيف انه بمبادرة من عضو مجلس الشيوخ البلجيكي السابق بير غالاند والذي يراس حركة التضامن البلجيكية مع الشعب الفلسطيني، تم إعادة تأسيس محكمة راسيل في 2010   وتم تسميتها "محكمة راسل بشأن فلسطين" وتم تسمية السفير الفرنسي، الراحل   ستيفان هيسيل، وأحد المشاركين في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عام 1948 ، برئاسة المحكمة الى جانب  عدد من الشخصيات القانونية  الرفيعة ذات الوزن الأخلاقي في العالم والتي حاز البعض منها على جائزة نوبل للسلام بالإضافة الى شخصيات اكاديمية وثقافية وسياسية هامة.

ويشرح البروفسير دافيد بالتفصيل عمل المحكمة على 4 محاور تتعلق بجوهر القضية الفلسطينية، مثل الاستيطان ، بناء جدار الفصل العنصري ، الحروب الإسرائيلية  على قطاع غزة وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية ، وقد عقدت المحكمة والتي انطلقت من بروكسيل ، لندن ، برشلونة ونيويورك وكانت اخر حلسة في بروكسيل في نهاية 2014 وقد صدر كتاب عن هذه التجربة  القانونية  الإعلامية المميزة والتي لاقت صدى عالمي .

وكان اخر اعماله في عام 2022 كتاب عن محاكمة نورمبرغ ، والتي انطلقت في نوفمبر 1946  والتي خصصت لمجرمي الحرب العالمية الثانية الألمان. والذي صدر في 660 صفحة.

 

*كاتب ودبلوماسي فلسطيني

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن"

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com