وكانت حكومة الاحتلال شنت حملة سابقة حتى على مصطلح النكبة الفلسطينية، وطالبت الأمين العام للأمم المتحدة، بشطب مصطلح النكبة من كافة قرارات ووثائق الأمم المتحدة… وهكذا…!
يضاف إلى ذلك، التهافت العربي التطبيعي الخياني مع الكيان والاحتلال، وقد اصبح على نطاق يتوسع تدريجيا على كل المستويات الرسمية والتجارية والإعلامية والأكاديمية، ما يشجع الاحتلال ويعطيه فرصة تاريخية لمزيد من الانقضاض على القضية بكافة رموزها.
وتأتي هذه الحملة الصهيونية على الرموز في ظل أوضاع فلسطينية ضعيفة متهلهلة ومنقسمة انقساما مأساويا، وفي ظل أوضاع عربية بالغة السوء، لم يسبق أن شهد العالم العربي مثلها، فنحن أمام انهيار شامل للأمن القومي العربي وللمناعة القومية العربية، بل أن المؤسسة الصهيونية، ترى بها فرصة تاريخية نادرة للانقضاض على القضية الفلسطينية وشطبها من على كافة الجداول الدولية كما أعلن أفيغدور ليبرمان في وقت سابق.
ما يعيدنا هنا للجذور والبدايات، لنوثق: أن الدولة الصهيونية بوصفها دولة مختلقة-مصطنعة غريبة في الجسم العربي، تسعى إلى اختطاف الأرض والوطن والتاريخ والحضارة والتراث والهوية والسيادة.. وتعمل بلا كلل على تهويد فلسطين تهويدا شاملا: جغرافياً -سكانياً -حضارياً – تراثياً –ثقافيا-واقتصادياً – وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات.. كما تعمل إلى جانب كل ذلك من أجل تفريغ ذكرى النكبة وذاكرتها من مضامينها من كل معانيها ودلالاتها..
في الوقت الذي تشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة والقضية.. الذكرى والذاكرة.. بهدف شطب القضية بكافة رموزها ومضامينها ودلالاتها.
وفي سياق حرب التراث والذاكرة، لفت انتباهي خبر قرأته في صحيفة هآرتس العبرية تحت عنوان (وهذا الخبر أكرره والفت الانتباه إليه دائما في كافة دراساتي ومحاضراتي ونقاشاتي): “لنكتب.. كي لا ننسى: حتى لو لم يكن هناك من يقرأ..؟”، وجاء في الخبر: “أن مؤسسة “يد فشيم” اليهودية- متحف المحرقة اليهودية- في القدس تتلقى وتصدر سنويا 200 كتاب مذكرات شخصية ليهود عايشوا – على حد زعمهم- المحرقة/ الكارثة اليهودية “…؟!
والغاية من هذه الكتب أنها توثق تفاصيل المحرقة والمعاناة اليهودية المزعومة التي يختلف على صحتها عدد كبير من علماء العالم ومنهم بعض علماء اليهود، في مسعى راسخ لترويج وترسيخ الرواية الصهيونية المزيفة.
وكذلك وتحت عنوان: “إسرائيل لا تزال تخاف الرواية الفلسطينة” كشف المحلل المعروف جدعون ليفي في هآرتس النقاب عن “وجود 150موقعاً تراثياً على الانترنت”، تروج أكذوبة قديمة كبيرة هي “شعب بلا أرض جاء الى أرض بلا شعب”، بل أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، دشن برفقة العديد من وزراء حكومته السابقة متحف “الهولوكوست” في مدينة سالونيكي اليونانية- الإعلام العبري”، وقال نتنياهو: “تشكل هذه الزيارة تجربة مثيرة بشكل خاص لنا لأن سالونيكي مدينة اشتهرت على مر التاريخ اليهودي والتاريخ اليوناني، فتلك المدن كانت مرتبطة ببعضها البعض منذ القرن الرابع بعد الميلاد، وهي التي شهد تاريخها علامة فارقة بمجيء المزيد من اليهود إليها جراء مرسوم الحمراء”. بينما انضم إليه رئيس الوزراء اليونان إليكسيس تسيبراس، في حفل إزاحة الستار عن بدء أعمال إقامة متحف “الهولوكوست” في سالونيكي قائلا: “يجمع اليونان وإسرائيل تاريخ مشترك. ونحن متواجدون هنا بمناسبة الإشادة بمبادرتنا لإقامة نصب تذكاري لتخليد ذكرى الهولوكوست والذي سيرمز إلى الحقبة الدرامية التي شهدتها هذه المدينة”. مضيفا: “سيخلد متحف الهولوكوست الذكرى وكذلك سينقل تلك الذكريات للأجيال القادمة في سالونيكي. وسيعرض المتحف حاضراً ومستقبلاً الذي حدث ولن يسمح بالمس بالسلام والحرية. أتمنى أنه قريباً سيزورنا نتنياهو مجدداً لنشارك سوياً في حفل تدشين متحف الهولوكوست”.
ويشار هنا أيضا إلى أن الأرشيف الصهيوني غزير بالوثائق والتفاصيل المهمة والكثيفة عن كل ما حصل لفلسطين وفي فلسطين منذ النكبة ومرورًا بالنكسة وحتى يومنا، ولكن مقابل عملية الأرشفة الدقيقة والمتطورة في الجانب الإسرائيلي، والتي يتاح الكشف عن بعض مما فيها من حين لآخر، يقف المرء عاجزًا، وربما ساخطًا وأحيانًا يائسًا أمام الجرم الذي نرتكبه بحق تاريخنا وشعوبنا بفعل ضياع ‘أرشيفنا’ العربي ككل وليس فقط الفلسطيني.
لكل ذلك، تعتبر جبهة الإعلام والثقافة والتربية والتعليم والتوثيق والتأريخ، من أجل الحفاظ على ذاكرة القضية والنكبة والهوية والصراع، جبهة مفتوحة لا تقل أهمية عن الميادين الأخرى.
ولذلك يجب أن نسعى دائما إلى النبش في التاريخ، من أجل استحضار المعطيات والوقائع والحقائق التي تحكي الحكاية العربية الفلسطينية، فتعود بنا إلى البدايات البعيدة في التاريخ.. إلى نحو قرن ونصف من الزمن.. إلى تلك الوثائق والمؤتمرات والوعود التي دعت إلى “إقامة وطن لليهود في فلسطين” وإلى “اختلاق دولة إسرائيل واسكات الزمن العربي” فيها بمضامينه التاريخية الحضارية الثقافية التراثية والدينية.
والهدف من وراء ذلك من جهة أولى توثيق وتأريخ ما جرى في فلسطين من تطورات وأحداث ومؤامرات غيرت وجه فلسطين والمنطقة، والاستشهاد بالوثائق والاعترافات والشهادات من الأرشيف الصهيوني، بينما تهدف من جهة ثانية، إلى فتح كافة ملفات القضية الفلسطينية وفي مقدمتها”سياسات التطهير العرقي الصهيونية” التي اعتمدتها الحركة الصهيونية بمنتهى الإجرام والبشاعة ضد أهلنا في فلسطين، لأنه لم يكن لتلك الدولة الصهيونية أن تقوم بدون سياسات التطهير العرقي الإجرامية، كما تسعى من جهة ثالثة إلى الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، باعتبار فلسطين لنا عربية الهوية والسيادة، بينما تسعى من جهة رابعة إلى توثيق وتأريخ مسيرة النضال والكفاح والبقاء العربي الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني الإلغائي الاحلالي… إنه صراع واشتباك مفتوح مع المشروع الصهيوني، يحتاج إلى كل هذه المهمات الوطنية التوثيقية للأجيال وللمستقبل.
* كاتب فلسطيني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com