المرأة السودانية تُعاني بين مطرقة الحرب وسندان التهجير

04:50 م ,06 مايو 2023

رحلة شاقة خاضتها السودانية إلهام طيفور، بصحبة أبنائها من قلب الخرطوم إلى قلب القاهرة، فرارا من المعارك الضارية التي عمت العاصمة السودانية بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، المستمرة منذ 15 ابريل الماضي، وخلفت حتى الآن نحو 500 قتيل وآلاف الجرحى بين المدنيين.
طيفور التي تقطن منطقة "الخرطوم 2"، تقول إن منزل أسرتها يقع في واحد من أشهر أحياء العاصمة السودانية وأكثرها أمنا، حتى في ظل تردي الأوضاع الأمنية على مدى السنوات الماضية، لكن مع الاشتباكات الأخيرة بات واحد من أكثر من المناطق خطرا في السودان، نظرا لانتشار معسكرات "الدعم السريع" فيه، فضلا عن قربه من مطار الخرطوم ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وهي المناطق والمعسكرات التي تشهد أشرس المعارك للسيطرة عليها من قبل الطرفين.
وقالت طيفور لـ "حياة واشنطن"، إنها اضطرت إلى السفر إلى مصر هربا من حجيم المعارك، التي تجري قرب منزلها، لافتة إلى أن الرحلة لم تكن سهلة، إذ اضطرت إلى المبيت لليلة في "موقف قندهار" في الخرطوم نم أجل استقلال حافلة إلى القاهرة.
وأوضحت أن تعريفة السفر إلى مصر تضاعفت لكثر من 10 مرات رغم معاناة السفر، فتذكرة السفر برا ارتفع سعرها من نحو 20 ألف جنيه سوداني (الدولار يعادل نحو 600 جنيه)، إلى أكثر من 200 ألف جنيه، إضافة إلى عدم السماح للمسافر بحمل أكثر من حقيبة واحدة صغيرة، ما حال دون جلب احتياجاتنا حتى من الملابس، بسبب تكدس الركاب والإقبال على السفر إلى مصر.
وتتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تدفق 860 ألف لاجئ من السودان، إلى دول الجوار، في عملية ستتكلف نحو 445 مليون دولار أمريكي لتوفير الدعم لهم حتى شهر أكتوبر القادم.
وقالت إن هذه الخطة ستغطي جهود الدعم الفوري في تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتوقعت أن تشهد مصر وجنوب السودان أكبر عدد من الوافدين.
وأوضحت أن القتال الحالي أدى حتى الآن إلى نزوح أكثر من 330 ألف شخص داخل السودان، مع اضطرار أكثر من 100 ألف آخرين لمغادرة البلاد، وأوضحت المفوضية أن الأطفال والنساء يمثلون غالبية النازحين.
وتروي طيفور معاناتها وأبنائها في رحلة شاقة استغرقت أكثر من ثلاثة أيام منها نحو يوم ونصف قضوها في المعبر البري الرابط بين مصر والسودان، بانتظار المعبور، نظرا لتكدس المسافرين بالآلاف. وقالت: "المعبر غير مجهز لاستقبال تلك الأعداد الضخمة، لذا اضطر غالبية المسافرين لافتراش الأرض للمبيت حتى المرور، فضلا عن أنه لا توجد دورات مياه مجهزة ولا مطاعم لتوفير الطعام"، مشيرة إلى أنها ما أن وصلت إلى القاهرة، حتى استقرت في حي المهندسين في الجيزة، في شقة تمتلكها أسرة سودانية، لحين ترتيب أوضاعها في مصر.
لكن ما يشغل بال إلهام طيفور، القلق على ممتلكات أسرتها في الخرطوم، في ظل الأنباء الواردة عن عمليات نهب واسعة تطال المنازل والمتاجر، وهي تملك واحدا من أكبر محلات إطارات السيارات في الخرطوم، وتخشى نهبه.
وقالت: "عدد من الأسر التي رافقتنا إلى مصر، اضطرت إلى العودة مجددا إلى الخرطوم، خشية نهب منازلها، خصوصا أننا لم نتمكن من حمل مقتنياتنا الثمينة مثل الذهب معنا في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر".
حال طيفور لا يختلف كثيرا عن عرفة، التي روت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قصتها، فالأرملة السودانية لم يكن لديها الوقت الكافي للحزن على زوجها بعد وفاته، لتضطر إلى الفرار من الخرطوم مع طفليها في محاولة يائسة لتجنب الاشتباكات الدامية والوصول إلى بر الأمان.
وعندما اندلع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، في 15 ابريل الماضي، كانت عرفة، البالغة من العمر 25 عاماً، في المنزل بمفردها مع طفليها، وقد انتابها شعور بالذعر لدى سماعها أصوات إطلاق النار وتحليق الطائرات الحربية في سماء المنطقة، وحاولت الاتصال بزوجها الذي كان يعمل في ذلك الوقت، لكنها لم تستطع الوصول إليه.
وقالت عرفة، والحزن يبدو عليها: "قضيت الليل وأنا خائفة، غير قادرة على الخروج من منزلي حيث كان هناك قتلى في كل مكان. في اليوم التالي، استيقظت على مكالمة هاتفية من أصدقاء زوجي ليخبروني أن زوجي قد مات بعدما أصيب بالرصاص".
ومع غياب زوجها وعدم معرفتها بكيفية حماية ابنها البالغ من العمر خمس سنوات وابنتها ذات الثلاث سنوات وسط تصاعد العنف، قررت عرفة مغادرة العاصمة، لتنطلق برفقة طفليها عن طريق الحافلة إلى مدني، وهي مدينة تبعد 135 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة، على الضفة الغربية للنيل الأزرق.
وهناك، قابلت عرفة رجلاً من السكان المحليين ليعرض عليهم المساعدة لمغادرة البلاد، ليتم نقلهم إلى بورتسودان، الميناء البحري الشرقي الرئيسي للبلاد، رفقة خمسة أشخاص آخرين، ومن هناك، كان عليهم السير ليوم كامل قبل أن يجدوا وسيلة نقل لتقلّهم شمالاً على طول الساحل باتجاه الحدود المصرية.
وقالت عرفة: "كنت خائفة ومتعبة ويائسة. كان الطريق صعباً، وكان صوت إطلاق النار المستمر يصم الآذان. لم أكن أعتقد أننا سننجو. أمضيت 80 ساعة بدون طعام أو ماء. كنت أحمل أطفالي بين ذراعي خوفاً من الحرب ورحلة اللجوء والطريق الطويل الذي كان أمامي".
وبعد عبور الحدود، تم نقلهم في نهاية المطاف إلى القاهرة، ليترجّلوا عن الحافلة ويجدوا أنفسهم في ميدان مدينة غير مألوفة لهم. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، أمضت عرفة وأطفالها الليل في الشارع. وقالت: "في الصباح، كانت هناك امرأة من جنوب السودان تمر عبر الميدان. وعندما رأتني هناك، نصحتني بالذهاب إلى مكتب المفوضية والتسجيل لديهم".
عرفة وأطفالها هم من بين 42 ألفا و 300 شخص ممن أفادت الحكومة المصرية بأنهم عبروا إلى البلاد من السودان منذ اندلاع القتال، من بينهم 40 ألف سوداني.
وقد قصدت بعض العائلات السودانية التي وصلت إلى القاهرة مكتب المفوضية بهدف الحصول على المساعدة، بما في ذلك عرفة وأطفالها المسجلين الآن لتلقي المساعدة من المفوضية والذين يعيشون مع سيدة من جنوب السودان كانوا قد التقوا بها في الميدان. لكن على الرغم من تمكنهم من الفرار من القتال والوصول إلى بر الأمان، تشعر عرفة بأن مستقبلهم غير مضمون.
وقالت: "لا أصدق أنني هنا في مصر الآن، لكنني ما زلت خائفة من كل شيء. انا بحاجة الى المساعدة وخائفة من المستقبل. فقدت منزلي وزوجي وبلدي في غمضة عين، ولا أريد أن أفقد أطفالي أيضاً؛ أريدهم أن يكونوا بأمان".

اقرأ ايضا: "روشتة أمريكا لإنهاء الحرب".. هذه بنود مسودة الاتفاق بين إسرائيل ولبنان

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com