حقائق مؤلمة ستبرزها نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية القادمة

10:20 ص ,07 مايو 2022

الأوضاع العالمية المتوترة، والتطورات الاقليمية الجارية، تؤكد استحالة عزل لبنان عن متغيرات محيطه وعن التأثر بأحداث العالم الآن. هذا وضع لم يتغير منذ ان كان لبنان "جبل لبنان" فقط. فانقسام اللبنانيين يؤكد هذه الحقيقة ويعززها وبأن المطالبة في "الحياد" و"السيادة" للبنان في هذا الخضم من التطورات هو غير ممكن عملياً، ولن تأتي الانتخابات بنتائج تُغيّر الاوضاع، كما تروّج بعض تجمعات المجتمع المدني الممولة والمسيرة من السفارة الامريكية.

ان من يريد ان تتغير الأوضاع الكارثية في لبنان، وانا أحدهم، لا يقبل ان يُوجّه من الولايات المتحدة ومن التطبيعيين مع إسرائيل. فهولاء ساهموا في حماية اهل الفساد لعقود طويلة، ولا ادّعي ابداً ان الفساد وقف على هذا الفريق، فالفريق الآخر مشارك أيضاً فيه، وان تستر بعضهم بمبادئ وطنية.

وهنا اسمح لنفسي ان اذكّر من يُشبّه لبنان بسويسرا الشرق ان يدرس التاريخ ليفهم اسباب ايجاد سويسرا "المحايدة" لاستقطاب روؤس الاموال من كل العالم، وهذا دور تطلع اليه منذ عقود المفكر العراقي اللبناني ميشل شيحا.

ان فشل النظام الاقطاعي الطائفي في وضع اسس دولة عادلة وفي بناء مؤسسات وطنية، هو واضح كالشمس، لكن الأخطر هو ان هذا النظام قد افرز حقائق مؤلمة لازال عدد كبير من اللبنانيين لا يعترف بخطورتها على النسيج الوطني وانحلاله لمصلحة الكونفدرالية!.

ان كونفدرالية سويسرا هي مؤلفة من إثنيات متعددة اتفقت على الحياد لاستقطاب الاموال من كافة البلدان المتنازعة مع ضمان سريتها، وهذا وضع لا يمكن حدوثه الآن في وسط انهيارات لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى سياسة النهب التي اتبعتها اغلب الحكومات منذ "اتفاق الطائف" وانتشار ثقافة الامحاسبة والمحسوبية والفساد.

 مذاهب سياسية ومصارف ومؤسسات تربوية ودينية اغرقت لبنان في ثقافة الفساد وتشتت الهوية الوطنية الجامعة، والارتباط في المصالح الاجنبية التي تدر الاموال على المتعاونين معها من السياسيين ومن رجال الدين ومن رجال وسيدات الاعلام. وهذه السياسة عززت التسلط على المواطنين وعلى استباحة حقوقهم، كما كرّست وفرضت على الناس دور الزعيم "الاجباري" وليس العلاقة الصحيحة بين المواطن والدولة. وحتى بعض محاولات الاصلاح البنيوي من خلال "اتفاق الطائف"، كانت بمثابة "حصان طروادة" لاحتواء تغيرات ديمغرافية ولأضعاف دور رئاسة الجمهورية.

ومما زاد في "الطين بلّة" هو التباطؤ في تنفيذ اتفاق الطائف الذي حمل في طياته بعض امكانيات تطوير النظام السياسي نحو نظام لا طائفي ونحو عدالة اجتماعية. لكن هذا الإتفاق حمل ايضاً بذور سيطرة مجلس الوزراء على صلاحيات رئاسة الجمهورية وادخل في القانون الانتخابي معادلة ديموغرافية كاذبة لا تعكس الواقع الديمغرافي مما جعل الاقلية المسيحية أسيرة الاكثرية الاسلامية. فأصبح الناخب المسلم هو الذي يؤثر في اختيار النائب المسيحي.

كل هذا في منطقة عربية استباحها التطرف الجاهل، وادّت الى خوف مبرر للأقليات المسيحية والمسلمة من موجات التطرف ومذابحها التي ما زالت تغذيها الولايات المتحدة واسرائيل، وكانت من نتائج هذا التوحش التكفيري الدموي، حالات التقوقع والانعزال والخوف من الاخرين!، والمؤسف، ان بعض ضحايا موجات التكفير يستنجدون ويتعاونون مع الولايات المتحدة!.

 

ماذا يمكن ان ننتظر من نتائج الانتخابات النيابية القادمة؟

 

الانتخابات القادمة ستؤكد ان النظام الطائفي الفاسد قد أفسد عقول اللبنانيين ومنعهم من أي امكانية للمساهمة في أي تغيير يؤدي لبناء وطن تعددي مدني ديمقراطي ينتمي إلى محيطه الطبيعي. فالنظام الكونفدرالي المذهبي أضّر كثيراً بفكر اللبنانيين المشتتين بين الولاء القبلي والولاء الاقطاعي والمذهبي، مما حدّ من امكانات بناء الولاء الوطني، ومما جعل فرص التفاعل مع الغير واحترام الاختلاف والاستفادة من التعددية، تتقلص باستمرار.

أيضاً، لقد كرس الدستور حق الافرقاء اللبنانيين باتباع نظام تربوي خاص بهم على حساب نظام تربية وطنية واحدة جامعة.

 اذن، لا يكفي ان نتفق حول ما لا نريد من فساد وفقر وانقسامات فيما بيننا، بل علينا الاتفاق على كيفية بناء اسس دولة تعددية ديمقراطية عادلة. وقد أثبتنا من خلال تطورات مرحلة ما بعد انتفاضة تشرين الأول 2019 باننا مازلنا بعيدين عن هذا النضوج الوطني. ولقد لمسنا خلال ثورة الغضب التي اجمع اللبنانيون خلالها على الانتفاض ضد النظام واهله، فشل القوى المعارضة للنظام وللحكم بأن تتفاعل وتتعاون من اجل استخلاص رؤى لمراحل التغيير ومتطلباته.

لم يدرك اللبناني بعد عمق تلوث فكره بسبب سجون المذهبيات وثقافة المركنتيلية التي اقنعته بأن يكون جسراً لخدمة الاخرين على حساب زرع الاعتزاز بهويته الوطنية وبحضارته وثقافته العربية، فسذاجة بعض اللبنانيين تتصور ان الانتخابات النيابية القادمة ممكن ان تؤدي الى تغيير في هوية او في ممارسة الحكم وفي احتواء الفساد المعشعش على كافة المستويات ضمن المؤسسات الحكومية وبين الزعماء السياسيين.

ان الأمل بالمجتمع المدني الحالي في ان يقود عملية تغيير شاملة هو تمني غير قابل للتحقق بعدما فشلت قوى هذا المجتمع في تكوين الحد الادنى من التحالفات الضرورية لتغيير النظام في لبنان.

فالنظام السياسي الذكي، المذهبي الفاسد، حصّن نفسه من امكانات تغييره. هذا لا يعني ان لا وجود لمناضلين ومناضلات شرفاء، ولا يعني عدم وجود بعض الاحزاب المدنية الفاعلة، انما علينا ان نعترف مع الاسف بتراجع دورها، اما بسبب انقسامات او بتأثير التكفيريين الذين نجحوا في قوقعة الناس وانعزالها عن مجتمعها التعددي.

 أكرر ما قد كتبت مرارا بأنه لا أمل في ان تساهم الانتخابات بأي تطور ايجابي ولا أمل في ان يطور النظام نفسه، ولا أمل بأن يتمكن اللبنانيون من ايجاد حلول داخلية، لكن نرجو الآن ان يسفر التقارب الاقليمي البطيء عن تخفيف حدة التوتر في لبنان والقضاء على التكفيريين في سوريا وانهاء الحرب على اليمن واستقرار العراق، كما نأمل أيضاً بتعزيز المقاومة الفلسطينية لنضالها من أجل الوصول الى حقوقها المشروعة، عِلماً أن اسرائيل وداعمتها الولايات المتحدة لن يسمحا بأي استقرار في لبنان قبل اجباره على الدخول في اتفاقات اقليمية لاستثمار الغاز والنفط، وهذا لن يكون بالأمر البسيط خاصة أن كل فريق في لبنان غاطس في التزامات خارجية متناقضة مع بعضها البعض!.

فلا خلاص للبنان إلا بالوفاق الوطني الشامل غير المتوفر الآن... ولا قيامة للبنان إلا بجناحيه ليحلق في محيطه العربي الطبيعي.

ان مآساة لبنان ذو الحجم الجغرافي الصغير تتضاعف بازدياد الانقسامات الداخلية حول اغلب المواضيع الحيوية وبوجود التوترات الاقليمية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، كما نعيش الآن ابتلاع الكبير للصغير، اكان ذلك شركة أو مؤسسة أو دولة أو وطن!. فشراسة الإنسان الفاسد والرأسمالية الجشعة بمطامعها، تحتم علينا التعاون والتلاحم لكي نبقى، وإلا فسنغرق كلنا في مستقبل مظلم، كما غرق لبنانيون شهداء في شمال لبنان حاولوا العيش من خلال الهرب بحراً نحو المجهول، فأستقبلهم الموت!.

إن الهوة بين لبنان الرسالة الذي نرتجيه والواقع الكارثي القائم، لن تردم من خلال النظام الحالي بسلطاته ومعارضاته!.

 

* إقتصادي لبناني مقيم في واشنطن

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com