ولا ينكر أحد، ولا حتى يستطيع وإن حرص أن ينكر أن القمني من المثقفين العالمين القارئين الحافظين لتاريخ و ثقافات و فلسفات، و مؤلفاته خير دليل على ذلك..
الرجل ببساطة لا يقبل بقياساته العلمية المادية بالرويات التاريخية، حتى تلك التي يعتبرها الناس مقدسة، مثل التوراة والأناجيل والمصحف، ناهيك عن الحواشي من تلمود و أحاديث و غيرها.. وينسب الكثير، بل الكثير جداً من الروايات " المقدسة " ويؤصلها بأنها إقتباسات كلية أو جزئية من هرطقات وشعوذات وأساطير وحكايات الأولين شرقاً وغرباً.. و تخلص من قراءة أدبياته أن فكرة الإله أساساً هي فكرة بشرية و حاجة إنسانية و أن الأنبياء و الرسل بعضهم " نصاب ، أو ساعٍ لحكم و سلطان ، أو يداري على " خطيئة بإدعاء القدسية ، و أن ( بالذات ) الإسلام دين عنف و قتل و إحتلال وقهر و يتخصص في إثبات وجهات نظره بالشريعة و إختلاف أحكامها و المذاهب و كمتابع أو قارئ تشعر من كلامه أن " مجلس قيادة الثورة " يعني النبي و الصحابة كانوا " دافنينه سوا " و أنهم كانوا يمررون لبعضهم البعض الأخطاء و لا يطبقون على أنفسهم الأحكام ( مثل ما حصل مع خالد بن الوليد و إبن عمر بن الخطاب إلخ ) ..
* الغريب العجيب أن الرجل الذي > يرفض بكل قوة < أن يؤجر عقله، ويصر على إحترام مخه و يرى الأشياء كما هي بواقعية و بحثية علمية دقيقة، و يعتمد على التدقيق و التمحيص، تراه يصر ( إلحاحاً ) على أن يعتمد بنسبة مائة في المائة على ( روايات ) في تقرير الحالة ، و من ثم ( الحكم ) عليها ولا يعطيك مجالاً حتى للرد بمتشابهات من الروايات ، أو متناقضات ، أو حتى أن تحتكم أنت و هو إلى قاعدة ( نبذ الرواية كلياً ) . و ظهر ذلك الإعتماد الإنتقائي على روايات بعينها ، جلياً في كتابه الحزب الهاشمي و غيره .
* تراه في تفسيراته و تأويلاته لآيات الله في المصحف، لا يتورع أن ( يخبص في العمار ) و ( يخبط في الحلل ) كما يقال بالعامية المصرية ، فتفسيراته تحتوي على عوار شديد ، و أخطاء لغوية ، أو علّ الأقرب للصواب أن أقول ( فهم مخطوء بالكلية " للغة ، و إجتزاء و بعد عن ( منطق نقدي سليم ) . فكلنا قرأنا - ربما - عن تلك الحجج الواهية التي ذاع صيتها منذ الخمسينات، على يد بعض ( المفكرين ) من أدباء و شعراء و باحثين على ما أسموه أخطاء لغوية ، أو منطقية ، أو تناقضات علمية أو إقتباسات وما زالت - للاسف - تلاك و تمتضع و تجتر إلى يومنا هذا من قبل بعض المتفذلكين أو المتهوسين أو صهاينة المسيحية أو من مدعي الإلحاد و العلمانية ، و ( العلمانية الحقيقة منهم براء ) على قنوات مشبوهة أو كتابات ركيكة ، و قد تم الرد عليها ، منذ عهود بعيدة ، و تمحيصها و تبيانها .
* و بمتابعة بعض الحلقات التي تعرض فيها القمني للمناظرة من قبل خصوم في الفكر، لا تجد من الرجل إلا العصبية و السفسطة و كثير من السفاسف، و للأسف لا تجد من مناظريه إلا مبادلة الحكم بحكم و الهجوم بهجوم ، فيتوه المشاهد و يحتار قلب المتابع ، و في النهاية هذا هو عين ما يريده القمني عملاً بالمقولة القديمة المجددة لهاري ترومن : إن لم تستطع إقناعهم ، فشتت أفكارهم .. وعل التعبير بالإنجليزية أكثر دقة:
Harry S. Truman: “If you can't convince them, confuse them.”
* الحقيقة أن سيد القمني، باحث، و بذل جهداً مضنياً و عنيداً في إثبات وجهات نظره، وقد صادف في كثير من مفاصل رحلته البحثية عناصر ينادي بها كثيرون من الدعاة إلى التجديد و التنوير و الفهم الأصح للقرآن و الرسالة الأخيرة ، و للدين بشكل عام .
* لكن الفارق - في رايي المتواضع - بين الباحثين عن الحق و بين القمني، أنه أضاع عمره في البحث عن ما يثبت رأيه، و ليس ما يحقق العدالة المعرفية. وهو في ذلك إنما وضع نفسه و تاريخه و علمه للأسف في نفس درجة القمص زكريا و غلمانه و جواريه، فكان إهمالهم أوجب و نسيانهم خير رد عليهم، لأنك لو حتى جئتهم بالبينة موثقة بكل أساليب التوثيق ، لن يرعووا و لن ينتهوا .. فكان - سيد القمني- في جهده مثل ذلك المحامي الحذق (المدقدق) الذي يعرف كيف يقلب الأمور، و يأتي بأسباب براءة المجرم من سقطات فم أو أفعال أقارب الضحية .
* كاتب فلسطيني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com