بعد 39 عامًا على "صبرا وشاتيلا"..ممرضة أمريكية ناجية تروي شهادتها وتقص لدار الحيــاة تفاصيل المجزرة البشعة

10:55 م ,26 سبتمبر 2021

أكثر من 39 عامًا مرت على أحد أبشع المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني والعربي على حد سواء، مجزرة بدأت في السادس عشر من سبتمبر عام 1982 واستمرت ثلاثة أيام كاملة! ، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال العزل في مخيمي "صبرا وشاتيلا" بالعاصمة اللبنانية "بيروت" على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية وميليشيات حزب الكتائب اللبنانية الموالية لإسرائيل وجيش لبنان الجنوبي، الذين حاصروا المخيمين طيلة الثلاثة أيام واحتجزوا كافة السكان في الداخل،  وذلك بعد مزاعم بوجود مسلحين داخل المخيمين اللذين يسكنهما اللاجئون.

اقرأ ايضا: قرار الجنائية الدولية.. "هستريا" في إسرائيل و"ضغوط" أمريكية تلوح في الأفق

"دار الحيــــاة" التقت الممرضة الأمريكية إيلين سيغيل (79 عامًا) التي كانت تعمل وقت وقوع هذه المجزرة المروعة، في مستشفى غزة داخل مخيم صبرا (التابع للهلال الأحمر الفلسطيني) ، وهي حاليًا متقاعدة وتعيش في العاصمة الأمريكية واشنطن، وتحرص كل عام على السفر إلى بيروت خصيصاً  للمشاركة في إحياء ذكرى مذبحة "صبرا وشاتيلا" التي نجت منها بأعجوبة، لكنها بسبب وباء "كورونا" لم تتمكن آخر عامين من السفر هناك.

روت سيغيل ل- دار الحياة عن شهادتها أمام لجنة "كاهانا" التي شكلت في نوفمبر عام 1982 بمدينة القدس؛ لبحث مدى تورط إسرائيل في هذه المذبحة البشعة، موضحة أنها أدلت بشهادتها في 13 صفحة بحضور ثلاثة قضاة في الجامعة العبرية برئاسة قاضي المحكمة العليا، يتسحاق كاهانا، لافتة إلى أن طبيبين آخرين أدلا أيضًا بشهادتهما وهما الدكتورة سوي أنج، والدكتور بول موريس، اللذان كانا موجودين خلال وقوع هذه المجزرة..

وأردفت: أن شهادتنا مفادها "بأن إسرائيل متورطة في هذه الجريمة البشعة وأنها تسترت على المذبحة"، مضيفة "أن الجنود الإسرائيليين ساعدوا ميليشيا الكتائب والقوات اللبنانية الموالية لهم في دخول المخيم، وكانوا يراقبونهم وهم يرتكبون الفظائع (..) وهم يقتلون سكان المخيمين، وكانوا يضيئون لهم المكان ليسهلون لهم هذه المهمة القذرة".

سيغيل ذكرت أن لجنة "كاهانا" أدانت بالفعل أرئيل شارون والذي كان حينذاك وزيرًا للدفاع الإسرائيلي، لكنها اعتبرت أن "مسؤوليته عن المذبحة غير مباشرة"، وأن سيغيل والشاهدين الطبيبين معها "يتعاطفون مع الفلسطينيين لا أكثر".

وقالت: "كنت سعيدة لأنني تمكنت من الإدلاء بشهادتي. وعلمت أن الناس في مخيم شاتيلا سمعوا شهادتي على راديو لبنان، ولقبوني بالممرضة التي شهدت ضد أرئيل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، الذي خطط وقاد غزو المخيم".

وعن المشاهد العالقة في ذاكرتها حول أحداث ذلك اليوم الشنيع، قالت سيغيل: "في الصباح  الباكر ليوم 18 سبتمبر، وتحديدًا في حوالي الساعة السادسة والنصف صباحًا، دخلت جماعة من ميليشيا الكتائب التابعة للقوات اللبنانية إلى مستشفى غزة بمخيم صبرا (التابع للهلال الأحمر الفلسطيني والذي أعمل به ممرضة)، وتابعت:  كانوا مهندمين ويرتدون زيًا أنيقًا - المستشفى  كانت   شبه  خاليه ، وأوضحت سيغيل بأن هذه المذبحة البشعة بدأت  بالفعل  في  السادس  عشر من  سبتمبر بمخيم شاتيلا الملاصق  لمخيم  صبرا، أي أن  قدوم  ميليشيا الكتائب  إلى  المستشفى  كان  في  اليوم  الثالث  والأخير لهذه  المذبحة اللعينة، لذلك في اليوم الأول للمذبحة، الكثير من  سكان  المخيم  لجئوا إلى  المستشفى  للاحتماء داخلها، ظنوا أنها ملاذ آمن  لهم، لكنهم  أدركوا أنها أيضًا أصبحت  مستهدفة، فلاذ معظمهم بالفرار في  اليوم  التالي  17 سبتمبر.

لفتت سيغيل إلى أن المخيم كان محاصرًا ولم يكن مسموح الخروج منه، والقوات الإسرائيلية كانت تتمركز خارج المخيم في المناطق المرتفعة لكشف جميع أرجائه، والطائرات الإسرائيلية كانت تحوم في السماء، وكانت هناك قوات كوماندوز إسرائيلية في الخارج، وكذلك أصوات انفجارات، وزادت: "كل هذه المؤشرات وغيرها كانت تنذر أن كارثة ستحل في المخيم، لذلك أهل المخيم توقعوا أن حدثًا كبيرًا سيحدث، ولكن بالطبع لم يتوقع أحد أن تصل الأمور لهذه الدرجة من البشاعة واللاإنسانية ."

 وتستطرد سيغيل لتقص ماذا حدث عندما دخلت قوات من الكتائب إلى المستشفى في اليوم الثالث والأخير، مضيفة: "في البداية أخذوا رجلًا يعمل في المختبر (ربما يكون باكستانيًا)، وحدث جدال معه وأعتقد أنه تم قتله، ثم أخذوا طاقم الأطباء والتمريض، والذي يضم حوالي 24 من الفلسطينيين واللبنانيين، وقتلوهم، ومن ثم أخلوا المستشفى تمامًا (باستثناء 3 مرضى كانوا في قسم العناية المركزة، ولذلك تركوا معهم شخصين من الأطقم الطبية لرعايتهم!).

وتابعت: كان هناك فلسطيني يعمل في المستشفى، لكنه لم يهرب مثل الآخرين، كان مرعوبًا وطلب منا أن نعطيه معطف مختبر، فأعطيناه معطفًا أبيض، ارتداه في محاولة للتنكر والهروب معنا لكن ميليشيا الكتائب كشفوه مباشرة بطبيعة الحال لأنه بدا مختلفًا جدًا عن عاملي الصحة، أصحاب البشرة  البيضاء والشُّقر من الاسكندنافيين والأميركيين والبريطانيين، ومن ثم تم احتجازه والتحقق من هويته، وبمجرد إعطائه بطاقته لهم، صفعوه بها، وقالت: رأيته جاثيًا على ركبتيه يتوسل، وقاموا باصطحابه إلى زاوية، ثم سمعنا صوت طلقة نارية".

ثم أخذوا منا جوازات السفر، وساروا بنا عبر الشارع الرئيسي أمام المستشفى. وبينما كنا نسير، رأينا الجثث، " رأيت رجلًا ميتًا متأثرًا بجروح في الرأس. كان يبدو أنه قتل للتو، جثمانه لم يتحول للون الأزرق بعد، وقال لنا أفراد من الميليشيات: "أنتم لستم مسيحيين، أنتم جئتم لمساعدة الناس الذين يكرهون المسيحيين، أنتم إرهابيون. كانوا يتحدثون في أجهزة اللاسلكي. كان هناك اتصال مستمر مع جهة ما، لم أكن أعرف هذه الجهة، لكن علمت بعد ذلك أن اتصالاتهم كانت تجرى مع ضباط إسرائيليين كانوا بالقرب من  المعسكر، لكنهم في الخارج يتابعون ويرصدون كل شيء يحدث".

وتتابع سيغيل: "واصلنا المسير، وكان هناك جنود جدد. كانت هناك كتيبة كاملة من الجنود الآخرين تسير في الشوارع، كانوا مخيفين جدًا، بدوا فوضويين وقذرين للغاية، كانوا متوترين، جاحظي الأعين وعصبيين جدًا، وبدا كما لو أنهم يتعاطون المخدرات.

وأردفت: وبينما واصلنا السير في الشارع الرئيسي للمخيم، رأينا مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين الذين أُجبِروا على الوقوف مصطفين على جانب هذا الطريق، كانوا ينظرون إلينا، وكانوا يشيرون لنا بعلامة النصر.

إحدى النساء كانت تحمل طفلاً رضيعًا بين يديها، وحاولت أن تعطي الرضيع لأحد الأطباء الذين كانوا معنا، لكن أحد عناصر الكتائب صرخ بها: "لا لا يمكنك أن تفعلي ذلك"، وقال لنا: "لا يمكنكم أخذ هذا الرضيع".

وخلال سيرنا شاهدت جثثًا ملقاه في الطرقات، رأيت تجمعًا لعدد كبير من النساء بالعشرات ربما يتخطى المائة امرأة، كن يقفن على جانب الطريق وعناصر الميليشيا تسدد نحوهم السلاح، وأردفت: ربما تم قتلهن بعد ذلك لأنني كنت أسمع إطلاق نار كثيف.

وعندما وصلنا إلى منطقة هي جزء من المخيم، رأينا هناك جرافات عليها حروف عبرية، كانت تتحرك ذهابًا وإيابًا، ويبدو أنها تحمل جثامين القتلى.

صورة من المذبحة والجثث في الطرقات، 18/9/1982

 ثم اقتادونا إلى حائط سد اخترقته طلقات الرصاص في نهاية المخيم بالقرب من السفارة الكويتية، حيث أمرونا بالوقوف فرادى، كان عددنا حوالي 20 من جنسيات مختلفة وكان في واجهتنا نحو 40 ضابطًا من ميليشيات الكتائب يصوبون أسلحتهم نحونا. ويبدون أنهم مثل كتيبة الإعدام. اثنان من زملائي من طاقم الإسعاف بدءا في البكاء. أما أنا فلقد سألت نفسي باندهاش، هل سيعلم أحد أنني قتلت في مخيم اللاجئين هذا؟".

وتابعت: "لكنني قلت، لا بأس أن أكون هنا، لإنني فعلت الصواب. كنت أتمتم من هنا تأتي الشمس"، جعلونا نصطف على جدار مثقوب بالرصاص، وأعدوا بنادقهم. وتأكدنا حقًا أنهم فرقة إعدام، ولكن بعدما اصطفينا بلحظات سمعت حديثًا باللاسلكي يدور بين قوات إسرائيلية وعناصر من الميليشيا يطلبون منهم التوقف عن تصويب أسلحتهم باتجاهنا، وإطلاق سراحنا، وطلبوا منهم إخراجنا، وبالفعل التزموا بأوامر الضباط الإسرائيليين، وفجأة، أتي جندي إسرائيلي راكضًا على الطريق وأوقف ذلك. أعتقد أن فكرة إطلاق النار على عمال الصحة الأجانب لم تكن شيئًا مجدياً للإسرائيليين، وستسبب لهم إشكالات مع دولنا وضجة كبيرة على المستوى الدولي هم في غنى عنها.

ومن ثم اصطحبونا (ميليشيا الكتائب) خارج المخيم إلى ساحة مبنى الأمم المتحدة، حيث حققوا معنا، وسألونا بصياح وانفعال شديد: "لماذا أتيتوا إلى هنا، ولما تساعدون الفلسطينيين؟ .. وقالوا لنا: نحن نعتبر أي شخص يساعد الفلسطينيين هو عدو لنا"، ثم أعطونا جوازات سفرنا، وسلمونا للإسرائيليين.

وقالت: "حينما مشينا مع الجنود الإسرائيليين، لم يسألنا أحدهم منهم شيئًا قط عما حدث، أو ماذا نفعل هنا. لقد تجاهلونا، لكن بدى جليًا أنهم يعرفوننا. جيداً، وحاول أحد جنود الميليشيا خطف ممرضة نرويجية، توسلنا للضابط الإسرائيلي أن يأمره بتركها وقد كان"، وعرض علينا الضباط الإسرائيليون فاكهة ومياه!.

وتضيف سيغيل : "رأيت جنديًا إسرائيليًا يعطي أحد زملائنا فطيرة بالعسل، وهي طريقة تقليدية للتهنئة بعيد (روش هاشناه) الذي يحتفل به  اليهود في رأس السنة اليهودية، أحزنني هذا الأمر كثيرًا؛ لأنه من المؤكد أن أمه هي من أرسلت إليه هذه الفطيرة لتهنئته بالعام الجديد، فنحن اليهود دائمًا نخبز فطائر العسل في رأس السنة اليهودية، وها هو هذا الجندي في مكان يقتل فيه النساء والأطفال، لكنه يهدي شابة فطيرة ويهنئها بالعام الجديد!".

وتابعت سيغيل، سألوني إلى أين أريد أن أذهب؟، فأجبتهم إلى السفارة الأمريكية، وبالفعل وصلت إلى السفارة الأمريكية بسيارة جيب عسكرية إسرائيلية، كان في مقدمة السيارة خريطة كبيرة لمدينة بيروت، شعرت بأن إسرائيل هي المخططة للمذبحة، وأردفت: "استشعرت بذلك عندما أوصلنا سائق تابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية إلى السفارة الأمريكية في بيروت، ووصف بعض الجنود اللبنانيين المتواجدين أمام  السفارة  لتأمينها "بأنه لا فائدة لهم، وأنهم لا يفعلون شيئًا، وأن الجنود الإسرائيليين هم الذين يقومون بكل شئ"، وقال لي: "إن اليوم هو عيد رأس السنة اليهودية، وسألني مستنكرًا: هل تعتقدي بأنني أحب أن أقضيه متنقلًا بين البيوت التي بها أطفال ونساء!؟، فسألته: كم عدد الأشخاص الذين قمت بقتلهم؟ فأجابني : هذا ليس بسؤال يمكن أن توجيهه لأحد".

وأشارت الممرضة سيغيل إلى أنها لاحقاً علمت من مراسل الحرب لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (زئيف شيف) بأن الجنود الذين صوبوا أسلحتهم تجاهنا داخل المخيم هم من ميليشيا الكتائب اللبنانية الموالية لإسرائيل، وأنهم توقفوا عن تصويب أسلحتهم، تنفيذًا لأوامر من  ضابط إسرائيلي.

وتابعت سيغيل : "ذهبت إلى سوريا لمدة يومين، ثم عدت في اليوم الثالث إلى مستشفى غزة (داخل المخيم)، وكان البلدوزر الإسرائيلي قد أزال الجثث وألقى بها في مقبرة جماعية، وذلك يؤكد على مسؤولية إسرائيل المباشرة عن هذه المجزرة التي استغرقت ثلاثة أيام".

مجموعات من القتلة تزيد عن الـ 2000  لتنفيذ المذبحة بقيادة المجرم أرئيل شارون

وقالت سيغيل: "كانوا يعالجون المرضى في مستشفى غزة، وفي الوقت ذاته يستقبلون المصابين من ضحايا المذبحة، من جانبي واصلت عملي في رعاية المرضي، كان هناك عمل كثير، كنت أزور الفلسطينيين في المخيم، كانت منازلهم نصف مدمرة، ومع ذلك كانوا يحاولوا  أن يعودوا إلى نهج حياتهم الطبيعي".

بعد المجزرة، أردت المشاركة مع هؤلاء الناجين من سكان  المخيم في إحياء ذكرى مرور 30 يومًا عليها، وكان المفترض أن نزور قبور الضحايا، ولكن قيل لهم ألا يفعلوا ذلك !

سيغيل مع إحدى الناجيات والتي فقدت العديد من أفراد أسرتها في هذه المجزرة المروعة

وخلال ذلك منظمات دولية كثيرة أرسلت عاملين لديها  في مجال الرعاية الصحية، لكنهم  كانوا يعرفون القليل جدًا عن الفلسطينيين أو عما حدث في المخيمات، لدرجة أن أحدهم سألني "من هو هذا الشخص المسمى شارون؟"

واضطرت سيغيل لمغادرة بيروت والذهاب إلى القدس، من أجل الإدلاء بشهادتها عن تورط إسرائيل في هذه المذبحة الوحشية، وقالت: "أجسادهم الميتة كانت تتكلم، لكن ليس لهم أصوات، لذلك أنا تكلمت عنهم (..) هؤلاء ضحايا، عاشوا مأساة النكبة، غادروا فلسطين البلد الذي ولدوا فيه وأتوا إلى لبنان رغمًا عنهم، وحياتهم في المخيم  كانت بائسة"، وتابعت: "كنت مصرة على الإدلاء بشهادتي فضميري يحتم ذلك، وحذرتني هدلا الأيوبي (المسؤولة الكبيرة في الهلال الأحمر الفلسطيني) من أنني إذا ذهبت إلى القدس لن أتمكن من العودة، وهذا ما حدث بالفعل، فبعد إدلائي بشهادتي توجهت إلى لندن".

وربطت سيغيل مجزرة صبرا وشاتيلا بمذابح الهولوكوست، وقالت: "أعتقد أن ما حدث للفلسطينيين هو ما حدث في تاريخنا اليهودي. منذ كنتُ طفلة، تعلمت أن ما حدث خلال الهولوكوست كان بسبب صمت الناس، لذلك يجب أن نتكلم ولا نسمح بارتكاب هذه الجرائم المروعة بحق البشر بغض النظرعن عرقهم أو دينهم".

وأبدت سيغيل أسفها لأن الحكومات التي تورطت في مجزرة صبرا وشاتيلا،(وهم كثيرون) لم تهتم برعاية الناجين منها، وقالت: "مازال اللاجئون الفلسطينيون منسيين ويعيشون في أوضاع سيئة للغاية حتى يومنا هذا".

مشاهد مرعبة وثّقتها الصحافة العربية والعالمية للتمثيل بجثث الضحايا

وتحدثت سيغيل عن حرصها على المشاركة في ذكرى إحياء مجزرة صبرا وشاتيلا كل عام، حيث تتوجه إلى بيروت خصيصًا من أجل ذلك، وقالت: "سكان المخيم مازالوا هم هم الناس الطيبين فبالرغم من كم التراجيديا التي عاشوها في حياتهم (..) من مأساة إلى مأساة، لكن لديهم القدرة على استعادة الحياة مرة أخرى، ولا يستسلموا".

وعن أسباب زيارتها الأولى إلى لبنان في عام 1972، وعن بدايات علاقتها بالقضية الفلسطينية، وكيف توطدت هذه العلاقة لدرجة أنها تطوعت من أجل إسعاف اللاجئيين الفلسطينيين الذين استهدفتهم  قوات الا حتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وكذلك عرضت حياتها للخطر عدة مرات، فهي بحق مناضلة وبامتياز، فأجابت : "زرت لبنان في ذات  العام الذي جرى فيه  حادث أولمبياد ميونيخ عام 1972، عندما خطفت مجموعة "أيلول الأسود" الفلسطينية لاعبي البعثة الأولمبية الإسرائيلية وطالبت بإطلاق أسرى فلسطينيين مقابلهم، وانتهت بمقتل البعثة الإسرائيلية 11 رياضيا، وخمسة من الفدائيين الثمانية نتيجة هجوم فاشل للشرطة الألمانية، حيث رفضت إسرائيل شروط الفدائيين.

 

 لقد سمعت الكثير عن أسباب هذا الحادث، لكن كنت أريد أن أعرف الحقيقة، فسافرت إلى لبنان وهناك اتصلت بالهلال الأحمر اللبناني وزرت مخيم اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة، وعرضت عليهم المساعدة".

وأضافت: "ذهبت إلى الجنوب بالقرب من الحدود اللبنانية الفلسطينية، ثم ذهبت إلى إسرائيل وعملت في الكيبوتس، ووجدت أن الإسرائيليين يرفضون الذهاب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعضهم عنصري يتعالى على العرب ويعتبرهم قذرين".

وتابعت: "ثم ذهبت إلى لندن وانضممت لجماعة التضامن الفلسطينية اليهودية المناهضة للصهيونية و Jewish anti-Zionist and Palestinian Solidarity Group

وكنت ناشطة جدًا، أذكر - على سبيل المثال - أنني شاركت في مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية بلندن في عام 1973 وسلمنا رسالة للسفير الإسرائيلي، تطالب بحق كل الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وتعترض على سياسات الحكومة الإسرائيلية".

إيلين سيغيل (إلى اليمين) مع غادة كرمي في عام 1973 في مظاهرة  أمام السفارة الإسرائيلية في لندن

وقالت: "أذكر أيضًا أن الصندوق اليهودي القومي أنشأ غابة في فلسطين، فتبرعت بزراعة ثلاثة شجرات، وأطلقت على كل شجرة منهم اسمًا للقادة الفلسطينيين الثلاثة الذين اغتالهم الموساد كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، في حي فردان وسط العاصمة بيروت عام 1973، وضج الإعلام الإسرائيلي حينذاك، بأن غابة إسرائيلية بها ثلاثة أشجار بأسماء قادة فلسطينيين قتلتهم إسرائيل".

ومازالت سيغيل هنا في العاصمة الأمريكية واشنطن تتابع بكل شغف المشهد الفلسطيني، وتشارك في معظم النشاطات المناصرة للشعب الفلسطيني ، وتدعم حركة مقاطعة إسرائيل BDS، عقلها دائمًا مع أصدقائها الفلسطينيين الذين قابلتهم على مدار عقود، بالإضافة إلى المرضى الذين أسعفتهم كممرضة، ومازالت تبحث عن الرضيعة "ليلي"، التي من المفترض أن تبلغ الآن 40 عاماً، فقد أتت إلى  مستشفى  غزة في  سبتمبر 1982 وكانت  تعاني من  حروق خطيرة لكنها شفيت  تحت إشراف سيغيل، وبرعاية أمها.

كما أنها مازالت تتذكر مديرة العلاقات الدولية في الهلال الأحمر الفلسطيني هدلا الأيوبي، التي رحلت عن عالمنا منذ حوالي الأربعة سنوات وقالت سيغيل : "هدلا هي التي حافظت على استمرار عمل الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان، كانت مديرة رائعة وامرأة قوية، كانت تولي الفلسطينيين اهتمامًا كبيرًا، وكذلك المتطوعين من مختلف الجنسيات العاملين في الهلال"، وتابعت "نحن، متطوعو الرعاية الصحية، أحببناها ونتذكرها دائماً باحترام ونعتز بذكراها ".

وترى الممرضة سيغيل، التي جمعت العديد من التبرعات للاجئين الفلسطينيين في احتفالات إحياء الذكرى السنوية للمجزرة، أن هناك تحولاً في الرأي العام الأمريكي والعالمي تجاه التعاطف مع الفلسطينيين، وقالت: "هذا الأمر مستمر وأصبح ملحوظًا، رغم أنني كنت أعتقد أنه ليس هناك أمل".

لقد لبت الممرضة إيلين سيغيل، نداء ضميرها، وقامت بمساندة المجتمع الفلسطيني وفي تضميد جراحه، وبالأخص الناجين من مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، قدمت لهم الدعم ، ووقفت بجانبه في التحديات التي جابهها، في وجه الإرهاب الذي تعرض له من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعملائه.

*الجدير ذكره ووفقًا لتوثيق الأكاديمي الفلسطيني البارز رشيد الخالدي، فإن التقرير النهائي في التحقيقات أقر بأن "رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وشارون وكبار القادة الإسرائيليين مسئولون بشكل مباشر وغير مباشر عن وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، وقال الخالدي:  أن هذا الاعتراف كان لديه تبعات سلبية عليهم ولو لمدة بسيطة من الوقت. لكن الغرض الأساسي كان تدمير الإرادة، حيث استبعدت سيغيل كشاهدة في التقرير الذي صدر بشأن التحقيق   في عام 1983".

ولفت إلى أن الغرض الرئيسي من التقرير وبشكل واضح هو "إثبات أنه لم يخط أي جندي إسرائيلي داخل المخيم أثناء المجزرة، وأن من نفذها هم ميليشيا الكتائب العرب".

 

 

اقرأ ايضا: بعد قرار "الجنائية الدولية".. نتنياهو وجالانت على رادار 123 دولة

 

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com