حرب الإعلام المضادة : “العرب يغزون المنطقة (ج) مع ١٠٠ مدرسة غير قانونية لا تستطيع إسرائيل القضاء عليها”

06:25 م ,22 اغسطس 2021

ما ان بدأت التفاهمات او الاتفاقيات السرية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وامريكا بالتكشف منذ الاحداث الأخيرة التي تمحورت بعد العدوان على غزة بكيفية وتأكيد الحفاظ على وجود السلطة وبقائها. بدأت الأصوات الاستيطانية بإسرائيل بالصياح الذي يبدو انه سيعلو تدريجيا ليفضح خفايا ما يتم اخفاؤه عن الشعب الفلسطيني من قبل حكومته التي تصارع من اجل بقاء رموزها. بدأت باعتراض قدمه المستوطنون بالضفة على سماح إسرائيل بإعطاء تصاريح ل١٠٠٠ وحدة سكنية للفلسطينيين بالضفة بصحيفة يديعوت احرونوت، وتوالت التقارير انتهاء بمنظمة ريغافيم الاستيطانية.

من جهة، ينشغل الشارع الفلسطيني بالالهاءات التي صارت اعتيادية، لشعب أدمن على ما يبدو على الالهاءات كطريق وحيد للحياة. فكل الكوارث جانبية، امام تعديل وزاري مرتقب. والتعديل الوزاري في حالنا الفلسطيني كالانتخابات التي انتهى الحلم بها منذ ان قرر رئيس السلطة ارجائها الى اجل غير مسمى منتظرا موافقة إسرائيل عليها، بائعا الوهم للشعب بتحرير القدس كشرط لقيام انتخابات. وكأن الوطن محرر الا من القدس!

وكما الانتخابات استحالت بسبب الخلاف الفتحاوي على كافة مستوياته من اجل إمكانية الاستحواذ على كرسي لمنصب أبدي ما. كذلك تبدو التعديلات التي لا معنى لها لحكومة اثبتت بكل المقاييس فشلها وعدم نجاعتها الا من التأكيد على مزيد من عدم القدرة والقدرة فقط على قمع الشعب وتهديده وابتزازه ومكافأة الموالين للطاعة العمياء بفرص بمقاعد سيادية تبدأ بوزير وتصل الى سفير وقائد أمني وكل ما يتخلل هذه المناصب لذوي القربى والموالين.

فك الذوبان عن تجميد الاستيطان المؤقت منذ اتفاقيات السلام العربي ليشمل بناء الاف الوحدات الاستيطانية بالضفة ومقابل السماح لألف وحدة للفلسطينيين على أراضيهم بمناطق جيم.

هذا ما ارق المتطرفين من المستوطنين وبدأوا هجومهم المضاد منذ اللحظة الأولى للتأكد من عدم السماح ببناء أي وحدة، وعليه بدأوا بالمطالبة بتدمير أكثر من مئة مدرسة مقامة على المناطق جيم.

وبينما ينشغل أصحاب السلطة الفلسطينيين بالمزيد من التنازلات مقابل إرضاء أمريكا وإسرائيل تحت أي ثمن. تطرق مقال لجوويش برس[1] اليهودية الامريكية الى تحذير من خطر سابق كان يسمى بالنسبة لهم – رئيس وزراء فلسطيني الأسبق – سلام فياض.

يفتتح المقال الذي يحمل عنوان: “العرب يغزون المنطقة (ج) مع ١٠٠ مدرسة غير قانونية لا تستطيع إسرائيل القضاء عليها” [2] بعبارة:

 “سلام فياض هو على الأرجح البطل الشرعي الوحيد للدولة الفلسطينية المستقبلية، إذا كان لدينا واحد في يوم من الأيام، لا سمح الله. وفياض – وليس ياسر عرفات أو محمود عباس – هو من نال الحق في أن يخلد على النسخة الفلسطينية من جبل راشمور.”

جبل راشمور لمن لا يعرف، هو الجبل الموجود بولاية داكوتا الجنوبية بأمريكا والمقام عليه النصب التذكاري المنحوت في الجرانيت لاربع رؤساء أمريكيين – جورج واشنطن، توماس جيفرسون، ثيودور روزفلت، وابراهام لينكون.

يقول كاتب المقال ان رئيس الوزراء الفلسطيني في حينه سلام فياض أعلن عن انشاء دولة فلسطينية بحكم الامر الواقع على حدود ال ١٩٦٧: ” كان الهدف الرئيسي لخطة فياض هو طمس الحدود بين المناطق (ب) و (أ) و (ج) لتحقيق الضم الفعلي للمنطقة (ج)، والتي تشكل حوالي ٦٢٪ من الأراضي في يهودا والسامرة وتحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة – على الأقل على الورق، الورقة المذكورة هي اتفاقيات أوسلو. تعمل خطة فياض من خلال خلق تواصل جغرافي يمتد من السامرة إلى المنحدرات الجنوبية لجبل الخليل. من خلال بناء عشرات الآلاف من المباني غير القانونية، واختراقات الطرق، والاستيلاء على الأراضي، وتسجيل الأراضي، ظل وكلاء السلطة الفلسطينية يثبتون الحقائق على الأرض منذ أكثر من عقد.”

 

يصف كاتب المقال فياض بالتالي:

“رجل صاحب رؤية حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة تكساس في أوستن.  بدا فياض مثل مارتن لوثر كينغ

 ((MLK الفلسطيني، أو، إذا كنت تفضّل، هيرتزل فلسطيني، عندما أعلن في عام ٢٠١٢:” الدولة ليست شيئاً سيحدث للإسرائيليين، ولا شيئاً سيحدث للفلسطينيين … إنه شيء سينمو على كلا الجانبين كحقيقة … من خلال خلق الاعتقاد أن هذا أمر لا مفر منه خلال العملية، تقارب مسارين: المسار السياسي والعملية ذاتها، من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل.”

وعليه، على حسب المقال- وقفت إسرائيل عاجزة امام حملة فياض المليئة بالخيانة الكبيرة التي دعمها الاتحاد الأوروبي بحماس، وقريبا أكبر حليف لإسرائيل المشغول حاليا بإنهاء تحالفه بأفغانستان.

المقال، مبني على تقرير لمنظمة ريغافيم[3] الاستيطانية التي تنشط منذ ٢٠٠٦ تحت اسم “جمعية الحفاظ على الأراضي القومية”، بمنع أي بناء او نشاط فلسطيني بالمناطق جيم. حيث تختص بجمع المعلومات حول البناء والتوسع الفلسطيني بتلك المناطق فتحارب وتنشر تقارير وتكشف “الانتهاكات” و”الخروقات” التي يرتكبها الفلسطينيون على أراضيهم…”أراضي الدولة” بالنسبة للجهة الاستيطانية.

وتختصّ الحركة بجمع المعلومات حول البناء والتوسّع في القرى والمدن في الضفّة الغربيّة والداخل المحتلّ، وتستأنف ضدّها في القضاء الإسرائيلي، وكذلك تضغط على جهات حكوميّة لضرب الوجود الفلسطينيّ في الضفّة والداخل.

بحسب تقارير صحفيّة، تحظى الجمعية بتمويل حكوميّ من الوزارات المختلفة، خلافًا للجمعيات والمنظمات الأخرى، بينما وكشفت تقارير أخرى بأن أعضاء الجمعية هم مستوطنون يعيشون بمستوطنات غير شرعيّة في الضفة الغربيّة، وأن المستوطنات الإسرائيليّة بالضفّة الغربيّة تموّل هذه الحركة بملايين الشواكل.

كما نشطت الحركة في سلب بدو النقب أراضيهم وتوطينهم في تجمعات بدوية ثابتة، مثل الزرنوق وغيرها، وكذلك العمل على إخلاء قرية سوسيا في الخليل.

يبدو الامر مضحكا لوهلة، كيف يضيع هؤلاء الاحداث ويركبون التفاصيل ويعيدون تشكيل الواقع عبر حقيقة يصدقونها. قلب مرعب للحقيقة وواقعها. إدارة محكمة لقلب الباطل الى حق.

المهم، تكرس هذه المنظمة\الموقع حملة ممنهجة على موقعها تحت عنوان “المعركة من اجل المنطقة جيم”[4] تطارد من خلالها بالفعل كل ما يمكن توقعه او تخيله من نشاطات الفلسطينيين على “أراضيهم”. من جولة سريعة على عناوين التقارير يمكن فهم ما تقوم به هذه المنظمة من عمل حفيف على منع أي فرصة للفلسطينيين بالتواجد واستخدام أراضيهم. من العناوين: “البناء غير القانوني مستمر بينما تلعب الحكومة بينغ بونغ”، “فقط بعد اعتراض ريغافيم للعليا: هدم بناء غير قانوني على موقع أثري”. “المعركة من اجل المنطقة جيم بالأرقام”، ” المدارس والمعركة على المناطق جيم، وغيره من التقارير والمقالات التي كتبت خلال الأعوام الأخيرة في “معركتهم” ضد التواجد الفلسطيني الفاعل على المناطق جيم.

يبدو بالفعل مضحكا، او بالأحرى مثيرا للسخرية، حربهم ضدنا، وكأنه لا يكفي الفلسطيني ما يعيشه من اضطهاد سلطاتهم وسلطته. مواطن اعزل متروك بالكامل بين مطرقة المستوطن وسنديان سلطته التي تشرع في تلك المناطق للاستيلاء هي الأخرى على الأراضي تحت نفس الاسم الذي يستخدمه المستوطنون “أراضي دولة”، وما تبقى للمواطن من رزق شحيح من اجل ضمان حياته تلك على شفة العوز او الموت سحقا تتربص له منظمة استيطانية ضمن العشرات مثلها منتشرة ارجاء الضفة وتبيع حقيقة تختلقها للأمريكيين والغرب.

التقرير الأخير الذي التقطته الآن رديفتها الإعلامية جوويش بريس يستطرد كاتبه قائلا:

” كشف تقرير جديد لحركة ريغافيم، تم الكشف عنه يوم الثلاثاء، أنه على مدى السنوات الـ ١٢ الماضية، أنشأت السلطة الفلسطينية مئة مدرسة جديدة وغير قانونية في المنطقة ج، معظمها بتمويل دولي.

يُظهر تحليل البيانات أن حوالي 30 مدرسة غير قانونية تم بناؤها على أراضي الدولة ومسح الأراضي – وهي مناطق كان يجب تخصيصها للمستوطنات الإسرائيلية – لكن لم يتم تخصيصها أبداً. تم بناء سبع مدارس غير قانونية داخل مناطق تدريب الجيش الإسرائيلي بالذخيرة الحية؛ أربعة داخل المحميات الطبيعية؛ ستة مواقع أثرية داخل؛ وثلاثة على أرض خاصة.”

يبدو ان كاتب المقال مصاب بعقدة فياض، على غرار أصحاب السلطة الفلسطينية التي شرعت ومنذ تولي فياض الحكومة وخروجه منها الى شيطنته وتحميله وزر البنوك والقروض من جهة، والتفريغات العسكرية واسطورة دايتون الأمنية من جهة أخرى. ليظهر “رجل أمريكا المدلل” على حسب الترويج الفلسطيني-الإسرائيلي-الأمريكي المؤدلج في صورة حقيقية تؤرق الأكثر تشددا ويمينا في الأيديولوجية الصهيونية.

 

يسترد المقال كما يلي:

“إليكم مزيجاً آخر من الذكاء والفطنة (يستخدم كلمة خوتسبا المشتقة من العبرية) على غرار فياض: تم إنشاء ١٩ مدرسة على أراضي المنطقة ب، ولكن تم توسيعها دون ترخيص للأراضي المجاورة في المنطقة ج.

بصراحة، يتذكر المرء طريقة “حوما او مجدل” الرائعة (البرج والسياج العازل)، وهي طريقة الاستيطان التي استخدمها المستوطنون الصهاينة في فلسطين الانتدابية خلال ١٩٣٦-١٩٣٩ من الثورة العربية المؤيدة للنازية. تم تقييد إنشاء مستوطنات يهودية جديدة من قبل سلطات الانتداب، لكن البريطانيين أعطوا موافقتهم الضمنية على البرجين والبؤر الاستيطانية التي قال اليهود إنها وسيلة لمواجهة الثورة العربية. باستخدام ورقة التين القانونية هذه، تم إنشاء حوالي ٥٧ مستوطنة يهودية، بما في ذلك ٥٢ كيبوتسات والعديد من القرى الصغيرة، في جميع أنحاء البلاد.”

ويضيف الكاتب بأسف ان من قام بدور المستوطنين الاذكياء كانوا فلسطينيين في هذه الحالة:

” يا للأسف، المستوطنون الأذكياء في النسخة الحالية للقصة هم فلسطينيون، والحكومة الغبية هم الإسرائيليون. كان نجاح استراتيجية هوما مجدل مرتبطًا بحقيقة أنه بمجرد إنشاء هذه المستوطنات، سيكون من غير القانوني للبريطانيين إزالتها، بسبب القانون التركي العثماني الذي كان ساريًا والذي نص على عدم وجود بناء غير قانوني. يمكن هدمها إذا اكتمل السقف. استراتيجية فياض اليوم تربح لأن إسرائيل لا تستطيع تحمّل هدم المدارس التي دفع الاتحاد الأوروبي تكاليفها – أسوأ البصريات على الإطلاق.”

وامام التغول “الفلسطيني” (السابق) على الطريقة الاستيطانية الصهيونية بوجهة نظر الكاتب، يضع قضية المدارس التي بنتها السلطة فترة رئيس وزرائها السابق، يختتم المقال:

“لكن انتظر، إنه يتحسن. يُظهر تقرير ريغافيم أيضاً أن الكثافة في مدارس السلطة الفلسطينية (٣١٣ طالبًا في المتوسط ​​لكل مدرسة) أقل من الكثافة في المدارس الإسرائيلية (٣٣٧ طالبًا في المتوسط ​​لكل مدرسة) وأقل بكثير من الكثافة في المدارس في الأردن (٤٧٦.٩ طالبًا في المتوسط) في كل مدرسة). تشير هذه البيانات إلى أن إنشاء المدارس غير الشرعية لا ينبع من حاجة، وبالتأكيد ليست حاجة ملحة، لمدارس جديدة.”

وهنا، تقع رواية نعيشها يوميا في إضاعة الحقوق واستباحة البشر، ليبدو ان الإسرائيلي هو المظلوم والمستباح امام الطوفان الفلسطيني المتوغل في حياته. من الممكن ان تكون المعلومة الإحصائية بشأن نسبة عدد الطلاب للمدارس صحيحة، ولكن تغافل الكاتب عن مساحة المدرسة مقابل المقدرة الاستيعابية للأعداد. الامر الذي يشكل ما هو أقرب للكارثة البشرية والبيئية في المدارس الفلسطينية.

بينما نقف مكتوفي الأيدي امام كل ما يحدث، بانتظار معجزة لمن لا يزال يؤمن بأن هناك معجزات تخرجنا من هذا القعر السحيق، او بانتظار حل تفرضه الإدارة الامريكية والمجتمع الدولي إذا ما كان لا يزال به نبض حياء لما يحصل من توغل للسلطة الفلسطينية يطال يوميا الحريات. كان اخرها مشهد الامس من اعتقال أكثر من عشرين متظاهر (قبيل المظاهرة) من اجل المطالبة بتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن جريمة مقتل نزار بنات. تعيد السلطة فقط تشكيل سلطتها من خلال اقتتال مستعر على المناصب بين تدوير وتسخير وتوطين لأصحابها المتمركزين والمتربصين لمقعد أبدي ما.

تعمل المؤسسة الإسرائيلية بكافة أذرعها الرسمية وغير الرسمية الممتدة في محاربة أي فرصة تمكن نهضة فلسطينية يمكن التعويل عليها او التفكير بها.

فالحراك الدبلوماسي الفلسطيني يرتكز على منح وظائف لأولي السلطة واقاربهم وصراع دامي وفضائحي في معظم الأحيان، بينما الحراك الفلسطيني السلطوي يقوم بالتوازي مع التسابق على المناصب باقتسام ما كان يسمى بأراضي الدولة بين أصحاب السلطة المتنفذين بإنشاء مشاريع استثمارية خاصة بهم.. اخرها يجري بجبل قرنطل بأريحا.

 

* كاتبة مقدسية

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيــــاة"

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com