لقاحات كورونا .. صرخات لا مجيب لها والأولوية لـ"عظام الرقبة" !

01:34 م ,20 ابريل 2021

تعيش الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر وضعًا صحيًا حرجًا نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والذي تسبب في توقف الكثير من المواطنين عن أعمالهم خشية الإصابة بالعدوى ونقلها إلى عائلاتهم وأبنائهم وذويهم.

 ومنذ شهور تُواصل وزارة الصحة الفلسطينية ممثلة بالوزيرة مي كيلة وطاقمها الإداري مساعيها مع العديد من الدول لتوفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، وقد استجاب عددٌ من الدول لنداءات وزارة الصحة، فقامت بإرسال العديد من قوافل اللقاحات للمساهمة في الحد من تفشي كوفيد 19.

لكن اللافت في الأمر، والذي اضطرنا إلى تسليط الضوء عليه لنكون الصوت الفلسطيني أينما كان، وفق السياسة التحريرية المهنية التي يَتبعها موقع دار الحياة – واشنطن، هو كَم المناشدات والشكاوى التي وصلتنا من مواطنين يعيشون في الضفة الغربية تحت وصاية السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية، والتي مفادها هو وجود العشرات من كبار السن والمرضى الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاما الذين لم يتلقوا اللقاح حتى الآن على الرغم من تسجيلهم عبر الرابط الذي نشرته الوزارة عبر موقعها على الشبكة العنكبوتية.

ولعل أبرز التناقضات وفق ما يرى مختصون ومحللون فلسطينيون، هي الدعوات والمناشدات والمطالبات المتكررة لرئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية للمواطنين بضرورة الذهاب إلى مراكز وزارة الصحة لتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بينما يجري خلف الكواليس أكبر وأعظم من تلك الشعارات والدعوات الوهمية والتي يُمكن تلخيصها في تلقي كِبار المسؤولين في الضفة الغربية وعائلاتهم التي تشمل أبناءهم الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20-40 عاما اللقاحات منذ فترة وفي البداية  بدون أي جهد كونهم من "عظام الرقبة" بينما يعتصر المرضى ألمًا وقهرًا مِن مطالباتهم ودعواتهم المتكررة للحكومة بضرورة توفير التطعيمات واللقاحات اللازمة ولكن لا حياة لمن تُنادي.

تقول إحداهن التي طلبت عدم الكشف عن اسمها لموقع دار الحياة – واشنطن: إن " القصة بدأت عندما دعت وزارة الصحة ورئيس الوزراء المواطنين إلى التسجيل لتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، ليقوم جدها البالغ من العمر 90 عامًا وزوجته المسنة كذلك بالتسجيل للتطعيم إلا أن الوزارة تأخرت عليهم كثيرًا باللقاح وحتى يومنا هذا لم يتلقوا رسالة تُفيد بتحديد موعد لتلقي التطعيم وفي ذات الوقت كان هناك في المدينة عائلات اخرى  من أقارب المسؤولين تلقت اللقاح بجرعتيه، رغم أنهم ليسوا من كبار السن."

وأضافت: " بالرغم من ابلاغنا الجهات المختصة بوجود مسنين يحتاجون للتطعيم، والعائلة بحاجة إلى قدوم احد الطواقم الطبية لتطعيمهم داخل المنازل أو بحجز دَور يُمكنهم من تلقي اللقاح المضاد لكوفيد 19 بسرعة حرصًا على عدم نقل العدوى وكونه "من الأصل" مرضى، فلم نلق أي استجابة من قِبل الطواقم الطبية" حسب قولها.

وأردفت: "بقى المسنان ينتظران تحديد موعد لتلقي جرعات اللقاح لفيروس كورونا، وبعد طول انتظار اضطرا للذهاب بأنفسهم إلى مراكز وزارة الصحة لتلقي التطعيم دون موعد مسبق، لم يكن هناك حل سوى توجههم إلى تلقي اللقاح بأنفسهم، وتفاجئوا بوجود الفوضى وعدم الالتزام، ناهيك عن الطابور الطويل اللذي اضطرا للانتظار فيه لتلقي اللقاحات إلا أنهما لم يتمكنا من ذلك أيضًا نظرًا للتزاحم والاكتظاظ الكبير الموجود في المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة".

وهناك مواطن فلسطيني يبلغ الـ 70 من عمره ويشكو من أمراض مستعصية، ورغم تسجيله في كشوفات وزارة الصحة، لم يتمكن من تلقي اللقاح حتى الأسبوع الماضي، استطاع بواسطة جيرانه الذين تربطهم صلة قرابة بأصحاب صيدلية لهم علاقات مع شركات دواء في إسرائيل، توفير اللقاح. 

 

وكذلك هناك حالة مرضية لسيدة مسنة في احدى محافظات الضفة الغربية، كانت تلقت الجرعة الأولى من لقاح كورونا قبل شهر من الآن، ولكنها لم تتلقَ الجرعة الثانية حتى اللحظة، ولم يتم ابلاغها بعد بموعد الجرعة الثانية، الأمر الذي من شأنه الاضرار بصحتها وسلامتها الجسدية والنفسية.

وقد رصدنا حالة أخرى تُؤكد تفشي واستشراء الواسطة والمحسوبية والمحاباة فيما يتعلق بملف فيروس كورونا، نشرها صاحبها طلعت أبو علان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قائلًا: " اتصل بي أحد الأصدقاء من الفلسطينيين بالداخل المحتل، وأخبرني بإصابته بفيروس كورونا المستجد، وفورًا توجهت معه لمستشفى دومة جنوب الخليل وأجريت له فحصا وعدت لأحجر نفسي في البيت".

ويتابع المواطن "أبو علان": " اتصل بي أحد الأطباء مساءً وأخبرني بأنه سيتم نقلي إلى مركز الحجر الصحي في حلحول بمستشفى الهلال الأحمر، وبالفعل تم نقلي وأخذ عينات من جميع المخالطين لي، وبعد يومين تم تأكيد إصابة زوجتي وثلاثة من أطفالي وأقاربي، وتم حجر عائلتي في المنزل وأنا حُجرت بالمراكز الصحية، حيث حاولت طلب نقلي لعائلتي إلا انه قُوبل بالرفض الشديد، حيث الوضع النفسي والمادي لهم كان يتطلب وجودي بينهم في تلك الظروف العصيبة".

ويُوضح أبو علان، بعد 11 من الحجر الالزامي تفاجأت بمغادرة القاضي المصاب لمركز الحجر الصحي، بعد قضائه لليلة واحدة فقط، وكذلك خروج اعلامي مصاب بكورونا مع عائلته بعد ليلتين فقط من الحجر، وقد تم اعلامنا أنه سيتم نقلهم إلى مركز الحجر الصحي في بيت لحم وتبين لاحقًا مغادرتهم لمنازلهم خلافًا لما قِيل لنا".

ويردف المواطن: " أخر ما كنت أتوقعه هو وجود الواسطة والمحسوبية في وزارة الصحة، حيث يُغادر المواطنين فقط بسبب الواسطة والمحسوبية إما لقربهم من مسؤولين بالسلطة، أو أصحاب مناصب عُليا أو مسؤولين في الصحة والتنمية والتعليم أو غيرها"، وعلى المواطن أن يسعى بنفسه من أجل توفير اللقاح له ولأسرته.

ويختم المواطن حديثه بالقول: " من باب الأمانة فإن ظروف الحجر كانت جيدة والمركز مؤهل للتعامل مع مصابي كورونا، والطاقم العامل كان في منتهى المهنية واللطف إلا أن الواسطة والمحسوبية كان حاضرة وبقوة".

وبالنظر إلى ما تحدث به المواطن الفلسطيني طلعت أبو علان نرى صورًا أخرى للواسطة والمحسوبية في ملف كورونا بالضفة الغربية وهناك قصص اخرى مشابهة من قطاع غزة، إلا أنها لا تبدو ظاهرة بالشكل اللافت كما هو الحال بالضفة الغربية.

 

ومن باب المهنية والموضوعية، منحنا وزارة الصحة برام الله حق الرد فيما هو منسوبٌ لديها، وبالتواصل مع مدير عام الخدمات المساندة في وزارة الصحة اسامة النجار وطرح تساؤلاتنا عليه، أشار إلى أن الرد على تلك التساؤلات هو من مَهمة الناطق باسم الوزارة الدكتور كمال الشخرة وقد حاول موقع دار الحياة التواصل معه عشرات المرات بالاتصال المباشر أو ارسال الرسائل النصية "sms" إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.

من جانبه، أوضح المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" عصام حسين، أن حجم الفوضى بالطريقة التي تُدير بها الحكومة الفلسطينية ووزارة الصحة ملف الجائحة بشكل عام، وادارة عملية توزيع اللقاحات بشكل خاص ملحوظ جدًا، ما يُفاقم الوضع الصحي ويخلق بلبلة كبيرة، مضيفًا خلال تصريحات  صحافية أدلى بها: " الأمر معقد ولا يُمكن للحكومة وحدها ادارة هذا الملف بعيدًا عن المجتمع المدني، لكن وزارة الصحة ترفض هذا الأمر، وتصر على احتكار المعلومات لديها فقط".

ولفت حسين، إلى أن الخطأ الكبير الذي تقع فيه وزارة الصحة فيما يتعلق بلقاحات كورونا، هو عدم اعتمادها على المعلومات الواردة إليها من الجهات المركزية التي تمتلك احصائيات دقيقة، حيث أن وزارة الداخلية الفلسطينية لديها سجلات كاملة ودقيقة بأسماء المواطنين وأعمارهم وأماكن سكانهم، ووزارة الصحة لديها قاعدة بيانات كاملة للمصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن، متسائلًا: " لماذا نلجأ اذا للتسجيل عبر المنصة بحجة تحديد الأولويات؟ والذي ينتج عنه تزاحم المواطنين على مراكز التطعيم، والأخطر توزيع اللقاحات بالطرق غير المنتظمة بالمطلق".

ودعا المدير التنفيذي لـ"أمان" إلى ضرورة وجود لجنة رقابية محايدة ومستقلة تكون مهمتها الرقابة على توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا لمستحقيها لوضع حدٍ لأي شائعات، فالشارع لم يعد يحتمل مزيدًا من الفوضى، مطالبًا بتشكيل لجان وطنية تضم الحكومة الفلسطينية ومؤسسات القطاع الخاص والمنظمات الأهلية والمدنية، بعيدًا عن الفصائل والقوى السياسية.

قطاع غزة ولقاحات كورونا

تقريرنا لا ينسب الخطأ أو التقصير لدى جهة عن غيرها، لكن المعروف أن قطاع غزة يعيش حصارًا اسرائيليًا منذ ما يزيد عن 14 عامًا منذ بدء حُكم حركة حماس له عام 2007 عقب نجاحها في حسم الصراع مع حركة فتح التي كانت تسيطر على القطاع، وهو ما تسبب بتعاظم الكارثة الصحية في قطاع غزة نتيجة نقص لقاحات فيروس كورونا، إلا أنها كانت سبّاقة لإطلاق المنصة الالكترونية لتسجيل الراغبين في تلقي التطعيمات وكانت الأولوية للمرضى وكِبار السن وفق ما يُؤكد مسؤولون في الوزارة بغزة.

لم يسهب الناطق باسم وزارة الصحة بغزة الدكتور أشرف القدرة بالحديث عن الأمر بشكل خاص واكتفي بالقول لنا: " ندعو كافة المواطنين إلى ضرورة التوجه لمراكز وزارة الصحة لتلقي اللقاح وفق أولويات الوزارة المُعلنة منها العُمر والحالة المرضية، مؤكدًا على مأمونية وسلامة اللقاحات المتوفرة في قطاع غزة" مسندًا التصريح في الموضوع إلى مسؤول ملف كورونا ونائب مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة د. مجدي ضهير، الذي حاولنا التواصل معه مرات عديدة إلا أننا لم نتمكن من إجراء حوار خاص معه نظرًا لانشغاله المستمر إلى حين كتابة هذا التقرير.

الجدير ذكره، أن وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة لديها نشرة من خلال تقريرها اليومي بعدد اللقاحات التي وصلتها من الدول المانحة وعدد الذين تلقوا اللقاح حتى اليوم والتي جاءت على النحو الآتي، اجمالي الجرعات التي وصلت قطاع غزة:  81600 جرعة وهي تكفي 40800 شخص وبلغ اجمالي الاشخاص الذين تلقوا اللقاح: 33877 شخص، خلافا للتقرير اليومي للوزارة في رام الله التي لا تُعلن عن كميات اللقاحات التي وصلتها وعدد الذين تلقوا التطعيمات منها والأولوية التي تعتمدها في اختيار المستحقين له.

والسؤال هل توزيع اللقاحات وتطعيم المواطنين الفلسطينين، مثل الإنتخابات أيضا، يتطلب وإشرافاً دولياً ورقابة صارمة تجنبا لوقوع مخالفات، و لضمان أمنها وكفاءتها بالإضافة لنزاهتها وعدالة توزيعها !؟  

 

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com