ولقد انتشرت على شبكة التواصل الاجتماعي هذه التعديلات، وكم تمنيت أن يخرج علينا من يكذبها أو ييسرها على الناس، إلا أن الأمر مازال يسير على مساره، ومازالت الحيرة تتمكن من خلق الله، فاللهم عليك بنا حتى نريح ونستريح. وأظن وبعض الظن إثم وقبله أيضا، أن التعديل على هذا النحو لا يخرج عن ثلاث، الأول: صدر دون دراسة شاملة، وعدم دراية تامة بطبيعة الملكية فى الريف خصوصا وفى الحضر عموما، وأن ما يزيد عن خمسين في المائة من الأراضي غير مسجلة تسجيلا نهائيا، وإذا أردنا تسجيل الوحدات المقامة عليها عجزنا عن ذلك. الثاني: تعظيم موارد الدولة المالية من جيوب المواطنين، وإغراقهم لسنوات في دهاليز المحاكم، وقطع أنفاسهم في أروقة المصالح الحكومية، واللهث خلف ورثة الأملاك للبحث عن ورقة هنا أو هناك، والتفتيش عن مسلسل الملكية من قبر ميت إلى قبر ميت آخر، ومن حي هنا إلى حي هناك، حتى ينجو من ينجو، ويموت في معركته هذه من يموت. الثالث: ومعه يتوفر حسن النية حول رغبة الدولة في تثبيت وتأكيد ملكية الناس، وحصرها أيضا، وحسن النية هذا ليس طريقا إلى الجنة في بعض الأحيان.
.. وأنا أقسم هنا أنني مع كل قرار فيه مصلحة المواطن، وليس عيبا أن يكون للدولة أيضا نصيب مما في جيوبنا، فنحن نرعاها ونصرف عليها، ونراها أما رؤوما وترانا نحن المتسولين على أبواب المساجد ونعود لها بالخير الوفير في المساء، لكنني ضد عشوائية القرار دون دراسة، ومع ضرورة معرفة جيدة لطبيعة الملكية، والأهم أن يأخذ القرار أو القانون الوقت الكافي والمناسب لتنفيذه، دون عجلة فى الأمر، ولو قرأ أسيادنا أن «في التأني السلامة وفى العجلة الندامة» ما تراجعوا عن قرارات كثيرة غير مدروسة كما حدث من قبل فى غرامات التصالح، ولو تدارسوه وأفاضوا فيه وعرفوا من الناس تفاصيله وأسراره ومشاكله لكان القرار صائبا وعادلا، وما فتحوا أبواب الفساد والاحتيال، وأبشركم أنهم سيتنازلون عن الإجراءات السليمة قريبا لإنجاز المهمة لنيل الرضا، وتحصيل أموال التسجيل، ومع هذا التساهل ستعم الفوضى والفساد والتزوير، وسيلجأ الكثيرون إلى شهود الزور والأوراق المضروبة وستضيع حقوق الكثير من الناس وأملاكهم، وستكون الغلبة لمن كان فى أول الصفوف حتى لو كان مزورا وفاسدا، وكان الأجدر التعامل مع الأمر بحكمة، الريف طبيعة الملكية فيه تختلف عن المدن، والمدن الجديدة تختلف عن القديمة، والساحل الشمالي والسخنة مختلف عن هذا وذاك، ومستندات الملكية تختلف فى كل منهم، وهناك أراض فى أماكن ممنوع تسجيلها، ومعظم ملكية سكان الإقليم بعقود ابتدائية، وغالبية الأراضي غير مسجلة، والمالك الرئيسي إن لم يكن مقيما بها فعليك السلام، ولكل مكان طبيعته الخاصة، وتحتاج تعديلا تشريعيا في إجراءات التقاضي وكذلك في التسجيل.
ونقترح على السادة الأفاضل تأجيل هذا القرار لمدة خمس سنوات لترتيب الأوضاع، على أن يتم تسجيل الوحدة تسجيلا مستقلا عن الوحدات الأخرى فى ذات المبنى، دون الحاجة إلى تسجيل الأرض. تصوروا لو أن مالكا اشترى أرضا من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ووفقا لهذا القرار لا يعتد بأوراق الهيئة الحكومية هذه أمام شركات حكومية أيضا وهى الكهرباء أو الغاز أو المياه، إلا إذا سجل الأرض فى الشهر العقاري، (هنا فقط أرفع صوتي وأقول عرفت سبب هذا القرار) أرجوكم تراجعوا عن هذا القرار الذى يربك السوق، وتدارسوا الأمر جيدا مع أصحاب الشأن والمتخصصين. فليس هكذا يكون تحصيل المال، وليس من الحكمة الاستهانة بمقدرات الناس ومصالحهم وأملاكهم. أعاننا الله عليكم.
* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com