يتكلم خبراء المال بنظريات عن دواعي تخفيض عوائد الأوعية، وضرورتها، وعلى رأسها تشجيع الناس على وضع مدخراتهم فى مشروعات استثمارية، وليس المقام هنا الدخول فى جدل حول طروحات اصلاحية تقول بها النظريات، فلهذا مجاله ومتخصصوه، لكنى اتكلم عن هؤلاء، الذين بالكاد يتحصلون على معاشات لم تعد تسد حتى بعد الزيادة، فاتورة نور او مياه او ضريبة عقارية،. اتكلم عن واقع معيشي لملايين من الطبقة المتوسطة.. آباء يعيلون ابناء أنهوا دراساتهم ولم يعملوا، اجداد مازالوا يسهمون فى مصاريف احفاد..
سيدات وسادة شغلوا مناصب رفيعة ومنحوا لأربعة عقود ذواتهم لهذا البلد بما يرضى الله.. لا تاجروا ولا سقعوا ولا ارتشوا، وتواكبت الظروف او تكالبت مع بلوغهم الستين، فكانت النواة التي تسد بعض الشيء عوائد اوعية ادخارية، كل جنيه ينقص فى هذه العوائد يترك فراغا ماليا لا سبيل امام هذه الفئة لتعويضه، فلا هم بإمكانهم صحيا او ماديا الاستثمار او عمل مشروعات ولاهم يجدون فرصا اخرى للدخل، وانا على يقين ان كثيرين منهم لو وجدوا في شيخوختهم فرصا للعمل، لسعوا اليها، كل ما استطاعوا عمله حتى لا ينكشف الستر، كان بيع حتتين دهب على مكافأة نهاية الخدمة أودعوه وعاء ادخاريا وحاولوا ضبط الحياة..
اخيرا وجدنا صوتا لا يطبق النظرية دون طلة على الواقع المعيشي.. وجدت من المتخصصين من يدرك الحال ويعى الابعاد ..
الدكتورة بسنت فهمى الاقتصادية والشخصية العامة فى مداخلة لها مع الاستاذ اسامة كمال فى برنامجه تسعين دقيقة.. كانت الدعوة للتعليق على ظاهرة عودة توظيف الاموال فى صورة المستريح الذى يلم فلوس الناس بإغرائهم بربوية عالية، ثم يختفى بالفلوس بعد مدة..
الدكتورة بسنت وسعت من زاوية الرؤية، وكان فيما قالته ما يستحق التوقف، وبالذات للأثر الذى يحدثه التخفيض المستمر لأسعار الفائدة فى البنوك على حركة دوران الاقتصاد وعلى القوة الشرائية.. وربما على خروج المدخرات من البنوك، بعد النجاح الذى كان منذ سنوات فى الشمول المالي (استقطاب المواطن من كل الشرائح ليضع فلوسه فى البنك)..
أكدت انها لا تتفق مع تخفيض سعر الفائدة، بل لم تكن تتفق معه، وكثيرا ما حذرت منه، لانه قد يخلق مشكلات اكبر و«حايطلعوا لنا بتوع توظيف الاموال تانى»، كان مدخلها دعوة واضحة لان نكون واقعيين، وعلينا ان نرى ان أعدادا كبيرة من المصريين، تعبوا، ويعولون في استمرار حيواتهم على فائدة البنوك... هناك شرائح من العمالة تأثرت وعلى رأسهم العاملون فى صناعة السياحة التي ضربت فى مقتل منذ ٢٠١١، ومنهم من باع بيته او سيارته ليتمكن من الصرف على تعليم ابنائه ومنهم اصحاب المعاشات والمرأة المعيلة وعديد من الفئات..
قالت الدكتورة بسنت انها كثيرا ما حذرت من تخفيض اسعار الفائدة، وبحسب تعبيرها: قلنا يا جماعة خللوا بالكم فيه ناس عايشة على هذه الفوائد، أصحاب المعاشات والمرأة المعيلة وناس كتير، مقدرش اقول كل يوم اقول لهم اصل التضخم نزل وخفض الفايدة تكلمت الدكتورة بسنت عن تداعيات خفض الفائدة على القوة الشرائية، وبحسب قولها وردا على ما يراه بعض المتخصصين من ان خفض فوائد البنوك يدفع الاستثمار، قالت إنها تختلف تماما، عمر سعر الفايدة ما كان هو العامل المؤثر، دكتورة بسنت فى سياق الكلام قالت جملتين لا تخلوان من الدلالة، اولاهما ان الموضوع كبير، وثانيتهما احنا بندور عجلة الاقتصاد من اجل الامن والسلم المجتمعي..
في الخفض الماضي لأسعار الفائدة البنكية تواصلت مع زميل إعلامي معروف، له قنواته مع المعنيين بالبنوك، وحملته رسالة، فوائد البنوك هي ما تبقى من ستر لأناس كدوا لعقود بما يرضى الله، ولن يقوض الاستثمار ان تكون هناك اوعية ادخارية بفائدة معقولة تستر رجلا سبعينا او امرأة معيلة او اسرة شهيد.. لماذا لا يكون التفكير، حين يتعلق الامر بالطبقة المدكوكة الا جوه الصندوق؟!
* صحفية مصرية
المصدر: "الأهرام"
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com