عقد ملازم لوثيقة الزواج ليس بجديد ولا بدعة

12:48 ص ,16 فبراير 2021

لما طالبنا في المقال السابق بعقد مدنى ملازم لوثيقة الزواج، ليس أصلا من أصوله، ولا شرطا من شروطه، ولا يعتد به إلا بإتمام عقد «النكاح» الزواج، وهو اختياري، وبنوده بالاتفاق والتراضي بين الزوجين، قالوا: ما هذا إلا بدعة وضلال يتبناها ويروج لها المخادعون، ومخالفة صريحة للميثاق الغليظ الذى ربط الله به طرفا النكاح «الزواج»، وهذه الاشتراطات أو هذه العهود تتقاطع وتتخاصم مع المحبة والأنس والألفة التي أوصى بها الله. ونرد على هذه الأقاويل: ليس ثمة تناقض بين هذه الاشتراطات أو العهود وهذا الميثاق الغليظ الذى وصفه الله تعالى، فهو تحديد لمسار الحياة يحافظ عليها بدلا من تفكيكها فى أروقة المحاكم، أو تبادل الاتهامات بين الزوجين والإساءة المعلنة بينهما على رؤوس الأشهاد، أو الزواج بأخرى على حساب سلامة واستقرار الأسرة، أو ترك الأولاد دون نفقة، أو تعليق الزوجة لا هي بالمطلقة أو المتزوجة، هذه هي الخطوط التي تتقاطع وتتخاصم مع الميثاق الغليظ، ولو كانت هذه الاشتراطات أو بعضها ومخاوف ومحاذير الطرفين مكتوبة وملزمة لما تحول هذا الميثاق من غليظ إلى نحيف «فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

ولم نأت بجديد، ولم نبتدع بدعة محرمة أو مكروهة، بل سبقنا لها أفاضل وعلماء ومشايخ تعاهدوا بعهود مكملة لوثيقة الزواج، ولم ينعتهم أحد «بالمبتدعة» أو استهزأ بهم مستهزئ وقال لهم «ميثاقكم هزيل أو نحيف»، بل كلهم أزاهرة وتزوجوا من كريمات علماء من الأزهر ومشايخ ودعاة ورجال علم، فما رأيكم دام فضلكم في العلامة «رفاعة رافع الطهطاوي» وهو خريج الأزهر ومن رموز النهضة المصرية، وكان أول إمام لأول بعثة مصرية في عهد محمد على إلى خارج البلاد، فهذا نص عقد مرفق بوثيقة زواجه يلتزم فيها بعدم الجمع بين زوجته وأخرى، وإلا تعتبر طالقا وخالصة بالتلاتة، وجاء فيه نصا «التزم كاتب الأحرف رفاعة بن بدوى رافع، لبنت خاله المصونة كريمة بنت العلامة الشيخ محمد الفرغلي الأنصاري أنه يبقى معها وحدها على الزوجية دون غيرها، من زوجة أخرى أو جارية أيا ما كانت، وعلق عصمتها على أخذ غيرها من النساء أو تمتع بجارية أخرى، فإذا تزوج بزوجة أيا ما كانت، كانت بنت خاله خالصة بالتلاتة، وكذلك إذا تمتع بجارية ملك يمين، وقد وعدها وعدا صحيحا لا ينتقص ولا ينحل أنها مادامت معه على المحبة المعهودة، مقيمة على الأمانة والحفظ لبيتها ولأولادها ولخدمها وجوارها، ساكنة معه في محل سكناه، لا يتزوج بغيرها ولا يتمتع بجوار (جمع جارية) ولا يخرجها من عصمته حتى يقضى الله لأحدهما بقضاء......».

وهذه الوثيقة التالية: «رفض الأحفاد ذكر الأسماء» تم تحريرها يوم الخميس الموافق 16 مايو 1929 ميلادية وجاء فيها ما نصه: «قد حصل وبالتراضي بين كل من (فلان) من أعيان مركز قليوب، وبين زوجته الست (فلانة) هانم كريمة (فلان).. بعد تمام صيغة العقد الشرعي بإيجاب وقبول شرعيين، حسب قسيمة عقد الزواج المؤرخ في هذا اليوم، فقال الزوج المذكور (فلان) إن طلبتني زوجتي الست (فلانة) هانم المذكورة بنفسها أو بوكيلها أو بوكيل وكيلها أمام أي محكمة شرعية ترفع على دعوى بسبب زواجي من غيرها أو رجوع زوجتي التي كانت بعصمتي قبل زواجي من الست (فلانة) المذكورة بأن عادت زوجة لي، فتكون الست (فلانة) خالصة من عصمتي فى يوم زواجي من غيرها، وتكون الست (فلانة) مطلقة منى طلقة بائنة بينونة صغرى لا تحل إلا بمهر وعقد جديدين بإذنها ورضاها، وادفع لها تعويضها قدره ألفان من الجنيهات المصرية، وقد لفظ الزوج (فلان) بصريح العبارة وعلق الطلاق المذكور على وجه ما ذكر برضائه واختياره ورغبته بالقبول قبل هذه الكتابة، وتعهد أيضا بدفع التعويض السالف ذكره في حالة حصول الطلاق وزواجه بعد ذلك من غيرها، حصل هذا عن يد الشهود أدناه.......».

وهذان العقدان وغيرهما لهما دلالات أربع، الأولى: أنهما قد حررا ووقعا بعد عقد الزواج، ويؤكدان أن طرفي العقد يلفهما بيت واحد ويجمعهما هذا الميثاق الغليظ.. والثاني: أن كل عقد منهما ملازم لوثيقة الزواج، ووثيقة منفردة عن الأخرى، والتزام غير الآخر. والثالث: إن العقدين المرفقين بوثيقتي الزواج قد حملا من الشروط ما كانتا في حاجة إليه وتخافا منه، ومخاوفهما كانت من حقهما وفى محلها، ووجدتا من الرجلين الاعتبار والاحترام، كضمان حياتهما معهما دون ارتباط بزوجات أو جاريات أخريات، وربما كان تأمين حياتهما وبيتهما واستقرارهما مطلبا مفروضا أوجب الالتزام والتعهد به حيث تفرغا لبيتهما دون عمل آخر. والرابع: إن حاجة ومخاوف المرأة قديما تختلف عن حاجتها ومخاوفها الآن، ووجب على الرجل احترامها وتأمينها ما كان قادرا على الارتباط بها، أو الانصراف عنها دون إجبار، وهذه المخاوف كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: استمرارها في العمل أو الدراسة الجامعية أو العليا بعد الزواج، طريق مساهمتها فى مصروفات الأسرة، السكن في مكان معقول يتناسب مع مستواها الاجتماعي وإن صبرت على غيره قليلا، رفض السفر إلى الخارج برفقته وترك العمل أو الأسرة، نفقتها ومصروفها الشخصي وملابسها وغيرها، والأمر فى أوله قبول لمن ارتضى، وآخره انصراف لمن رفض، وكما أن الشروط حق لطرف فالرفض والقبول حق للآخر.

 

* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com