السيد ماكرون.. نعم والمسلمون في أزمة

01:49 ص ,09 أكتوبر 2020

نعم.. يا سيد ماكرون.. نحن في أزمة حقيقية، ولا نعرف سبيلا للخروج منها، ولما كنا جميعا شركاء في صناعتها، فقد وجب عليكم جميعا صرف هذا العفريت بمعرفتكم، فهذا الغرب «بريطانيا» صنع حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين بديلا ومنافسا للخلافة العثمانية الساقطة، حبيسة بين يديه، راعية وحاضنة لها، لا تتحرك خطوة أو تقتل قتيلا وتمشى في جنازته إلا بضوء أخضر منها، ومازالت تحتضن فلول الإخوان وأموالهم، أمريكا يا سيد ماكرون، هي التي بعثت الفكر الوهابي الجهادى من مرقده في سبعينيات القرن الماضي، وكان قد قبر فى مقابر التاريخ بلا رجعة وارتحنا منه ومن شروره، وأخرجت الدعاة المحرضين على القتل من قبورهم للقضاء على الدب الروسي الملحد، بضاعتنا في القتل والتدمير والسبي وبيع الجواري وتضييع الأسرى فى الصحراء واغتصاب المسبيات، جاهزة لمن يدفع، ودفع الملوك والرؤساء والأمراء العرب، ولم تدفعوا شيئا، وتوحش الوحش وتمرد وخرج من عقاله ولن يعود إلا بتكاتف الجهود، وحسنا فعلت أخيرا في بلادكم يا سيدى، ونحتاجها فى بلادنا.

يا سيد ماكرون: هذا الوحش الوهابي الذى خرج لمحاربة الدب الروس في أفغانستان، والذى جمعت له أمريكا كل شباب المتطرفين، وعلى رأسهم الدعاة المحرضون على الجهاد أمثال القرضاوي وعمر عبدالرحمن من العالم الإسلامي، ودفعتهم أموال الخليج جميعا إلى أتون الحرب، حين أنهى مهمته هناك، كان لزاما عليه أن يبدأها فى أماكن أخرى، كما بدأ الدواعش الموجة الأولى في سورية والعراق والثانية في ليبيا الآن، وبعدها سيتجهون إلى جنوب شرق آسيا، هذا المارد الجبار لم تكن هذه بداية تاريخه فقط، بل بدأ تاريخه من «حروب الردة» ومستمر إلى الآن وحتى نهاية الكون ولا رجعة ولا رجوع له، هذه الجيوش التي عادت بعد حروب الردة قد أدمنت القتال والقتل والسبي والغنائم والإسلاب، فكان لزاما على الخليفة أن يدفعهم إلى معارك ومناطق جديدة بعيدة عن المدينة، فلم تعد المدينة الصغيرة تفي طلبات هؤلاء، ولن يقدر عليهم أو يكبح جماح رغباتهم في الحرب والقتال، فأرسلهم يمارسون هواياتهم ضد خلق الله باسم الله، هذه هي الأزمة الحقيقية، كيف نوقف هذا الغزو، وهذا الزحف الممتد منذ القرون الأولى، فلا تنظروا تحت أقدامكم.

يا سيد ماكرون.. أزمتك محدودة، أما نحن غرقى الأزمات كلها، وأكبرها أنهم يعيشون فشل نظامهم وسلوكهم وتعاملاتهم وبغضهم وكرههم للناس وعزلتهم الداخلية والخارجية ونزاعاتهم وحروبهم الطائفية التي دمرت دولهم الإسلامية وما زالوا مصرين عليها ولا يتراجعون ولا يعتذرون. تستطيع بجرة قلم أن تحافظ على جمهوريتك وعلمانية دولتك، فتمنع مثلا التعليم فى البيوت حتى لا يستغل أولياء أمور الطلبة المتشددون هذا، ويعلمون أولادهم الفكر الإنعزالي الانفصالي المتشدد، تعلمهم في مدارسك العلوم والرياضيات والآداب والغناء والموسيقى والرسم وكل أنواع الفنون التي تهذب النفوس. تستطيع بجرة قلم أن تمنع النقاب فورا في كافة أنحاء الجمهورية، وتمنع هذه السلوكيات والعادات الدخيلة على مجتمعك وتجبرهم على احترام القانون، والالتزام بالمنهج العلماني للدولة وسيستجيبون. تستطيع أن تمنع هجرة هؤلاء إلى بلادك، وتفض هذه الطوابير المزدحمة والملقاة على أعتاب سفاراتك في هذه الدول، طلبا للأمان والحماية والسلام والعلم ولقمة العيش، حتى إذا ما وصلوا وتمكنوا، استوحشوا وطغوا على قانون البلاد، وطالبوا بتطبيق الشريعة. تستطيع أن تمنع فصل السيدات عن الرجال في المدارس والنوادي وحمامات السباحة أو الأولاد عن البنات حتى يشعر الناس بالألفة. تستطيع أن تمنع استقدام الأئمة والوعاظ المتشددين وترحل منهم من يثبت تشدده وتطرفه، وتعتمد على الوعاظ المعتدلين من أبناء الجمهورية بعد تدريبهم والتزامهم بقانون الجمهورية العلماني. تستطيع أن تمنع المال الوهابي لإقامة فعاليات أو مؤتمرات ذات طابع ديني إقصائي، أو الخروج عن القاعد العلمانية في احترام الأديان الأخرى دون إنقاص أو ازدراء أو تحقير، وهو حد تتجاوزه وتتخطاه كل هذه الجمعيات في فرنسا وغيرها، بل هو إحدى وسائل التحريض على جمع هذه التبرعات من خارج فرنسا، وبغير الحملات الدعائية الإقصائية هذه، وبغير العناوين التحريضية المتخاصمة والمعتزلة والمظلومية مع هذا العالم، ما أصبت الهدف وما حمست الكثيرين من الباحثين عن تأجيج هذا الصراع من المتشددين على التبرع وهم كثر، وكنت عاملا محركا للعزلة داخل هذه المجتمعات، ومساعدا في كافة الاعتداءات التي تمت على المجتمعات الأوروبية نتيجة شحن من قاموا بها بالكره والغل والتكفير والازدراء، ناهيك عن الوضع المالي لهذه الجمعيات، نرجو أن يكون في الفترات المقبلة محل رقابة صارمة.

نعم يا سيد ماكرون.. نحن في بلادنا في أزمة حقيقية عميقة، فلا تلتفت إلى ردود أفعال تدافع عن هذه الأفكار الانعزالية وهذا التطرف، ودافعا قويا للغرب كله لحماية منهج العلمانية من هذا الإرهاب وهؤلاء المتشددين، فهؤلاء أحد أسباب الأزمة التي نعيشها، أما أنتم فتستطيعون الخروج منها اليوم وليس غدا، أما نحن فقد غصنا في الوحل حتى الرقاب.

* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2024

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com