وتحكي استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة الرئيسية قصة مماثلة. فبايدن يتقدم على ترمب في ولايات ويسكونسن وميشيغان وفلوريدا وبنسلفانيا – وهي جميعها ولايات فاز فيها ترمب، وإن بفارق ضئيل في العام 2016، ولكنها ساعدته في فوزه بعدد أكبر في ما يسمى بـ "الهيئة الانتخابية" أو "الكلية الانتخابية" (Electoral College) على هيلاري كلينتون، وليس بالأصوات الشعبية التي فازت فيها كلينتون بما يقرب من 3 ملايين صوت على ترمب. وربما الأهم من ذلك أن الولايات التي فاز فيها ترمب بهامش قوي قبل أربع سنوات مثل أوهايو وجورجيا وحتى تكساس – التي تميل غالبا إلى جانب المرشح الجمهوري وصوتت لصالح ترمب في الانتخابات الأخيرة -- تبدو الآن في متناول اليد للديمقراطيين. إذن إذا كنت تتابع استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، فبإمكانك أن تبدأ في شراء الحلوى الآن!
المقياس الآخر الذي ينظر إليه المحللون للتنبؤ بمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية هو مقياس ما يسمى بالرضى عن أداء الرئيس (approval rating) في الـ 4-6 أشهر قبل الانتخابات. تاريخيا، ينبغي أن يكون مقياس أداء الرئيس 50 بالمئة أو قريبا جدا من ذلك في الأربعة أشهر الأخيرة قبل الانتخابات إذا كان ليحقق الفوز في إعادة انتخابه. في الذاكرة الحديثة، رئيسان أميركيان أخفقا في الفوز بولاية ثانية بسبب أن مقياس أدائهما كان أقل من 40 بالمئة – الجمهوري جورج بوش الأب، 34% والديمقراطي جيمي كارتر، 37%. أوباما 52، بوش الابن 48، أيزنهاور 68. جدير بالذكر أن أرقام ترمب لم تتجاوز نسبة الـ 50 بالمئة إلا مرارا قليلة في السنوات الثلاث ونصف الأخيرة، وقد انحدرت هذه إلى ما يحوم حول الـ 37% حاليا! هذه أرقام غير مطمئنة لترمب بالتأكيد، وليبدأ شراء الحلوى إذن!
بايدن كان يتفوق على ترمب بأقل من 5 نقاط في الاستطلاعات الوطنية في شباط/فبراير الماضي، لكن تفوقه توسع بشكل كبير جدا على مدى الأشهر القليلة الماضية حيث رفض الناخبون على نطاق واسع رد ترمب على جائحة كورونا والاحتجاجات العرقية بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد في منيسوتا في شهر أيار/مايو الماضي. وقد أثارت أرقام ترمب في استطلاعات الرأي وانخفاض أرقام الرضى عن أدائه أيضا، وهي أرقام تواترت بعناد في الأشهر الثلاثة الماضية، الذعر لدى بعض الجمهوريين. فهؤلاء بدأوا يخشون الآن من أن ترمب لن يخسر الانتخابات الرئاسية فحسب، بل إنه قد يؤدي إلى خسارة بعض أعضاء حزبه الجمهوريين في مجلس الشيوخ مقاعدهم في الانتخابات المقبلة (ثلث أعضاء مجلس الشيوخ يواجهون الاقتراع كل سنتين) ما يفقد الحزب سيطرته على المجلس. وهو ما سيكون كارثة تسبب بها ترمب للجمهوريين الذي يكونون قد خسروا البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، فضلا عن خسارتهم لمجلس النواب في انتخابات 2018، بسبب نفور غالبية الأميركيين من ترمب أيضا.
ومع بقاء أقل من 100 يوم حتى الانتخابات العامة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيتعين على ترمب أن يعود بشكل ملحوظ وقوي للحصول على فرصة حقيقية للفوز بولاية ثانية. ومع ذلك، فمن الصعب حتى الآن العثور على أي شخص في الولايات المتحدة يجادل بأن انتصارا ثانيا لترمب بات مستحيلا الآن.
أحد الأسباب الرئيسية للتفاؤل في معسكر ترمب هو أنه كان قد تغلب على عجز كبير في استطلاعات الرأي من قبل. فقد كانت منافسته الديمقراطية كلينتون قد حققت تقدماً زاد على العشر بالمئة عليه في أوائل العام 2016 وكانت تفوقه بمقدار 7 نقاط قبل أسابيع قليلة من يوم الانتخابات. ويشير خبراء الاستطلاعات إلى أن الاستطلاعات الوطنية غالبًا ما تجعل السباق الانتخابي يبدو أقل تنافسية مما هو عليه في الحقيقة. والجدير بالذكر أن خصوصيات نظام "الهيئة الانتخابية" في أميركا تعني أن ترمب يمكنه الحصول على ملايين الأصوات أقل من بايدن ومع ذلك يفوز في الانتخابات، كما فعل قبل أربع سنوات. ورغم أن استطلاعات الرأي لم تتوقع فوز ترمب في العام 2016، فهي كانت صحيحة في الغالب في توقع فوز كلينتون بالأصوات الشعبية. ولكن ترمب فاز فيها بتفوقه على كلينتون في عدد قليل من الولايات المتأرجحة الحرجة مقل أوهايو وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا.
يتفق الخبراء على أن من المرجح أن يكون فيروس كورونا هو القضية الحاسمة بالنسبة لمعظم الناخبين في انتخابات هذا العام. فقد بدأت أرقام ترمب في التراجع الواضح في استطلاعات الرأي مع تزايد تفشي المرض في الولايات المتحدة؛ هناك الآن ما يقرب من 140,000 وفاة وما يقرب من 4 ملايين إصابة بالكورونا في الولايات المتحدة، ما يجعلها أسوأ دولة على وجه الأرض في مواجهة الوباء!! بعض المتفائلين يقولون إن هذا الاتجاه يمكن أن ينعكس بسهولة إذا تغيرت حالة الوباء أو ما إذا أبرز ترمب من كمه السحري لقاحا أو علاجا قويا ضد الوباء.
على الرغم من كل هذه العوامل، يرى العديد من الخبراء سببًا وجيهًا للاعتقاد بأن ترمب ربما لا يمكنه في هذه المرحلة المتأخرة من الانتخابات التغلب على بايدن، ويزعمون أن الحقيقة البسيطة هي أن ترمب لا يمكنه الفوز إذا لم يسيطر على فيروس كورونا. وتشير كل الدلائل إلى أن الوباء والتداعيات الاقتصادية المرتبطة به ستزداد حدة، بدلاً من أن تنحسر، خلال الأشهر القليلة المقبلة.
قبل الوباء، كانت القضية الرابحة لترمب هي الاقتصاد، رغم أنه حقيقة ليس المسؤول عنه – هي ببساطة دورة اقتصادية أطلقها سلفه الرئيس باراك أوباما وبدأت توتي أكلها في عهده، لحسن حظه. ولكن الاقتصاد الأميركي يمر بمرحلة دمار الآن، مع عشرات الملايين من الأميركيين العاطلين عن العمل واضطرار بعض الشركات إلى إغلاق أبوابها، فضلا عن النفقات الهائلة التي يتكبدها قطاع الرعاية الصحية الأميركي بسبب الأعداد الضخمة من الوفيات والإصابات. والحقيقة هي أن التهديدات الثلاثة الأكثر أهمية لما إذا كان ترمب سيتمكن من الفوز ثانية أم يمنى بهزيمة كارثية مدوية، عليه وعلى الجمهوريين من خلفه، فهي وباء كورونا والوضع الاقتصادي الرهيب في البلاد الناتج عن الجائحة وحرص الديمقراطيين على إبعاده عن منصبه بكل وسيلة ممكنة، بسبب ما رأوه من ويلات على يديه وتطاوله على مؤسسات الحكم الديمقراطي في البلاد في السنوات الثلاث ونصف الماضية.
ويقول المراقبون السياسيون إن استراتيجية ترمب لإعادة انتخابه بعد الفيروس تبدو وكأنها تتراجع. فقد حاول مرارًا استخدام الاحتجاجات العرقية لتصوير اليسار في أميركا على أنه تهديد للقانون والنظام، ولكن لا يبدو أن الرسالة تلقى صدى لدى الناخبين. كما يبدو أن هجماته على بايدن أقل فعالية بكثير من التكتيكات التي استخدمها لإفساد الرأي العام ضد كلينتون قبل أربع سنوات. كما حاول التسريع بإعادة فتح البلاد والاقتصاد عنوة وقبل أوانه، ولكن كانت النتائج وبالا عليه وعلى الولايات التي يحكمها حكام جمهوريون حاولوا مساعدته في مسعاه، ولكنهم اضطروا الآن إلى التراجع بعد أن تسببت خطواتهم تلك في ارتفاعات مدمرة لإصابات الكورونا ووفياتها – تكساس، فلوريدا، أريزونا، أوهايو، والحبل على الجرار.
ورغم تأكيدات ترمب المستمرة، كعادته في كل الأمور، بأن أرقامه أعلى مما تشير إليه استطلاعات الرأي الأخيرة، فقد أقال مدير حملته الانتخابية براد بارسكال الأسبوع الماضي، وعين بدلا منه بيل ستيبين، مديرا جديدا. لا أحد يقوم بتغيير رئيس حملته الانتخابية قبل أقل من 100 يوم من الانتخابات إلا إذا كان يشعر أن الرياح لا تسير كما تشتهيه سفن حملته الانتخابية.
من القراءة السريعة آنفا، يبدو أن ترمب في وضع صعب جدا لناحية إحراز انتصار ثان والتربع على عرش البيت الأبيض، وهو حوله إلى عرش فعلا، إذ أن هذا الرجل يمارس صلاحياته الرئاسية لا كأي رئيس أميركي قبله، بل فعلا كملك أو رئيس انقلابي من ملوك ورؤساء العالم الثالث.
ولكن هناك مسألتين يجب التنبه إليهما قبل أن يبدأ أحد بشراء الحلوى للاحتفال:
أولهما، عدم خروج الأعداد الكافية من الديمقراطيين والمستقلين للتصويت لبايدن يوم الانتخاب، سواء بسبب أن نسبة كبيرة من الديمقراطيين، وإن كانت متفقة عليه، ترى فيه مرشحا غير ملهم وغير قيادي محمس كأوباما مثلا. أو بسبب أن الجمهوريين وترمب تحديدا سيقومون بكل ما لديهم من قوة لتثبيط تمكن الناخبين الديمقراطيين من المشاركة في التصويت، عن طريق ألاعيب قانونية، مثل أن يُطلب من الناخبين أن يكونوا قد جددوا تسجيلاتهم وهويات انتخابهم لدى هيئة الانتخابات في ولاياتهم قبل فترة معينة. وهي أمور بسيطة ولكن بعض أنصار الحزب الديمقراطي هم من هذا النوع!
الثانية، هي أن ترمب الذي كان رئيسا أميركيا خارج المألوف بكل المقاييس في السنوات الثلاث ونصف الماضية، ربما يحاول سحب آخر أداة في صندوق أدواته، حتى بعد إعلان نتيجة هزيمته، أي الإعلان عن أنه لن يقبل بالنتيجة لما قد يصفه بأوصاف عديدة مثل "تزوير النتائج الانتخابية" في الولايات الديمقراطية، أو مشاركة كثيرين في الانتخابات "دون أن يكون لهم حق قانوني في التصويت"، وما شابه، وهي ألاعيب استعملها ترمب حتى حين فاز في الانتخابات العام 2016، فما بالك إذا فشل؟؟
* دبلوماسي أمريكي سابق
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com