فلا مجال لخطاب العقل مع هؤلاء، أو فتح قنوات تستدر عطفهم، أو تُلين ضمائرهم، أو تُرقق قلوبهم، فقلوبهم غلف وموصدة ومصفحة، وعقيدتهم راسخة ثابتة عن علم الجهاد من شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان دون رخاوة، وعنصر الرخاوة أحد أسباب الفشل لأى عمل جهادى، ويستشهدون بنجاح الخلافة العباسية وفشل الآخرين بسبب القسوة والشدة والترويع والتخويف، ومنها نبش قبور الأمويين وصلب جثث خلفائهم، وكذلك الغلظة التى صاحبت الغزوات فى تاريخ الأوائل، وما صنعوه فى الناس على يد قادة الجيوش «فالعرب كانوا محاربين ويعرفون طبيعة الحروب، وهكذا فهم الصحابة أمر الشدة، وهم خير من فهم السنن بعد الأنبياء، حتى إن الصدّيق وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما مارسا التحريق بالنار على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهم بأثر الشدة المغلظة عند الحاجة (كتاب إدارة التوحش منهج كل الجهاديين)، وفيما قالوه: «وسواء استعملنا الشدة أو اللين فلن يرحمنا أعداؤنا إذا تمكنوا منا».
وأول محاور الحوار الركيك الضعيف أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ونؤكد أن الإسلام انتشر بالسيف لا خلاف، وإياك أن تغالط هذه الحقيقة وإلا سقط الحوار فى مستنقع المزايدة والمحاباة والمناقصة والتكلف، ولو قال بعضهم إن الإسلام انتشر بالدعوة كخطوة أولى ومن أبى جاهدوه بالسيف، لأن السيف منفذ للمصلحة، وإلزام الناس بأداء حق الله فى العبادة بالقوة، هى مراوغة مرفوضة، وتضليل مهين وظالم للدعوة ذاتها، الأمر واحد فى الحالتين، والحقيقة أن الإسلام انتشر بالسيف، وكانت الهجرة إلى المدينة بداية تحويل الخلاف بين المسلمين وقريش من خلاف عقائدى إلى خلاف سياسى يحسمه السيف والقتال، وكان الوسيلة الوحيدة لإنهاء النزاع بين الأطراف، هل كان ضرورة؟ ربما. ولم يكن الأمر مطلوباً ولم يكن منهجاً مقبولاً للدعوة بعد وفاة صاحب الوحى والدعوة، إلا أن حروب مانعى الزكاة (وأطلقوا عليها خطأ حروب الردة) قد خلقت جيوشاً جرارة بالآلاف، ومقاتلين ومحاربين أقوياء أشداء، أدمنوا القتال، ولم يكن مقبولاً عودتهم للمدينة بعد أن ذاقوا حلاوة الغنائم والسبايا والسطو ونعمة الحصول على ثروات الغير وغنائمه دون عمل اللهم قتله وغزوه، وأتصور أن حكمة أولى الأمر قد فرزت الأمر جيداً وحوّلتهم إلى ميادين القتال بديلاً عن العودة إلى المدينة، هروباً من عبء لا فكاك منه، وقلاقل قادمة لا محالة، وقد حاولوا تأصيل هذا الغزو تأصيلاً شرعياً، تحت مسمى فتح إسلامى أو جهاد لنشر الإسلام، إلا أنه كان غزواً واحتلالاً وسلباً بغير حق، عقيدة الجهاد سارت مسار البداوة، وخالفت المسار الإلهى للدعوة يقيناً وأكيداً، هؤلاء قد قالوا بالحرف الواحد: «العلم الذى لا يصل إلى التصديق الجازم ولا يطابق الواقع لا يسمى عقيدة».. الأسبوع المقبل.
* كاتب مصري وباحث فى تاريخ الجماعات الاسلامية عضو المجلس الأعلى للثقافة
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com